تتميز دعوة الإخوان بأنها دعوة متوازنة في منهجها معتدلة في فكرها، فهي دعوة مدنية تدعو الناس إلى عمارة الدنيا وقلوبهم متعلقة بالآخرة، فكرتها "أنه حيث وجدت المصلحة فثم شرع الله"، تؤمن في عقيدتها أن الشريعة تدعو إلى مصلحة العباد والرحمة والعدل بينهم "فشريعة الإسلام رحمة كلها عدل كلها سمحة كلها، وكل مسألة انتقلت من الرحمة إلى ضدها ومن العدل إلى ضده ومن السماحة إلى ضدها ليست من شريعة الإسلام في شيء..."

 

(ابن القيم)، هذا الإيمان وهذه العقيدة السليمة هي التي تشكل وجدان هذه الدعوة ومنهجها المتوازن فهي ليست دعوة براجماتية ولا ميكافيلية، ليست نفعية ولا صاحبة غرض تتلون للحصول عليه ثم تتنكر لمواقفها بعد ذلك، إنها دعوة واضحة وصريحة، ولا أعني بهذه الكلمات تعديد مناقب الجماعة لمن لا يعرفونها، وإن كان هذا واجب علينا.

 

إنما أردت بهذه الكلمات لفت أنظار أبناء هذه الدعوة المباركة إلى أهمية التوازن في دعوة الإخوان وأن ترك الأخذ بالتوازن يحدث خللاً على المدى البعيد يؤثر في مسيرة الدعوة: التوازن بين متطلبات الدنيا والآخرة:

وهو يعني التوازن بين متطلبات الجسد والروح، وهو يعني أيضًا السعي لعمارة الدنيا, بمعنى أن البرنامج الدعوي والسياسي لا بد أن يضع في أولوياته إصلاح البلاد والعباد ولا بد أن يستشعر المجتمع ذلك، ونحن نسعى لحل قضاياه والسعي لقضاء حوائجهم من منطلق تعبدي وليس سعيًا لكسب قلوبهم أو أصواتهم إن كانت هناك أصوات من الأساس لم تؤمم!!!!!! "لأن أسعى في حاجةٍ أخي خير لي من أعتكف في مسجدي هذا سبعين سنة" الحديث، وهذا ما سعت إليه الجماعة منذ ثلاثينيات القرن الماضي فكان الإخوان من أول من أنشأ الشركات المساهمة، وكانت هناك العديد من الشركات التي أثَّرت إيجابيًّا على أفراد الإخوان وأفراد المجتمع، وكان الإخوان من أول من أنشأ الخدمة الليلية للصيدليات بل ومن أول مَن أسس رياض الأطفال والمستوصفات الطبية الخيرية وغيره كثير (راجع الإخوان المسلمون والمجتمع المصري.. رسالة ماجستير)؛ مما يعني أن منهج الإصلاح الاجتماعي والمجتمعي عميق وأصيل في هذه الجماعة وأن استيعاب الجماعة لهذا البعد كان واضحًا تمام الوضوح لدى الأفراد، وهو ما يجب أن نُعيده إلى حيز الوجود إن كنا نريد الخير لدعوتنا، وكذلك لا نريد أن يكون أبناء الإخوان منقطعين عن الدنيا للآخرة بل..﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)﴾ (القصص) لا نريد أفرادًا أيديهم فارغة من الدنيا بل نريد أفرادًا قلوبهم فارغة من الدنيا وأيديهم مملوءة بالخير؛ لأن الداعية إذا شغلته الهموم وأكلته الديون لن يستطع أن يعطي لدعوته شيئًا وإن أعطاها بوقته لكنه سيكون شارد الذهن مشغول الفؤاد، ومن هنا ندرك أن النظر بعين الاعتبار للجوانب الاقتصادية للأفراد وإصلاح أحوالهم المعيشية هو من الأولويات، ومن التبعات والمسئوليات التي لا يمكن إصلاح الدعوة دون إصلاحها، ولنا في رسول الله قدوة حسنة حين يسأل الرجل القابع في المسجد "من أين تأكل" فيقول: من عمل أخي فقال له: "أخوك أعبد منك"، وأيضًا في توجيهه للرجل الذي جاء يسأل الناس حاجة كيف وجهه إلى صنعة وحرفة يتقنها ويتكسب من ورائها، وقوله في أموال الزكاة "لا نعطيها لذي مرة سوى" أي لذي قوة سليم البدن فالقادر السليم يعمل ولا يسأل الناس.

 

وطلب العلم لا يتنافى مع العبادة والدعوة والتوازن بينهم مطلوب، فلا بد أن يكون مدار الأمر على التوازن بين التكاليف الدعوية والمهام الحياتية لكسب العيش، وكذلك الأمور التعبدية والإيمانية وعمارة الدنيا، وهكذا كان أمة الهدى في صدر هذه الأمة يملك أبو بكر الصديق أربعين ألفًا عند إسلامه ويهاجر بخمسة آلاف ينفق كل ذلك في سبيل الله ويموت وليس معه شيء، ويهاجر الزبير بن العوام إلى المدينة وليس معه شيء من حطام الدنيا ويموت وقد ترك خمسين مليونًا ومائتي ألف درهم، وكذلك عبد الرحمن بن عوف الذي ترك مالاً من الذهب كان العمال يقطعونه بالفأس وما فاتتهم غزوة وما بخلوا على دعوتهم وما تركوا طلب العلم يومًا بل كانوا ممن بُشِّروا بالجنة وهم أحياء.

أولئك آبائي فجئني بمثلهم *** إذا جمعتنا يا جرير المجامع

 

التوازن بين السياسي والدعوي والتربوي

لدعوة الإخوان مهام وظيفية ثلاثة، الوظيفة التربوية والوظيفة الدعوية والوظيفة السياسية، ولكل وظيفة مهامها ومساراتها ورجالها ولها أيضًا تقنياتها وفنياتها ولها وسائلها.

 

إن العمل وفق جميع المحاور لدى جماعة الإخوان يتم دائمًا من منطلق دعوي ولكن يجب أن يكون التوازن في العرض والأداء، ولا يجب أن يطغى الحس الدعوي والشرعي على كل أطروحاتنا وخطابنا وليست كل القضايا ينظر إليها من منظور الحلال والحرام وكذلك يجب عدم الفصل المنهجي بين السياسة والدعوة فالسياسة عند الإخوان جزء من الإسلام لا يصح إسلام المرء إلا به (أنا أعلن أيها الإخوان من فوق هذا المنبر بكل صراحة ووضوح وقوة، أن الإسلام شيء غير هذا المعنى الذي أراد خصومه والأعداء من أبنائه أن يحصرونه فيه ويقيدونه به، وأن الإسلام عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، وسماحة وقوة، وخلق ومادة، وثقافة وقانون، وأن المسلم مطالب بحكم إسلامه أن يعنى بكل شئون أمته، ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم.

 

وأعتقد أن أسلافنا رضوان الله عليه ما فهموا للإسلام معنى غير هذا، فبه كانوا يحكمون، وله كانوا يجاهدون، وعلى قواعده كانوا يتعلمون، وفي حدوده كانوا يسيرون في كل شأن من شئون الحياة الدنيا العملية قبل شئون الآخرة الروحية، ورحم الله الخليفة الأول إذ يقول: (لو ضاع مني عقال بعير لوجدته في كتاب الله).

 

بعد هذا التحديد العام لمعنى الإسلام الشامل ولمعنى السياسة المجردة عن الحزبية، أستطيع أن أجهر في صراحة بأن المسلم لن يتم إسلامه إلا إذا كان سياسيًّا، بعيد النظر في شئون أمته، مهتمًا بها غيورًا عليها. وأستطيع كذلك أن أقول إن هذا التحديد والتجريد أمر لا يقره الإسلام، وأن على كل جمعية إسلامية أن تضع في رأس برنامجها الاهتمام بشئون أمتها السياسية وإلا كانت تحتاج هي نفسها إلى أن تفهم معنى الإسلام)، (الإمام الشهيد حسن البنا من رسالة المؤتمر الخامس "مؤتمر الطلبة").

 

(ويقول قوم آخرون إن الإخوان المسلمين قوم سياسيون ودعوتهم سياسية ولهم من وراء ذلك مآرب أخرى. ولا ندري إلى متى تتقارض أمتنا التهم وتتبادل الظنون وتتنابز بالألقاب، وتترك يقينًا يؤيده الواقع في سبيل ظن توحيه الشكوك.

 

يا قومنا: إننا نناديكم والقرآن في يميننا والسنة في شمالنا، وعمل السلف الصالحين من أبناء هذه الأمة قدوتنا، وندعوكم إلى الإسلام وتعاليم الإسلام وأحكام الإسلام، فإن كان هذا من السياسة عندكم فهذه سياستنا، وإن كان من يدعوكم إلى هذه المبادئ سياسيًّا فنحن أعرق الناس والحمد لله في السياسة، وإن شئتم أن تسموا ذلك سياسة فقولوا ما شئتم فلن تضرنا الأسماء متى وضحت المسميات وانكشفت الغايات.

 

يا قومنا: لا تحجبكم الألفاظ عن الحقائق والأسماء عن الغايات، ولا الأعراض عن الجوهر، وإن للإسلام لسياسة في طيها سعادة الدنيا وصلاح الآخرة، وتلك هي سياستنا لا نبغي بها بديلاً فسوسوا بها أنفسكم، واحملوا عليها غيركم تظفروا بالعزة الأخروية، ولتعلمن نبأه بعد حين....)، (الإمام البنا، رسالة إلى أي شيء ندعو الناس).

 

لذلك يجب أن يكون هناك توازن وحكمة تضع كل شيء في نصابه، فلا يصح أن تُقدَّم أعمال البر وقضاء حوائج الناس تحت لافتة سياسية ولا تُستغل لعملٍ سياسي وإلا أفقدت العمل قيمته، وقصة النبي- صلى الله عليه وسلم- وهو يحمل المتاع للمرأة العجوز وهي تُحذره من تصديق الرجل الذي يزعم أنه نبي خير دليل على عدم استغلال العمل الخيري لتحقيق مكاسب سياسية أو دعوية، بل يجب أن يبذل الخير لذاته وابتغاء الأجر، وأن يعرف الناس الدعاةَ على أنهم رموز خير وأهل بر لا أصحاب مصالح من وراء عملهم، في المقابل يجب ألا ننسى أننا هيئة إسلامية جامعة تعمل وتتحرك وتصلح وتُغيِّر من منظورٍ إسلامي كذلك لا يصح أن تكون نظرتنا ضيقة ونحصر همنا ودعوتنا في تغيير وتحويل كل شيء إلى الاسم الإسلامي فقط، وكل ما يتصل بنا وبأعمالنا يحمل الاسم الإسلامي (الفن إسلامي والغناء الإسلامي والإعلام الإسلامي والطب الإسلامي وووووو.............!!!!!!!) دون النظر إلى المضمون، ونظن أننا قدمنا للإسلام خدمةً جليلةً، وهذا في نظري عزل للفكرة الإسلامية عن الحياة والناس، بل هناك العديد من القضايا المدنية في حياة الناس لا تتطلب في قضائها شعارًا، كما أنه لا يصح أيضًا أن تقف على منصة البرلمان لتناقش القضايا من وجهة النظر الحلال والحرام فقط حتى يُقال هؤلاء دراويش لا يعرفون إلا الحلال والحرام فقط، ولا يهتمون بشيء من مصالح الناس وقضاياهم بقدر اهتمامهم بالقضايا الدينية حتى لو كانت شخصية "الفنانة اللي تحجبت والكاتب الذي أساء في كتابته ووووو"، وننسى جانبًا مهمًّا وهو أن الشخص مهما كان قدره وشهرته عند الناس، فالدين أكبر منه والشخص لا يمثل إلا نفسه سواء أحسن أو أساء، ونحن لا ندافع عن أشخاص، كما أن القضايا العامة أهم وأولى من القضايا الشخصية، وعلى سبيل المثال حين نشرت وزارة الثقافة كتبًا تسيء إلى الدين مرات ومرات، فكان الرد والتعاطي مع القضية في المرة الأولى عن الإساءة والحكم الشرعي والرأي القانوني فيها، وأغفلوا الجانب الأهم وهو تبديد المال العام على أعمال لا تليق، واستخدام السلطات التنفيذية لتحقيق مآرب شخصية، وليترك جانب الرد على الإساءة للرأي بالرأي والرد الشرعي من الجهات الشرعية، ولتقرع الحجة بالحجة ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ﴾ (الرعد: من الآية 17)، وعلى الجانب الآخر فإن العمل السياسي قائم على الخصومة وتنشأ الخصومة من أن الخصوم جميعًا يعملون ويمارسون السياسة على أرض واحدة، وكل يريد أن يستحوذ على أكبر مساحة على أرض الواقع وما يكسبه هو انتقاص من خصمه ووجوده، وبالتالي تأثيره وشرعيته، ولأن العمل السياسي والحزبي يعني تداول السلطة فإن الممارسة السياسة تعني المناورة على القمة وليس على دور الوصيف أو عمل خيري مع الفقراء، ومن هنا كانت الحسابات تختلف والثمن مختلفًا، ويصبح كل شيء له قيمة وثمن لا يدركه عوام الناس، وتلعب المعلومات دورًا مهمًّا في هذا الصراع، ولذلك طرح المعلومة أو الاحتفاظ بها أو سبق الحصول على المعلومة قبل أوانها وقبل غيره يمكن طرف دون الآخرين من اتخاذ مواقع مؤثرة على الأرض والواقع، لذا فإن الأمر يحتاج إلى التوازن الشديد مصحوبًا ببعد النظر والحنكة في التصريح بالمعلومة أو الإمساك بها.

 

التوازن بين العمل الإداري وعمل اللجان

لقد أثَّر كثيرًا الخلطُ بين العمل الإداري وعمل اللجان في العمل والحركة رغم أن الأصل عدم التعارض في الاختصاصات والمهام، وعلى سبيل المثال ظنَّ البعض أن التربية هي الجهة المسيطرة والمنغلقة على نفسها وهمها ووظيفتها (التفلية) والتفتيش عن العيوب في الضمائر والقلوب، وأن رجال التربية هم المتشددون وهم الذين يعطون صكوك الولاء أو الإقالة والإبعاد، وهذا والله وهم كبير؛ لأن مهام التربية أرقى وأعظم من أن تقوم بدور الشرطي داخل الجماعة، وإذا كان هناك مَن يقوم بمثل هذه الأعمال ظنًّا منه أنه يخدم الدعوة والجماعة أقول له اتق الله وراجع مهامك ولا تفتئت على دعوتك التي استأمنتك عليها حين أوكلت إليك هذه المهام، وإن كان البعض يقول ذلك دون دليل أو بينة أقول له اتق الله وتبيّن قبل أن تتكلم، ومَن رأى وتبيَّن له ذلك عليه ألا يسكت لأن الساكتَ عن الحق شيطان, ولكن عليه أن يتبع آداب النصح ويسلك طرقه اللائحية والتي لا تمنع أي شخصٍ من الوصول لو أراد إلى مكتب الإرشاد، ولكن لكي تكون شكواك محل نقاش يجب أن يشكو معلوم إلى معلوم وليس مجهول إلى معلوم (وفي هذا تفصيل في حينه)، وليدرك الجميع أن الحفاظ على صورة الجماعة مسئولية أبنائها وسلوكياتهم وتصرفاتهم.

 

وعلينا أن ندرك أولاً أننا جماعة إصلاحية تغييرية، ومنهج التغيير فيها تربوي يعني تغيير نفوس وتربية ضمير وتشكيل وجدان وليس تغيير مناصب أو شكليات وأسماء دون مسميات، ومن هنا كان لا بد أن يعي الجميع أن كل ما تقوم به الجماعة يصب في النهاية تربيةً وإحسانًا للمجتمع وللإخوان سواء بسواء، وتتكاتف في ذلك كل أقسام الجماعة، ومن هنا كان مفهوم التربية عند الإخوان أوسع من القسم المختص، والكل في الجماعة تربويون وإداريون يمارسون عملية التربية كلٌّ حسب الدور المنوط به.

 

التوازن الفئوي

وأعني به أن تمتد الدعوة لتشمل جميع فئات المجتمع فهي ليست دعوة مثقفين فقط، وإن كانت الثقافة أحد دعائمها، ولكن يجب أن تشمل الدعوة كل فئات المجتمع من العمال الذين هم وقود كل ثورة عبر التاريخ إلى الفئات والشرائح المختلفة كالمعلمين (كان المعلمون هم القوام الأساسي لحركة التغيير والتحرير للنرويج من الاحتلال النازي عام 1942م وأمام صمود حركة المدرسين أعلن الحاكم النازي هزيمته قائلاً "دمَّر المدرسون ما كنتُ أحاول فعله"، وفي عام 2000م حينما أراد الحاكم الصربي ميلوسيفيتش تزوير الانتخابات فأعلنت المقاومة الصربية "أوتبور" والمعارضة الإضراب العام، وكان نجاحه بتجاوب عمال المناجم في جميع أنحاء البلاد)، وهكذا نرى أن الحركات التغييرية لا بد أن تضم إليها كل فئات الشعب ولا تستثنى فئة.

 

التوازن العمري

وهو أن تتمثل الدعوة في كل الأعمار السنية وبنسب متوازنة ولكل مرحلة عمرية دلالاتها فكلما كان هناك أعداد من الشباب في العشرينيات من العمر ودون العشرين وبعددٍ وافرٍ فهذا يعني للمحللين والمعنيين بالأمر خصوبة هذه الدعوة وامتداد مستقبلها بقوة وازدهار لعدة عقود، كما يعني وفرة النشاط وكثرة الأداء والقدرة على المناورة والحشد وأداء الأعمال العامة بقوةٍ وكفاءة (الذين قادوا حركة المقاومة في صربيا عام 2000م، كانوا 20 شابًا في البداية ولم تتجاوز أعمارهم بعد العشرين من العمر)، كذلك وجود نسبة من الأفراد بين 30-40 سنة هذا يعني خصوبة الدعوة بالقيادات الوسيطة مع القدرة على العطاء والمثابرة وهي تمثل العمود الفقري لأي حركة، وهي تعني حلقة الوصل بين أول الصفِّ ومنتهاه وقلة العدد في هذه المرحلة العمرية تعني مشكلة كبيرة، وأن هناك خللاً تتراكم آثاره منذ سنوات وعلاجه يحتاج إلى زمنٍ مثله تدفع الدعوة والحركة ثمنه غير قليل، ووجود أعداد فوق الأربعين يعني رصيد الخبرة والحنكة والقيادة الحكيمة وافتقار الدعوة والجماعة لعنصر الخبرة والحنكة يفقدها الكثير من قوة التأثير ويُفوِّت عليها كثيرًا من الفرص.

 

والتوازن هنا يعني التدرج الهرمي العددي التنازلي أعلاه عددًا في العشرينيات وأقله فوق الأربعين، واختلال هذا التوازن والتدرج يعني وجود مشكلة ما في الاستيعاب أو روافد الإمداد حدثت في فترة ما غفل فيها المسئولون عن الإحصاء العددي أو كما حدث في إحدى المناطق التي لا يوجد بها سكن للمقبلين على الزواج فانطلق الشباب عند الزواج يبحثون عن السكن في مناطق أخرى أوفر وأرخص سكنًا، وكانت النتيجة خلال عدة سنوات وجود مشكلة في المنطقة لهجرة الشباب، وبعدها أزمة أخرى في ندرة القيادات الوسيطة، وبالتالي تأثر العمل بقوة، ومعها تبدأ رحلة البحث عن الحلول، ولكن بعد فوات الأوان؛ لذا وجب النظر إلى الأمر بعين التوازن.

 

التوازن الجغرافي

وهنا لا بد من رسم خريطة لتوزيع الأفراد جغرافيًّا سكنًا وعملاً حتى نتمكَّن من قراءة الواقع قراءةً صائبةً، وعندها ستجد حقائق كثيرة بين يديك كنت غافلاً عنها، وأن أبناء الدعوة يتركزون في دائرة محددة حول المسجد الرئيسي أو حول سكن الداعية المؤثر وتقل الكثافة بالابتعاد عن مركز الدائرة مع وجود أماكن خالية تمامًا من الدعاة والأفراد يجب توجيه الجهد إليها، كما يتضح أن الإصرار على وسيلةٍ واحدةٍ كالمسجد مثلاً لتبليغ الدعوة أمر غير مقبول في حين أن هناك مجمعاتٍ للعمل مثلاً يغشاها في اليوم الواحد عشرات الآلاف، وهي بيئة خصبة للعمل الدعوي وغيرها من الوسائل والبدائل كثير إذا أحسن التوجيه إليها من قبل القيادة.

 

التوازن بين الجنسين

حيث إن النساءَ هن نصف المجتمع ولهن أبلغ الأثر في النصف الآخر؛ لذا فإنه لا تستقيم دعوة تهمل أكثر من نصف قوتها، والنساء شقائق الرجال، وهن مصدر القوة أو نقطة الضعف لأي مجتمعٍ، فمن أخذ بها كانت قوة له ومَن أهملها كانت نقطةَ الضعف عنده، وحين قامت الثورة الهندية على يد غاندي (من 1930 إلى 1948م) قدمت الثورة الهندية 100 ألف معتقل منهم 17 ألف امرأة تم وضعهن في معسكرات الاعتقال مع غاندي.