إن ما خلَّفه النظام السابق من الفساد جعل ظواهر ومشاهد وأحداث شتى تظهر على الساحة المصرية في المرحلة الانتقالية يعلوها أجواء مختلفة من عدم الاستقرار، ومن ثَمَّ تدعو إلى تساؤلات عدة تتبادر لعقول وأذهان كثير من أبناء مصر، ومنها: لماذا هذه الإضرابات والمظاهرات الفئوية؟!، ولماذا الحرب على خطة الـ(100) يوم الرئاسية؟، ولماذا السعي لإجهاض الجمعية التأسيسية؟!، ولماذا معاداة حزب الأغلبية ومشروع النهضة المصرية؟!، ولماذا الحرب على التيارات الإسلامية؟!، ولماذا المبادرات الوثَّابة لحل المجالس التشريعية؟! وأخيرًا.. لماذا البراءة للجميع في كل قضية؟!..

 

ألم تقم ثورة على الفساد والاستبداد؟!!

 

علمها القاصي والداني من العباد في كل البلاد!..

 

وبذل فيها الشباب دماءهم وأرواحهم والفؤاد!.. 

 

    لعل ما يوضّح ويفسِّر تلك التساؤلات أن نضع أيدينا على أسباب ومبررات عدم الاستقرار في تلك المرحلة الانتقالية، ومنها:

 

إساءة فهم وممارسة الحرية أغلى مكتسبات الثورة المصرية المباركة.

 

تأثير الفساد على جميع جوانب الحياة وخاصة الثقافية والسلوكية والأخلاقية.

 

ضعف الأحزاب والأداء السياسي في الممارسة الحقيقية للديمقراطية.

 

إعلاء وتقديم المصالح الفردية والخاصة على المصالح العليا والعامة للوطن من خلال بعض الأفراد وبعض الأحزاب.

 

صعوبة اقتلاع جذور الفساد المُركَّب وبقاياه الضخمة من مؤسسات الدولة العميقة.

 

نُدْرة الكفاءات وضعف الخبرات المتقدمة للمواقع التنفيذية المعنية بتولِّي التغيير والإصلاح وإدارة المؤسسات.

 

الصورة الذهنية الخاطئة والعدائية من بعض أبناء المجتمع والتي صنعها النظام الدكتاتوري الفاسد عن التيارات الإسلامية المتعددة، والعمل على وجود الفتن الطائفية وأجواء عدم الانسجام بين أبناء الوطن، وتوظيف الإساءة للأنبياء والأديان في ذلك أيضًا.

 

امتلاك الأبواق الإعلامية لذوي الأموال وأعوان السلطة السابقة، وسوء استغلالها في توجيه الرأي العام؛ لخدمة الثورة المضادة والإحباط والهدم لا العمل والبناء، واستخدام ألوان الشائعات والأكاذيب المختلفة.

 

استغلال فراغ عدم اكتمال أركان الدولة من قِبَل البعض، حيث وضع الدستور الجديد والتمهيد لوجود المجلس التشريعي استغله بعض أطراف الدولة العميقة في تعالي الخصومات والجدالات الهدامة غير البنَّاءة.

 

  10. عدم تحقيق القصاص للشهداء والمصابين الذين بذلوا أرواحهم ودماءهم في الثورة حتى الآن.

 

إن مَكْمن الخطورة في معرفة وإدراك هذه الأسباب لهو الأهم في الوصول إلى طريق الصواب والرشاد، فيسهل العلاج والنهوض بالوطن من جديد. وهذا ما يدعونا نحن المصريين جميعًا لإدرك حاجتنا لطوق نجاة ونهج حياة يرسم لنا مستقبل مصر الواعد، ويصل بنا إلى انتهاء كبوتنا واستكمال تحقيق أهداف ثورتنا المباركة.. وذلك يتمثل في أمور هامة، منها:

 

أولاً: الوحدة والاتحاد بين أبناء مصر جميعًا؛ ليكون شعبنا يدًا واحدة بكل أطيافه وألوانه ومكوناته، وذلك كان سرًّا كبيرًا من أسرار نجاح ثورتنا وصناعة قوتنا "فقوتنا في وحدتنا".

 

ثانيًا: التطهير والعدالة، فالتطهير والتغيير والقصاص واجب مرحلة، والعدالة بكل معانيها تحقق أهداف الثورة.

 

ثالثًا: الإصلاح والبناء الذي يتمثل في مشروع نهضة شاملة لوطن حضاري تصنعها إرادة شعب قوي يشارك فيه الجميع بإمكاناتهم وقدراتهم وطاقاتهم المختلفة تتوجه للعمل، وأولى الاهتمام في ذلك للتعليم والأخلاق فهما أساس انطلاق النهضة والتنمية والريادة.