أيها الإخوان.. أيها الثوار جميعًا..


كل يوم يمضي يُثبت للعالم أجمع أن دعوتكم دعوة إنسانية، تنشد السلام لكل البشر، وتطلب الحرية لكل الناس، وترفض الظلم مطلقًا، مهما كان مبرره من أي أحد على أي أحد في كل حال، وتقاوم الظالم ولو كان من ذوي القربى، وتنصر المظلوم ولو وقف منا موقف العداء..


دعوة لا تلبس قناعًا، ولا تغير جلدها كالثعبان، ولا تتلون كالحرباء، ولا تكيل لأصدقائها بمكيال غير الذي تكيل به لمناوئيها؛ إنها دعوة الحق والقوة والحرية.. دعوة المبادئ السامية، والمثل العالية، والقيم الراسية والأخلاق الراقية، والمواقف الزاكية، والسلوكيات البانية، دعوة لا تزيدها الشدائد إلا صلابة، ولا تزيدها المحن إلا قوة، ولا يزيدها بطش الأعداء إلا عزمًا ومضاءً، وعزةً وإباءً.. دعوة لا تجامل السلطان، ولا تهادن الطغيان، ولا تَرهب السجان، ولا تقيم على ضيم، ولا تعطي الدنية، ولا تنكث في عهد، ولا تتخلف عن مكرمة، ولا تبطئ عن خير، ولا تتعجل إلى قطيعة، ولا تتنكّر لذي فضل، ولا تتبع تضحياتها بمنٍ ولا أذى.. دعوة تقاوم الفساد، وتحارب الاستبداد، ولا تترك الجهاد في سبيل الله حسبة لرب العباد ﴿وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا﴾ (النساء: من الآية 75).


أيها الإخوان. أيها الثوار جميعًا..
إن صمودكم في وجه الانقلاب؛ هو عين القوة، وحفاظكم على سلمية الثورة المصرية هو عين العقل ورأس الحكمة، وصيانتكم للوطن من الانزلاق إلى أتون الحرب الأهلية التي تأكل الأخضر واليابس؛ هو عين الوطنية، وحرصكم على تماسك النسيج الوطني؛ هو عين الثورية، نعم.. لقد دفعتم ثمن ذلك ضريبة غالية من الدماء والأموال والاعتقالات، ولكنكم حافظتم بذلك على الوطن حتى يأتي اليوم الذي تتمكنون فيه بإذن الله من إعادة بنائه مع المخلصين من أبناء شعبكم على قواعد جديدة؛ من العدل والمرحمة والحرية والكرامة الإنسانية؛ حتى تكون خيرات الوطن لكل أبنائه، ولكل أجياله، ولا يُحرم أحد من حقه بسبب عقيدته أو لونه أو جنسه أو سنه أو مهنته أو عائلته أو إقليمه أو رأيه السياسي، وكلنا ثقة أن هذا اليوم آتٍ لا محالة بإذن الله، وسينعم الجميع بالحرية، ويشارك كل أبناء الوطن في بنائه، وينتفع كل أبناء الوطن بخيراته ﴿ فَأَمَّا الزبد فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ الناس فَيَمْكُثُ فِي الأرض ﴾(الرعد :من الآية 17).


أيها الإخوان.. أيها الثوار جميعًا..
لقد تحملتم في أنفسكم مغارم كبيرة، وضحيتم تضحيات عظيمة لتدرأوا عن وطنكم وشعبكم مغارم أكبر ومخاطر أعظم؛ لقد فضلتم التضحية بالنفس على التضحية بالوطن؛ فلا تظنوا أن هذا الخيار الذي هداكم الله إليه ووفقكم للعمل به وأعانكم على تحمل تبعاته سيذهب هباءً، أو أن هذه التضحيات ستذهب أدراج الرياح، ﻻ والله.. ولكن الله تعالى له سنن غلابة، لا بد أن نتعرف إليها ولا نصادمها، ونستعين ببعضها على بعض ﴿ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ﴾  (الفتح : 23) فسنة الله في المؤمنين أن يبتليهم ويمحصهم قبل أن ينصرهم ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ۖ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ﴾ (البقرة: 214)، وسنته سبحانه في الظالمين.. إنه يملي لهم ﴿وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾(الأعراف: 183) ثم يستدرجهم ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (الأعراف: من الآية 182) ثم يأخذهم على غرة أخذًا أليمًا شديدًا، يكون عبرة للمعتبرين، ومثلاً للآخرين إلى يوم الدين ﴿ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (الأنعام: 44 - 45).


أيها الإخوان.. أيها الثوار جميعًا..
إننا على عهدنا مع الله تعالى أن نبلغ دعوته للناس، وأن ندفع عنها الفرى والشبهات، وأن نصبر على ما يصيبنا من أذى، وأن نبذل أنفسنا وأموالنا في هذا الطريق؛ لنكون بحقٍ حراس العقيدة، وحملة اللواء، فلا تقصروا في دعوة الناس إلى قيم الإسلام وعدل الإسلام ورحمة الإسلام.. لا تملوا من توضيح عظمته ومجده وتاريخه، واشرحوا لهم نظرته الراقية للإنسان كخليفة لله في أرضه، لا يذل لأحد ولا يُستعبد لأحد، ولا يحق لأحد أن يستعلي على أحد، ولا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، وضّحوا لهم عدالة تشريعه الذي يسوّي بين الناس، ويحفظ الحقوق والحريات، ويكفل الضعيف، وينصف المظلوم، لا تسأموا أن توضحوا لهم شمول الإسلام لكل نواحي الحياة، وصلاح
 
يته لكل زمان ومكان، وعرّفوهم بالمشروع الإسلامي الذي يستهدف نهضة الأمة وإعادة بنائها على قواعد الإسلام من جديد، وعرّفوهم مخاطر المشروعات المعادية التي تستهدف تفتيت الأمة بالعرقية المنتنة، أو الطائفية المهلكة، أو الغلوّ في الدين، وتستهدف كذلك إبعاد الإسلام عن مكان التوجيه والقيادة، واعلموا أن معركتنا مع الانقلاب جزء من الصراع بين المشروع الإسلامي وأعدائه المحليين والإقليميين والدوليين، وأنها معركة الصبر الجميل والنفس الطويل، والوعي والتوعية، والعمل المتواصل.. ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (التوبة: 105).


أيها الإخوان.. أيها الثوار جميعًا..


أول العمل الثبات على الحق، وكثرة الذكر، ووحدة الصف.. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [45] وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (الأنفال: 45-46) فكلّ منا على ثغر، فلا تؤتى الأمة من قبَله؛ فإما صامدين وصابرين خلف الأسوار، أو مرابطين في أوطاننا صادعين بالحق جامعين لشمل الأمة، لا نخشى في الله لومة لائم، داعين للخير مواسين للمظلومين، نؤثر على أنفسنا ولو كان بنا خصاصة، وحسبنا أن نكون من ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ (آل عمران:173).. أما الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق فهم على ثغرة حتى حين، يدعون العالم أجمع إلى دعوة الحق والقوة والحرية، فهم قدوة بأخلاقهم وأعمالهم قبل إعلامهم.. هم روح يسري في جسد الأمة فيحييها بالقرآن؛ هذه الحياة التي تتمثل في الإرادة القوية التي لا يتطرق إليها ضعف ولا وهن، والوفاء النادر الذي لا يعدو عليه تلون ولا غدر، والتضحية العزيزة التي لا يحول دونها طمع ولا بخل، والمعرفة بالمبدأ الذي يعصم من الخطأ فيه أو الانحراف عنه أو الخديعة بغيره.
وأجمل ذلك في واجبين أساسيين: (التوعية والتربية)، وأعني بالتربية تربية الشعوب وتكوين الأمة.


أيها الإخوان.. أيها الثوار جميعًا..
أحيوا الأمل في قلوب من حولكم، فإن الله قادر على أن يكف أيدي الظالمين، وأن يأتيهم من حيث لم يحتسبوا، وأن يجعل تدميرهم في مكرهم، فيوشك الاستكبار الصهيوني والغرور الأمريكي والجشع الروسي والتفكك الأوروبي أن يقوّض أركان النظام العالمي؛ ذلك بيت العنكبوت الذى يحتمي به الظالمون من بني جلدتنا ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ ۖ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ (العنكبوت: 41).


فتزودوا لهذا الطريق الطويل، وهذه الرحلة الشاقة، بزاد الإيمان والتقوي، والصبر واليقين، والرضا والتوكل على الله تعالى، ولتكن ثقتكم فيما عند الله أكبر من ثقتكم فيما بين أيديكم، واعلموا أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا، وأن النصر صبر ساعة، وثقوا أن المستقبل للإسلام، وأن يوم الإسلام قادم،  وأن الله لا يترك أولياءه لأعدائه، ولا يخذل من وثق به وتوكل عليه ورضي به ولاذ بحماه، وحافظوا على وحدتكم، وتعاونكم مع المخلصين من أمتكم؛ فهي سر قوتكم  وسبب صمودكم، وأساس نجاحكم.. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾(محمد: 7) ﴿وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾ (محمد: من الآية 35)..


والله أكبر ولله الحمد
                                                                                                                 

القائم بعمل المرشد العام
                                                                                                        

  أ.د/ محمود عزت