مرحبا بالشهر الكريم: 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

وبعد؛ فها هو شهر رمضان المبارك يهل علينا بأنواره وخيراته التي يريد الانقلاب الدموي أن يحرم الأمة منها بإجراءاته الوحشية المستفزة للشعور الإسلامي، من إراقة للدماء وتعذيب واعتقال وتضييق على الناس وعسكرة للمساجد وللحياة كلها، ومع ذلك فإنهم لن يقدروا على منعنا من الفرح والتهنئة بالشهر الكريم، شهر التغيير والإصلاح، حيث الصيام يقوي الإرادة، والتقوى تزكي الأخلاق، والقرآن يحرك النفوس، والقيام ينهض العزائم، فتتواصل الأرحام، وتتوحد الآراء، وتتكامل جهود الإصلاح، وتنبعث عزائم التغيير من نفس الفرد إلى واقع الأمة بإذن الله ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم﴾، وتتجاوز الأمة بإذن الله بحراكها الثوري السلمي المتصاعد كل معوقات النهوض، وتنفلت من مرحلة الغثائية، وتغلب نوازع الضعف والذلة التي يسعى الانقلاب الدموي وداعموه لفرضها على الأمة ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى. وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾.

رمضان فرصة للتغيير:

في رمضان الماضي كانت نفوس وأرواح المؤمنين في رابعة تعانق بطهرها وإيمانها السماء، وتصنع لوحة وملحمة رائعة للمجتمع الذي يصوغ حياته على قواعد الإسلام العظيم، فمئات الآلاف ينتظمون في الصلوات وفي القيام، ويتسابقون في القراءة والذكر، ويتنافسون في صالح الأعمال وفي خدمة بعضهم البعض، وكأنك تسمع صوت الملك ينادي فيهم: «يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أدبر»، فلا ترى هرجا ولا انفلاتا، ولا تحرشا بالنساء، ولا انتهاكا للحرمات، بل طهرا وعفافا وإقبالا ونفوسا مطمئنة، ووجوها باسمة راضية، وألسنة عفيفة لا تعرف قول الزور والكذب أو الرفث والصخب، وعزائم صادقة ثابتة لا تهتز ولا تضعف، تتقن فن التعلم من مدرسة الصيام والتربية على أخلاق القرآن. وذلك هو المجتمع الذي يسعى الإسلام لإقامته في واقع الناس، ورمضان أحد أهم محاضن التربية عليه.

ولهذا فإننا ندعو أبناء أمتنا إلى تمثل تلك الليالي الربانية التي قضيناها في رابعة وتذكر أولئك الأطهار الأبرار الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فقضوا شهداء الجهر بالحق والثبات عليه في الحرس الجمهوري والنصب التذكاري والمنصورة والاسكندرية ورمسيس الأولى والثانية ورابعة والنهضة وغيرهم، وقدموا أرواحهم لتحيا أمتهم حرة ويعيش شعبهم كريما.

شهر النصر:

في رمضان بدأت رحلة هذا الدين العظيم حيث نزلت الرسالة ونزل القرآن على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾، ومضت دعوة الحق تواجه جحافل الباطل وكتائب الظلم وعصائب الجهل والفساد الذين فرقهم كل شيء لكن جمعتهم العداوة لنور الحق ودعوة الخير ورسالة العدل والحرية والكرامة الإنسانية ﴿وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ﴾، وبصبر المؤمنين ويقين الواثقين بنصر الله مضى أهل الحق، وفي رمضان تواصلت الانتصارات بدءأ من بدر وفتح مكة وجاء الناس ﴿يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا﴾، وكان رمضان بالذات منطلقا دائما للانتصارات؛ إذ يتدرب الفرد في الصيام على مجاهدة النفس والتحكم في الشهوات، والتعالى على الخصومات الشخصية، والتفاعل مع توجيهات القرآن العظيم في بناء النفوس والأخلاق، ومن ثم يصبح قادرا على مواجهة كل أسباب الفساد والظلم في الواقع، وتنتصر الأمة في معاركها الكبرى بفضل الله. 

أمة واحدة:

هذا الشهر الكريم فرصة مهمة لتحقيق وحدة الأمة التي أمر الله بها ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾، فلا سبيل لتحقيق القوة في واقع الأمة إلا بالوحدة ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾، وهي وحدة تبدأ من مستوى الأسرة، وتنطلق لتوحيد قوى المجتمع، وعلى وجه الخصوص القوى الثورية المصممة على استعادة ثورتها وحريتها وإرادتها وكرامتها، فلا مجال للتردد والتأخر لأن استمرار هذا التفرق يزيدنا ضعفا، ويجعلنا لقمة سائغة وفريسة سهلة للمتربصين بنا.

ويقيننا أنه مهما كثرت المعوقات فأمة الصيام والقيام في طريقها بإذن الله لتحقيق تغيير كبير وعظيم يضع الأمة في مكانها الصحيح، بعد انتصار الثورة إن شاء الله ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.

والله أكبر ولله الحمد.