إنك لا تستطيع أن تحسم الصراعات السياسية مع خصومك بالضربة القاضية، فالأمور تختلف في عالم السياسة عنها في حلبات المصارعة حتى لو أنك أمهر السياسيين في العالم، وحتى وإن كنت تقارع معارضة هشة لا تمتلك الثوابت، لكن توجيه الضربات المباشرة التي تودي بالخصوم لفقد الاتزان السياسي هو مؤشرات الحسم في الجولات السياسية.

 

إن ما قام به الرئيس مرسي من صناعة خط مستقيم يوجه به سياسة قاسية في مشهدها كانت تعبر عن عملية جراحية دقيقة ليست لانتقال وطن في مرحلة التكوين، وإنما لصناعة مستقبل جديد، مع عظم المهمة التي اتخذها الرئيس مرسي أتت المخاطر وكانت الجولات المعقدة، ومع استمرار إدارة الخط السياسي ليمضي في الطريق المستقيم وضح أننا لسنا أمام صانع قرار سياسي يدير بطريقة مسئولة، وإنما أمام بناء شخصي ونفسي وعصبي كبير مؤهل لإدارة الوطن أيًّا ما مرت به الأزمات.

 

دقة التوقيت لم تأت لمجرد أن البلاد تسير في مرحلة انتقالية فقط وأن الاقتصاد المصري يعاني ويواجه أخطارًا لا تخفى على أحد وأن العالم ينتظر المنتج النهائي للدولة المصرية بتشكيلها ما بعد الثورة أو أن الرئيس صاحب الكاريزما الذي أدار معركته منفردًا في أحداث غزة أصبح مبهمًا أمام السياسيين وصانعي القرار، وأن مشروع الشرق الأوسط الجديد بات مُحالاً في وجود شخصيات تصنع الفارق مثل مرسي ليس هذا، إنما أن البلاد في مرحلة التكوين وهذا ما أعطى لقرارات مرسي القوة والدقة، ومرحلة التكوين هي أخطر اللحظات في تاريخ الأمم لو أنك تبني دولة من العدم لكان الأمر هينًا، إنما أنت تعيد تكوين دولة في رصيدها البشري 90 مليون نسمة وتحمل إرثًا من الفساد لثلاثين عامًا وإعلامًا لا يملك إلا أدوات الانحلال والسقوط  فكأني بك تقود سيارة خربة أريدك غدًا أن تتقدم بها سباق "الفورميلا 1" نعم إننا نعيش مرحلة تكوين المجتمع بصياغة جديدة، صياغة ثورية، مجتمعًا يريد أن ينطلق للحرية وهو يعاني الحصول على لقمة العيش، من تلك الظروف التي تمثل الهجير خرجت قرارات مرسي.

 

في تلك الظروف الدقيقة يوجه الرئيس مرسي لخصومة عبارة "كش ملك" بعد أن قال الشعب كلمته ووجه ضربة مباشرة بعثرت التفاف قوى الفلول التي لبثت لباس المعارضة وسبحت مع التيار، ما أضاف للمشهد تعقيدًا وتشابكًا استعصى على السياسيين حل رموزه، ضربة مباشرة فككت جبهة لطالما اعتقدت أنها هي من تصيغ المجتمع وتعيد المشهد السياسي للمربع الأول، هنا كانت "كش ملك" وكانت الضربة الموجعة أيضًا في بداية تكون جبهة الإنقاذ التي تحللت إلى انقسامات كثيرة من دقة توجيه الضربة الموجعة، ولا أقول ذلك فحسب.

 

إن سرعة إعادة تشكيل رقعة الشطرنج التي استردها مرسي سريعًا بذكائه السياسي من خلال حوارات سياسية للخروج من الأزمة بإدارة واعية من نائب الرئيس ومساعديه ومخلصي الوطن؛ ما أدى حتمًا إلى عودة الفريق اللاعب إلى مكانة متأخرًا؛ لأنه وقف وحيدًا أمام حالة توافق بني عليها أكثر من 17 حزبًا سياسيًّا قرارهم بالعودة لقصر الاتحادية؛ ما أعاد لرقعة الشطرنج بريق نهاية الجولة الأولى في الصراع السياسي.

 

تبقى التحديات التي يعود الرئيس ليجدها يوميًّا عند السابعة صباحًا على مكتبه، ولكن أقول لم يعد للرئيس أن يتخذ إجراءات ثورية؛ لمواجهة الصراعات القادمة إنما يبقي الآن الشعب ليس بمؤسساته وإنما بأفراده عليه أن يواجه معركة البناء وأن تنتقل الثورة من الميدان إلى أماكن الإنتاج، كيف سيفكر مرسي في المرحلة القادمة؟!.

-------
* بالوادي الجديد.