كان بين المويلحي، وعلي يوسف ملاحاة ومهاترات، ليس لها سبب على ما يبدو غير المنافسة الصحفية بينهما، وحدث أن التقى محمد المويلحي نجل إبراهيم يسري من سراة مصر اسمه "محمد نشأت" وكان لقاؤهما في حانة "دركوس" من حانات القاهرة، وتعدى محمد المويلحي على محمد نشأت وسب أباه، فما كان من هذا الآخر إلا أن لطم محمدًا على خده، وذاع نبأ هذه اللطمة في الأوساط الأدبية في مصر في ذلك الوقت، وكان للمويلحيين أعداء كثيرون منهم الشاعر المصري المعروف إسماعيل صبري باشا، واتخذ الكتّاب والشعراء هذه اللطمة موضوعًا لفكاهتهم وتندرهم، وكتبوا كثيرًا في ذلك.

 

وأفسحت (المؤيد) صدرها لهذه الكلمات وسمي هذا العام الذي نشر فيه هذا الأدب الهجائي وهو عام 1902م، باسم عام الكف.

 

وقد نظم الشاعر إسماعيل صبري في هذا الموضوع اثنتي عشرة مقطوعة جعل شهر رمضان نهاية درامية لعام الكف كما سنرى في المقتطفات التي انتقيناها من هذه المعركة الأدبية الساخرة.

 

فمما قاله في المقطوعة الأولى:

إذا فتح العداة عليك حربًا               وخفت بوادر المتنجزينا

فقل وارفع عقيرة من ينادي            فلا تجد المؤزر والمعينا

أعرني يا ابن إبراهيم صدغًا           أخوض به غمار الصافعينا

فإن هو قد أعارك ما ترجى             رأيتهمو أمامك هاربينا

 

ومن الثانية: تحت عنوان الأسلحة الجديدة:

قلت لنجل الصافعين احترز           من صدغ إبراهيم يوم الكفاح

ولا تمازح إن رأيت ابنه             شاكي صدغ لا يجيب المزاح

فقال لي إن كان كفي معي              ما دمت حيًّا لا أهاب السلاح

 

ومن الثالثة وقد ضرب المثل بطيلسان ابن حرب الذي كان يضرب به المثل في القدم والبلى:

يا صراع الأكف صدغك أمسى           خلقًا مثل طيلسان ابن حرب

أنت في الحان في أمان وسلم        وهو في معمعمات حرب ضرب

 

ومن الرابعة:

فقال محمد نعم السلاح            إذا التف بالعسكر العسكر

وصدغك إن نقر الناقرون              عليه يرنّ ولا يكسر

 

والخامسة بعنوان النصيحة:

يا ابن الألي رسخت أحلامهم ورست           إذا الأكف مجانين مهاويس

لا تدخل الحان والصناع ثائرة                 حتى تقام حواليك المتاريس

وقل لصدغك يستقبل وفدهمو                   بالباب إنهم قوم مناحيس

 

والسادسة والسابعة والثامنة والتاسعة نشرت كلها بعنوان (المناجاة) وهي محاورة بين إبراهيم المويلحي وابنه محمد:

 

الأب:

لي خلال مخلة            بالمروءات والوفا

ربِّ هب لي نقيض ما      بان منها واختفى

يا عمادي وعدتي             يوم لا ينفع القفا

 

الابن:

إلهي إني من ذنوبي تائب            ومن فعلي الممقوت يا رب خائف

فلا تجعل اللهم صدغي صحيفتي    إذا نشرت يوم الحساب الصحائف

 

الأب:

هنا وهناك لي أثر حميد                  يشرفني إذا أنا ما انتميتُ

نهشت الناس أعراضًا ومالاً             ونلت من البرية ما شتهيتُ

وكم صفعَ الجريءُ أديمَ وجهي       فما خفت الهوان وما ارعويتُ

أأترك لذةَ الفتنِ اعتباطًا             واهجرها وفي المصباح زيتُ؟

 

- يشير هنا إسماعيل صبري إلى صحيفة (مصباح الشرق) التي كان يصدرها المويلحي-
الابن:

أنا فرع الألي رفعوا بناء         يُرَى للنسر فوق ذراه بيتُ

أريش يراعتي بمداد خبث         وأنَّي لاح لي هدف رميتُ

وإن أحد تعرض لي بسوء     وقفت وراء صدغي واختفيتُ

 

أما المقطوعة العاشرة نظمها على لسان المويلحي مفتخرًا:

أنا والله أصلُحُ للمخازي             وأفعل فعلتي وأتيه تيهًا

أمكن صافعي من لطم خدي      وأعطي ذمتي من يشتريها

 

والحادية عشرة والثانية عشرة بعنوان استرحام، الأولى على لسان المويلحي يسترحم صاحب (المؤيد) مما ينشر في جريدته:

أيها المولى الذي عودنا           حكمة الرفق بحال البائسين

إن شهر الصوم قد حلّ ففز      فيه بالأجر وشكر الشاكرين

قد كفاني كل ما قد حلّ بي        فاعفُ عني يا أبرّ القادرين

 

والأخيرة على لسان صاحب (المؤيد) يجيبه:

ابن إبراهيم طب، إنا وأن           قد اذقناك جزاء الظالمين

لكرام إن غضبنا ردّنا            عن أذى مثل طبع الكاظمين

إن هذا الشهر شهر يجتني        فيه أمثالك صفح الصافحين

قد مونا آية الكف وها           نحن نتلو اليوم آي الراحمين

فالزم العرف تعشْ في ظلنا        في عداد الكاتبين المكرمين

واكتب الخير وقله ترضنا        واستقم ترضي إله العالمين

 

إلى هنا طوى عام الكف صفحته، غير أنه آذن ببداية عام جديد انتهزه المويلحي لينتقم من الشيخ علي يوسف صاحب (المؤيد)، فيا ترى ما هو العام الساخر الآخر؟ سنعرف تفاصيل هذه الصفحة الأدبية الساخرة الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.

------------

المصدر: أدب المقالة الصحفية في مصر- الجزء الثالث إبراهيم المويلحي صاحب (مصباح الشرق)- دكتور عبد اللطيف حمزة- دار الفكر العربي.