إن قرارات الرئيس الخاصة بتعيين نائب عام جديد واستمرار تأسيسية الدستور وتحصين قراراته من الطعن عليها والصادرة ضمن الإعلان الدستوري جاءت في الوقت "بدل الضائع"؛ لإنقاذ مصر من عودة وشيكة للنظام البائد، وإنقاذ مؤسسة القضاء المصري من سقوط وانحراف حتمي عرقل الثورة المصرية وساند الثورة المضادة، وبات واضحًا للجميع أن النائب العام السابق ورئيس نادي القضاة وبجاتو وتهاني الجبالي بالمحكمة الدستورية صورة سيئة تشوِّه القضاء المصري بدخولهم أطرافًا في الصراعات السياسية وباعتمادهم أساليب التهديد والوعيد لخصومهم أو للرئيس شخصيًّا وبإبداء آرائهم في قضايا منظورة أمامهم وبتسريبهم الأحكام قبل أن تصدر.

 

إن هذه الشخصيات التي فقدت سمات القاضي يتلاعبون باتجاهات صغار القضاة بحجة الدفاع عن امتيازات القضاة الأدبية والمالية أو حماية استقلال القضاء، بينما في حقيقة الأمر تحركهم دوافع الخوف من ملفات الفساد المالي والمهني الذين تورطوا فيها كشركاء للنظام السابق؛ دفعت الرئيس إلى البدء في تطهير القضاء لصالح القضاء والوطن بطبيعة الحال.

 

كان بإمكان نادي القضاة الاعتراض على سلوكيات رئيسهم أحمد الزند الذي لم يتبق له من سمات القاضي إلاّ كارنيه القضاء أو محاسبته أو عزله أو إسقاطه، ولكن النادي ظل صامتًا أو خجولاً من زميل لهم أهانهم على شاشات التلفاز وشوه صورتهم أمام الصفوة والعامة حينما وصف توفيق عكاشة بلغة كاذبة وأوصاف مبالغ فيها بأنه خير من أنجبته مصر وأن سباب وشتائم عكاشة هي قول الحق وأن كل الشرفاء من خلف عكاشة يدعمونه ويؤيدونه، ثم ظهر الزند بالإسكندرية مُهددًا الرئيس بعدم تغيير وزير العدل متدخلاً بذلك في السلطة التنفيذية، وتابع المشاهدون الزند في وصف مرتضى منصور بالمؤتمر الصحفي للرد على الإعلان الدستوري بلغة منافق يستجدي مُشاغب ويسترضيه نفسيًّا لمعارضة قرارات الرئيس.

 

إن المصريين رسموا صورة للنائب العام السابق يظهر فيها بملامح التحيز والأنا وضيق الأفق والعناد وتلوين الكلام وتغيير المواقف وإقحام شخصيات سياسية وإعلامية لدعمه وبقائه بالمنصب عدولاً على رغبة الشعب والثوار وغابت عن النائب العام الإحساس بالمسئولية الوطنية والثورية منذ تعطيله ملف أحمد شفيق في جمعية الطيارين وأرض البحيرات المرة ودورة الهزيل في أدلة قتلة الثوار والمتظاهرين وحفظه لقضية تهاني الجبالي المتهمة فيها بالتآمر مع المجلس العسكري وتصريحات للصحافة الغربية لحل البرلمان، وكذلك تهديد النائب العام لمن حاول شكواه بمجلس القضاء الأعلى قائلاً له تلفونيًّا: "أنت نسيت إن لك قضية عندي" مؤكدًا بذلك خلعه لروب القضاء واصطفافه بجوار الزند.

 

إن صمت مجلس القضاء الأعلى وأعضاء المحكمة الدستورية الذين تركوا بجاتو يتفاوض مع عصام سلطان على مقايضة غير لائقة بمقتضاها تقوم الجمعية التأسيسية للدستور بتلبية طلبات القضاء والمحكمة الدستورية في مقابل أن ترد المحكمة الدستورية ذلك في جلسة الثاني من ديسمبر بخصوص حل التأسيسية للدستور؛ الأمر الذي يؤكد انحراف هذه الشخصيات بسلطة القضاء عن العدالة وتوظيفها في تحقيق أغراض فئوية وشخصية على حساب مصالح الوطن كاملاً.

 

إن الرأي العام كان ينتظر من الهيئات القضائية ومجلس القضاء الأعلى ونادي القضاء استبعاد هذه الشخصيات ومحاسبتها حفاظًا على صورة القضاء ومؤسساته ومصلحة الوطن أيضًا، وأن الإعلان الدستوري للرئيس قام بهذا الدور نتيجة لضغوط شعبية وثورية ومن داخل مؤسسة القضاء ذاتها.

------------------
• أستاذ الإعلام ورئيس وحدة بحوث الرأي العام بجامعة سوهاج.