تتنوع مناهج التربية الإيمانية والدعوية والحركية من مدرسة لأخرى، ومن جماعة لأخرى، وتثبت الأحداث المختلفة والمتتالية أصالة ما يتربى عليه الفرد داخل جماعة الإخوان المسلمين، وعمق ذلك إيمانيًّا وأخلاقيًّا وسلوكيًّا، وصفاء المعدن المستثمَر ونقاءه، بما لا تكون معه مساومة أو بيع أو شراء، فقد قدمت هذه المدرسة التربوية الإصلاحية على مر تاريخها- رغم المحن التي مرت بها- نماذجَ تفخر بها الأمة؛ قادوا الجماهير، وأسهموا في التجديد والإصلاح والنهوض، وحفظ وسطية الإسلام وحضاريته، وتخرَّج فيها علماء أفذاذ جددوا العلوم، وطوروا التأليف فيها، بما لا يزايد عليه أحد أو تبلغ درجتَه مدرسةٌ أو جماعة...

 

ولا داعي لمقارنتها بغيرها من جماعات أو أحزاب! فالواقع معروف للكافة، ومعروض على الجميع، وكل له فضله وإسهامه.. وإن خير دليل هو ما ينطق به الواقع، وتشهد له التجربة؛ فصمود الرئيس محمد مرسي وثباته، وإبهاره للعالم في محاكمته الهازلة، وصمود الإخوان- مع غيرهم- في الشارع حتى الآن، وصبرهم على شهدائهم وجراحاتهم ومعتقليهم ومطارداتهم لهو خير دليل على ذلك.

 

لقد تلمس الهازلون والخائنون الفساد والرشوة والسرقة والنهب– كما يتعاملون هم– للرئيس وفريقه والوزراء والمحافظين ورؤساء المدن ومستشاري الوزراء ومعاونيهم، من الإخوان، فلم يجدوا، وحاولوا تشويه صورة السيد الرئيس المنتخب عبر إثارة أنه أهدر المال العام، وسرقته حتى تضخمت ثروته، ولكنَّ التقارير التي خرجت من الجهاز المركزي وجهاز الكسب غير المشروع كانت تأتي دائمًا مخيبة للآمال ومنتصرة لأمانة الرئيس مرسي ورفاقه، ومبينة طهارة اليد ونظافتها، بل كانت تلك التقارير تزيد على ذلك بأن الرئيس وأغلب الوزراء والمسئولين من الإخوان- إن لم يكن كلهم- في الفترة الماضية تركوا مستحقاتهم المشروعة للمؤسسة أو الوزارة التي يعملون بها، أو تبرع بعضهم براتبه لذوي الحاجات، ومنهم من ترك المكافآت المشروعة لشخصه بصفته إلى صندوق الوزارة أو المؤسسة، حتى قال أحد التقارير: إن الرئيس مرسي لم يتقاض راتبه الشهري المستحق طوال العام الذي حكم فيه!.

 

لقد تعرض غير الإخوان من بعض الأحزاب والحركات والمشايخ إلى مواقف وضعتهم على المحك؛ فانكشفت عن تربية متدنية، وتمخضت عن أخلاق رديئة، وبيع للمبادئ والأخلاق والضمير بل الدين نفسه، وسيرٍ مع ما فيه النجاة– كما يبدو لهم– بل قبض الأموال وإصدار التصريحات السياسية والفتاوى الشرعية لتأييد القهر والكبت والظلم والقتل!

 

في الوقت الذي أبدى فيه قيادات الإخوان المسلمين والرئيس المنتخب، صمودًا منقطع النظير، وثباتًا يتعجب منه العجب، وإصرارًا أذهل العالم أجمع!

 

قدم الإخوان المسلمون الشهداء قديمًا وحديثًا، وتعرضوا لمحن وفتن كان لها دور في صقلهم وتعميق تربيتهم؛ ذلك أنهم يرفعون دائمًا شعارًا يتخذونه قولاً وعملاً: "الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا".

 

وقد قال الإمام البنا رحمه الله تعالى: "إن تكوين الأمم، وتربية الشعوب، وتحقيق الآمال، ومناصرة المبادئ: تحتاج من الأمة التي تحاول هذا أو الفئة التي تدعو إليه على الأقل، إلى "قوة نفسية عظيمة" تتمثل في عدة أمور: إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف، ووفاء ثابت لا يعدو عليه تلون ولا غدر، وتضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل، ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له يعصم من الخطأ فيه، والانحراف عنه، والمساومة عليه، والخديعة بغيره".

 

وقد أثبت الإخوان المسلمون أنهم على هذا المستوى: قوة نفسية عظيمة تمثلت في إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف، ووفاء ثابت لا يعدو عليه تلون ولا غدر، وتضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل، ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له يعصم من الخطأ فيه، والانحراف عنه، والمساومة عليه، والخديعة بغيره.

 

من كان يظن أن الرئيس مرسي سيصمد على المبدأ ويثبت على الموقف كل هذا الوقت؟ رغم اختطافه وحبسه في مكان مجهول، وتشويه صورته والافتراء عليه، إلى أن رأيناه معروضا على المحاكمة الهزلية التي جاءت مجرياتها وأحداثها انتصارًا له ورفعة من قامته ومقامه أمام العالم أجمع.. لا تقرءوا إعلامنا وصحفنا عن المحاكمة، ولكن اقرءوا الصحف الأجنبية، وانظروا كيف تحدثت عن مرسي والإخوان بعد المحاكمة الهازلة!

 

إن ما أكتبه هنا ليس تقديسًا للإخوان، ولا يعني أنهم منزهون عن الخطأ، فهم بشر يصيبون ويخطئون، ويؤخذ منهم ويرد عليهم، وهم يتحملون جزءا من المسئولية فيما وصلنا إليه الآن، ونوقن أن اختيار الله هو الخير، ولكن إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث!.