لي صديق ليبرالي أحب دائمًا أن أتناقش معه في أمور السياسة.. وهو لا يتحدث معي إلا في السياسة.. حتى إن حاولت أن أحدثه في أي أمر آخر.. قلبه إلى سياسة.. عندما استمع إليه أشعر أنني لا أفهم شيئًا في السياسة.. يتكلم كثيرًا وسريعًا.. وكلامه محشو بمصطلحات كثيرة.. تتدفق على لسانه كالسيل الذي يجرف كل شيء أمامه..

 

بعد أن قامت الثورة سألته عن رؤيته للحل الأمثل لأمر السلطة في مصر.. رد سريعًا بكلام كثير فهمت من فحواه أنه يقترح أن يتولى الدكتور البرادعي السلطة بصورة مؤقتة لحين إجراء انتخابات مجلسي الشعب والشورى والانتخابات الرئاسية..

 

بعد إجراء الاستفتاء على الإعلان الدستوري سألته عن رأيه في أمر السلطة قال يشكل مجلس رئاسي برئاسة البرادعي يتولى أمر البلاد لحين إجراء انتخابات مجلسي الشعب والشورى والانتخابات الرئاسية..

 

بعد أن تمت انتخابات مجلس الشعب سألته عن رأيه في أمر السلطة قال يتم التوافق على رئيس مؤقت لمدة سنة لحين وضع دستور للبلاد برئاسة البرادعي.. وتجرى بعد ذلك  الانتخابات الرئاسية..

 

قلت له: ألم يعلن البرادعي انسحابه من سباق الرئاسة..

قال: لن تكون هناك قيمة للانتخابات الرئاسية القادمة قبل وضع الدستور..

قلت: فمن تقترح لوضع الدستور؟

قال: تشكل لجنة من حكماء الأمة برئاسة البرادعي تقوم بوضع الدستور..

قلت: وما دور مجلس الشعب في وضع الدستور؟

قال: مجلس الشعب لا يعبر عن رأى الشعب.

قلت: ألم يأتي مجلس الشعب من خلال انتخابات حرة ونزيهة بنسبة كبيرة.

قال: الشعب غير ناضج سياسيًّا واختياراته ليست عين الصواب.. الحل تشكل لجنة كما قلت لك وتضع الدستور.. ثم تجرى انتخابات الرئاسة..

قلت: وما هو دور مجلس الشعب من وجهة نظرك؟

قال: يتفرغ لمناقشة أمور البلد الخدمية؟

قلت: مثل ماذا؟

قال: قضاء مصالح الجماهير..

قلت: أليس أمر السلطة والدستور الآن هو أهم مصلحة للجماهير..

قال: الدستور موضوع كبير ولا يحسنه أي أحد..

 

تعبت من النقاش مع صديقي.. فقلت له: ما رأيك في أن تقتسم القوى السياسية في مصر أمر السلطة؟

قال: فكرة رائعة.

قلت: هل عندك اقتراح بشأن هذه الفكرة؟

قال: نعم.. يتم التوافق على رئيس للبلد .. وليكن الدكتور البرادعي فهو شخصية عليها إجماع كبير.. وتشكل وزارة تكنوقراط.. لإدارة شئون البلاد..

قلت له: يا صديقي العزيز.. تعبت رأسي من الكلام في السياسة.. أستسمحك في أن أروي لك طرفة بعيدًا عن السياسة..

رد صديقي على مضض: قل طرفتك حتى ترتاح.

 

فقلت: قرأت في أحد الكتب قصة لأحد الناس يقول فيها:

قدم أعرابي من البادية ونزل ضيفًا عليّ، وكان عندي دَجَاج كثير، ولي امرأةٌ وابنان وابنتان منها، فقلت لامرأتي: بادري واشوي لنا دَجَاجَة وقدِّميها إلينا نتغدَّى بها، فلمَّا حضر الغداء جلسنا جميعًا أنا وامرأتي وابناي وابنتاي والأعرابيّ، قال: فدفعنا إليه الدَّجاجة فقلنا له: اقسمِها بيننا- نريد بذلك أنّ نضحك منه- فقال: لا أحسنُ القِسمة، فإن رضيتم بقسمتي قسمْتُها بينكم، قلنا: فإنَّا نرْضَى.

 

 فأخذَ رأسَ الدَّجَاجة فقطعه فأعطاه لي وقال: الرَّأس للرّأس.. وقَطَعَ الجناحين وقال: الجناحان للابنين.. ثمَّ قطع السَّاقين فقال: السَّاقان للابنتين، ثمَّ قَطَعَ الزِّمِكَّى (مؤخرة الدجاجة ويسميها العوام: الزلمكى) وقال: العجُز للعجوز، وقال: الَّزور للزائر: قال فأخَذَ الدَّجَاجة بأسْرها وسَخِر بنا.

 

 قال: فلما كان من الغد قلتُ لامرأتي: اشوي لنا خَمْسَ دَجاجَاتٍ، فلما حضر الغداءُ، قلت: اقسم بيننا، قَال: إني أظنُّ أنّكم غضبتم من قسمتي في المرة السابقة.. قلنا: لا.. ونطلب منك أن تقسم الدجاج بيننا هذه المرة أيضًا..

 

قَال: أقسِمُ شفعًا أو وِترًا.

قلنا: اقسِم وِترًا .

 

قالَ: أنت وامرأتك ودَجَاجة ثلاثة، ثمَّ رمى إلينا بدجاجة، ثُمَّ قَالَ: وابناك ودجاجة ثلاثة، ثمّ رمى إليهما بدجاجة، ثمَّ قال: وابنتاك ودجاجة ثلاثة، ثمّ رمى إليهما بدجاجة، ثمَّ قَالَ: أنَا ودجاجتان ثلاَثَةً، وأخذ دجاجتين..

 

قَالَ: فرآنا ونحن ننظر إلى دجاجتيه فقال: ما تنظرون لعلَّكم كرهتم قسَمِتي؟! الوِتر لا يجيء إلاَّ هكذا، فهل لكمْ في قِسمَة الشَّفع؟

 

قلنا: نعم، فجمع الدجاجات الخمس أمامه.. ثم قال: أنتَ وابناك ودجاجة أربعة، ورمى إلينا بدجَاجَة، ثمَّ قال: والعجوز وابنتاها ودجَاجة أربعة، ورمى إليهنَّ بدجَاجَةٍ، ثمّ قالَ: أنَا وثلاث دَجَاجَات أربعة، ووضع أمامه ثلاث دجاجات، ورفَعَ يديه إلى السماء وقال: اللّهم لك الحمد، أنتَ فَهَّمتنيها!!!

 

سمع صديقي الحكاية وقال لي: لقد أحسن الأعرابي قسمة الدجاج في المرات الثلاث..
فقلت له: وأنت تقسم السلطة في مصر بالطريقة نفسها التي قسم بها الأعرابي الدجاج!!