بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


يوافق اليوم السابع عشر من رمضان ذكرى يوم الفرقان – يوم غزوة بدر الكبرى – الذي نصر الله تعالى فيه عباده المؤمنين الذين يحملون رسالة الإسلام، رسالة الهدى والنور، آخر رسالات الله إلى البشر، والذين تعرضوا للظلم والاستضعاف والتعذيب في مكة، وعانوا من حملة إعلامية كاذبة تصف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالكذب والسحر والكهانة، ومن حصار اقتصادي واجتماعي لمدة ثلاث سنوات حتى أكلوا أوراق الشجر من الجوع، ومن أذى وتعذيب بدني وصل إلى حد القتل، والمسلمون يواجهون هذا كله بالصبر والاحتساب، حتى كانت الهجرة وأذن الله للمسلمين المظلومين بأن يدافعوا عن أنفسهم ودينهم وأموالهم ﴿أُذِنَلِلَّذِينَيُقَاتَلُونَبِأَنَّهُمْظُلِمُواوَإِنَّاللَّهَعَلَىنَصْرِهِمْلَقَدِيرٌ﴾ فكانت غزوة بدر الكبرى،خاضها المسلمون وهم قلة في العدد والسلاح، ولكنهم كثرة في الإيمان واليقين، وقد ذكرهم الله تعالى في القرآن بحالهم وما آل إليه فقال تعالى ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾، وكانت هذه الغزوة فارقة بين عهدين، وتحولاً في مسار الصراع بين الحق والباطل، ونستطيع أن نستخلص منها بعض الدروس:


- أن النصر بيد الله ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ. لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ﴾ لذلك كان ابتهال النبي صلى الله عليه وآله وسلم حارًّا وهو يسأل الله النصر .

- أن ذلك لا يعفي البشر من بذل منتهى الوسع والاستطاعة ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ .


- أن الكثرة العددية وقوة السلاح ليست شرطاً لتحقيق النصر، وإنما قوة الإيمان والتمسك بالحق والتضحية من أجل المبدأ والتعلق بالله هي أهم أسباب تحقيق النصر ولو مع القلة في العدد والعدة ﴿كَمْمِنْفِئَةٍقَلِيلَةٍغَلَبَتْفِئَةًكَثِيرَةًبِإِذْنِاللَّهِوَاللَّهُمَعَالصَّابِرِينَ﴾


- أن الصراع بين الحق والباطل مستمر وأن العاقبة في النهاية لأصحاب الحق ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ .

واليوم ونحن نستحضر ذكرى هذا اليوم العظيم، نعيش واقع صراع جديد بين الحق والباطل، فالجيش الصهيوني الذي هو أقوى جيش في المنطقة يشن حرباً ظالمة على قطاع غزة الذي يعيش تحت حصار خانق منذ سنين طويلة،وقد قتلت آلة العدوان الصهيوني حتى الآن ما يقارب المائتي شهيد وأصابت أكثر من 1200 فلسطيني ودمرت مئات المنازل، والشهداء والمصابون معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ .


إلا أن فصائل المقاومة الباسلة تصدت للعدوان الصهيوني وأمطرت مدن الكيان المغتصبة بصواريخ صنعتها بإمكانياتها المحدودة،وأثارت الرعب في صفوف الصهاينة وأدخلت ملاينيهم الخمسة الملاجئ وأوقفت الأنشطة الاقتصادية، ورغم ذلك لم يجرؤ الجيش الصهيوني على الهجوم البري خشية ضخامة الخسائر المتوقعة، لاسيما وأن المقاومة تقوم بمفاجآت يومية في معركتها ضد الصهاينة .


إن هذه المعركة تعمق المعاني التي رسختها غزوة بدر، وسوف تكون عاقبتها مثل عاقبة غزوة بدر، نصرًا للمستضعفين بإذن الله، وقد أثمرت هذه المعركة جملة حقائق منها:


- إن المقاومة الفلسطينية هي أشرف ظاهرة في العصر الحديث،فهي التي تحافظ على عزة المسلمين وكرامتهم وعلى الحق في فلسطين والقدس، بعد أن تخلت عن هذه المعاني والحقوق كل الحكومات العربية - للأسف الشديد - لا بل تواطأت كثير منها مع الصهاينة لإبادة المقاومة والخلاص منها كرمز للعزة يحرك الشعوب ضدها .

فقد زار رئيس مخابرات الإنقلاب الكيان الصهيوني قبل العدوان بأيام للتنسيق، ومن قبل فقد تم تدميرالأنفاق مع قطاع غزة التي كانت تمثل شريان حياتهم تمدهم بمقومات الحياة وتم إغلاق معبر رفح إمعاناً في تضييق الخناق حتى في أثناء العدوان وسقوط المصابين، ليس ذلك فحسب ولكن تم إطلاق حملة إعلامية كاذبة لشيطنة المقاومة بعد توجيه الافتراءات إليها، بل تم الإيعاز لإحدى المحاكم المسيسة لإصدار حكم بأن حركة حماس إرهابية، في الوقت الذي امتنعت نفس المحكمة عن الحكم بأن دولة الصهاينة إرهابية .


إن قطاع غزة هو حصن الدفاع الأول للدفاع عن مصر، ومن ثم فهو يمثل امتدادًا استراتيجيًّا للأمن القومي المصري فهل هناك رعونة وغباء وتفريط أكثر من معاداة فصيل المقاومة الأكبر من أجل المكايدة السياسية؟


- إن هذه المعركة أثبتت أن الكيان الصهيوني كيان هش،وشعبهم أجبن الناس عن تحمل مواجهة مباشرة، وأحرص الناس على حياة، ويعتمد على الأسلحة والتكنولوجيا المتقدمة،ولهذا يمكن هزيمته لو تحررت الدول العربية وقامت حكومات شعبية منتخبة، بل يمكن تحرير فلسطين والقدس بإذن الله؛ لأن شعوبنا مستعدة لدفع ثمن التحرير، ولديها الإمكانيات العقلية والمادية لتصنيع سلاحها وتدريب أبطالها، لو تفرغت جيوشها لمهمتها المقدسةفي الدفاع، وأنتجت مصانعها الحربية السلاح بدلا من منافسةالمصانع المدنية في الصناعات الغذائية والمدنية.

- إن مصر الآن في ظل النظام الانقلابي ازدادت تقزماً في محيطها، فبعد انصياعها لحكام الإمارات، ولجوئها إلى حكومة الصهاينة لتسويق انقلابها في الغرب من ناحية، ومعاداتها للمقاومة الفلسطينية من ناحية أخرى؛ فقدت ريادتها في الملف الفلسطيني الذي كان أهم أسبابتعظيم دور ها في المحيط العربي والإقليمي.


لذلك لابد من الفتح الفوري للمعبر، والسماح بالجهود الشعبية والإنسانية لمساعدة أهل غزة .


إننا ندعو المصريين جميعاً أن يضغطوا من أجل تحقيق هذه الأمور التي تمثل الحد الأدنى من الواجب علينا، كما ندعوهم إلى تصعيد الحراك الثوري للخلاص من الانقلاب الدموي الفاشي حليف الصهاينة وعدو العرب والمسلمين.


وندعو كل الشعوب العربية والإسلامية وكل القوى الحرة في العالم للقيام بدورها في رفض الظلم ورد العدوان عن إخواننا في فلسطين، دون التقيد بالضرورات التي تكبل المواقف الحكومية العاجزة. 


كما ندعو المسلمين في مشارق الأرض ومغاربهاللجوء إلى الله تبارك وتعالى والاجتهاد في الدعاء والطاعة في العشر الأواخر من رمضان وفيها ليلة القدر، حتى يؤيدنا الله تعالى بنصره على الانقلابين الغاصبين ويؤيد إخواننا في غزة للنصر على الصهاينة المجرمين، ويحرر الأمة العربية والإسلامية من الاستبداد والفساد والظلم الذي يعيق وحدتها وانتصارها، ويتحقق وعد الله للمؤمنين ﴿وَعَدَاللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوامِنْكُمْ وَعَمِلُواالصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَااسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِم ْوَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِخَوْفِهِمْ أَمْنًايَعْبُدُونَنِي لَايُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾.


والله أكبر ولله الحمد .