رحلة الشرف والتكريم:

﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير﴾.

 

لقد كانت رحلةُ الإسراء والمعراج ربطًا على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتثبيتًا له وللمؤمنين أمام الحملات الهوجاء الظالمة والعنيفة التي شنَّتها قوى البغي والظلم على دعوته الهادية التي جاء بها رحمة للعالمين، كما كانت تطمينًا له وللمؤمنين بأن المستقبل لدعوة الحق وميراث النبوة مهما تكن المحن والعقبات، كما كانت إيذانًا ببزوغ عصر جديد تعلو فيه كلمةُ الحق فوق القوة، وتتقدم فيه معاني الأخوة الإنسانية على روح الصراع والعصبية، إذ صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجميع الأنبياء إماما في المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله؛ لتصبح الأمة بمقتضى هذه الإمامة وارثة دعوات الإصلاح، والقيمة على نشر قيم الحق والخير والفضيلة في الأرض ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.

 

وتحوَّل المسجدُ الأقصى والأرضُ المباركة إلى أحد أهم الرموز المعنوية المميزة لشخصية هذه الأمة.

 

المسلمون يحققون السلام ويواجهون الكيد في الأرض المباركة:

 

لقد قامت الأمة بواجبها في عمارة الأقصى وحمايته وبث الأمن في ربوع الأرض المباركة من حوله على مدى قرون، كان الأمن والسلام عنوان الحياة فيها على الأرض المباركة للناس أجمعين، على اختلاف أديانهم وأجناسهم، وتصدَّتْ الأمة للمحاولة الصليبية الأثيمة التي أغرقت ساحاته بالدماء وملأت جنباته بالأشلاء في محاولتها الفاشلة التي استمرت لما يقرب من عشرة عقود، انتهت بالاندحار أمام استقامة وثبات المؤمنين وإصرارهم على الحق.

 

ودار الزمان دورته، وألقى الاستعمار الغربي إلى الأرض المباركة بعصابات الصهاينة تروع الآمنين، وتنشر الفساد، وترتكب المجازر وتخضب الأرض الآمنة بالدماء، وتقيم كيانا مصطنعا من المحتلين الفاشيين الجدد القادمين من أنحاء الدنيا، على حساب أبناء الأرض، وتدفع بملايين الفلسطينيين إلى الشتات واللجوء، في أبشع عملية تطهير عرقي وديني في العصر الحديث، وهو كيان زائل حتما بإذن الله، كما زال الكيان الصليبي من قبله بعد أن ﴿ظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَار﴾.

 

في ذكرى الإسراء وتحرير الأقصى:      

 

ها هي ذكرى الإسراء والمعراج وتحرير المسجد الأقصى على يد صلاح الدين الأيوبي تأتي هذا العام ورحاب الأقصى الطاهرة لا تزال عرضة لتدنيس الصهاينة، ومشروعات التهويد لا تزال تتوالى لاغتيال القدس وفلسطين، مستغلة حالة التمزق والتراجع العربي والإسلامي على المستوى الرسمي، ومستفيدة من الثورات المضادة التي تقودها فئة من المتصهينين لمواجهة الربيع العربي، ولوقف امتداد الصحوة الإسلامية والعربية التي بعثت روح الثورة والعزة في نفوس الأجيال الشابة التي ترفض الانهزام النفسي أمام المشروع الصهيو أمريكي، وتصر أن تصوغ مستقبلها بنفسها بعيدا عن التبعية والتشرذم.

 

  وهي ذكرى يجب أن توقظ في نفوس كل المسلمين وكل الأحرار في العالم روح الوحدة والعزة والغيرة على المقدسات، وأن تحيي فيهم قيم العدل والإنسانية ونصرة المظلوم، وأن تدفعهم للاجتماع على إحقاق الحق ورفض الباطل والظلم، وأن تبعثهم على وضع حقوق الإنسان موضع التنفيذ بشكل صحيح وعادل وغير انتقائي.

 

وفي ظلال ذكرى الإسراء والمعراج فإن الإخوان المسلمين يؤكدون على ما يلي:

 

- إذا كان الصهاينة يدفعون باتجاه طرح مشروعات لتهويد القدس وتقسيم الأقصى وفرض أمر واقع حسب خططهم التلمودية، ظانين أن هذه الموجة الارتدادية للثورة المضادة وانشغال الشارع العربي في كل دولة بقضاياه الداخلية ستشغل الأمة عن المواجهة والمقاومة؛ فإننا نؤكد أن قضية الأقصى والقدس هي قضية القضايا التي تحقق توحيد الكلمة ونبذ الفرقة، وأن تحرير القدس والأقصى هو الهدف الأكبر لكل الأحرار بعد تحرير الإرادات والأوطان، ولن يشغلنا عن ذلك انقلاب دموي فاشي رتب له الصهاينة ودعمه الغرب وموَّله المتصهينون العرب وروج له إعلام رجال الأعمال الفسدة، ونوقن أنه انقلاب آيل للانهيار والسقوط القريب على يد الثوار الأحرار بإذن الله.

 

- نوقن يقينا لا شك فيه أنه لا مستقبل لهذا الكيان الصهيوني الغاصب على ثرى الأرض المباركة، وأن المجاهدين الربانيين الغيورين على شرف الأمة والواثقين في نصر الله لن يلبثوا أن يحرروا الأقصى والقدس وفلسطين ويسقطوا كامل المؤامرة الصهيو أمريكية، رغم ضخامة الكيد وتعدد أطرافه الإقليمية والدولية.

 

وفي هذا الصدد فإننا نوجه التحية لشباب ونساء وأطفال فلسطين الصامدين بإيمانهم والمتصدين بصدورهم العارية للغطرسة الصهيونية، والمبهرين بتضحياتهم الغالية من أجل الحفاظ على شرف الأمة ورمز حياتها وحيويتها.

 

كما نثمن مشروع المصاطب العلمية كأحد الآليات المبدعة للحفاظ على الأقصى وتراثه وحمايته، وندعو شباب فلسطين لمزيد من هذه الإبداعات الحضارية القيمة، وندعو المسلمين –وبخاصة الأثرياء- لدعم هذه المشروعات بكل صور الدعم المادية والعلمية والمعنوية.

 

- نثمن الإنجاز الفلسطيني بتحقيق المصالحة الوطنية وقرب إعلان قيام حكومة الوحدة الفلسطينية، ونعتبر ذلك خطوة مهمة على طريق حماية المشروع الوطني الفلسطيني للتحرير، وندعو كافة الأطراف الفلسطينية للبناء على هذه المصالحة، والنظر إلى الأمام، وتجاوز كافة خلافات الماضي، والتركيز في اتجاه مشروع التحرير، والحذر من المؤامرات التي تكيد لهذه الوحدة التي طالما سعى الصهاينة وحلفاؤهم لمنعها أو تعطيلها ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.

 

وندعو كافة الدول العربية والإسلامية ودول العالم الحر إلى دعم هذه المصالحة ودعم دولة فلسطين، وندعو الجامعة العربية إلى السعي لتحقيق وعود الدعم المادي التي تكفلت بها دول الجامعة لفلسطين والقدس والأقصى في قممها المختلفة.

 

- قضية فلسطين والأقصى ليست قضية الحكومات فحسب، بل كل مسلم –بل كل حر- مسئول مسئولية مباشرة عن الإسهام في تحرير المسجد الأقصي وفلسطين، وفي مواجهة المؤسسات الصهيونية المنتشرة في أنحاء العالم يجب أن تنشأ وتنشط الهيئات والمؤسسات الداعمة للحق الفلسطيني في كل المحافل والميادين لتوفير كافة سبل الدعم المادي والسياسي والمعنوي للشعب الفلسطيني وقوى المقاومة في الأرض المباركة، التي ستحقق بإذن الله غايتها وتنتصر لأمتها ولقضيتها، كما قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الدِّينِ ظَاهِرِينَ، لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: «بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ».

 

وقريبا يفرح المؤمنون بنصر الله وتحرير الأوطان والمقدسات ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
والله أكبر ولله الحمد.