شعور بالحزن والألم يجتاح كثير من المخلصين هذه الأيام لما يرونه من أحوال متردية وانقلاب للموازين فالخطأ صواب والصواب خطأ عند البعض.. ولكن.. لا بد أن يتذكروا دائمًا أن الصواب صواب والخطأ خطأ، وأن يكونوا واثقين من صحة منهجهم واستقامة طريقهم وعدم اعوجاجه وألا ينشغلوا بالرؤى المقلوبة للآخرين إلا بقدر محاولة تصحيحها كي لا يتعلقون برقابنا.. يواصلون السير دون التفاته لكل ناعق على قارعة الطريق، مؤمنين حق الإيمان بقوله سبحانه: "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ {17} (الرعد )، موقنين بأن الباطل قد يعلو ويزهو ولكن الحق في النهاية هو الذي يبقى.

 

 

هؤلاء المخلصون لا بد أن يكونوا مصدر إشعاع للأمل للمحيطين بهم وكل مَن يتعامل معهم، كما كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وصحابته الكرام هل انتهى بهم الحال بعد هزيمتهم في أحد أم أنهم واصلوا السير في ثقةٍ بنصر الله حتى دخل الناس في دين الله أفواجًا.

 

 

وهنا يطرح التساؤل نفسه: كيف يمكن غرس الأمل والتفاؤل والثقة في نصر الله في أنفسنا والآخرين؟؟ إجابتي:

 

 

أولاً- بالثقة في نصره سبحانه ومعيته:

نصر الله أمر إيماني يقيني بحت، لا بد أن يتحقق بداخل المسلم وعليه أن يكون مع الله في كل أحواله مستجلبًا للنصر بكثرة الطاعات والبعد عن معاصيه، وقصدت هنا معية الله لأنها أعلى منزلةً في القرب منه سبحانه من الاستعانة لأنك وأنت مع الله سترى بنور الله ما لا يراه غيرك، ستعلو على العلائق القلبية وستعلم أن التحديات التي نواجهها أمور طبيعية وهي من طبيعة الصراع ما بين الحق والباطل، ولكن إرادة الله من وجودها كي نرى الله من أنفسنا خيرًا، ويرى ماذا سنفعل معها هل سننهزم ونستسلم لها؟ أم أننا سنتحداها ونطوعها حتى يتحقق لنا ما نريد بعون الله؟ إيمانًا بقوله جل شأنه (وَاَلَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلنَا وَإِنَّ اللَّه لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } (العنكبوت: 69).

 

 

ثانيًا- التعرف على سير أصحاب الرسالات والمصلحين وثباتهم حتى النصر:

من بواعث الثبات والثقة في نصر الله أن يتدبر المسلم سير أصحاب الرسالات والمصلحين، وكم تعرضوا للشدائد والابتلاءات والتكذيب من أقوامهم بل والإيذاء البدني والمعنوي، ويتذكر حالهم بقول الله سبحانه: {لَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ الله وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِين) (الأنعام:34)، وأن يعلم المسلم أن الابتلاء سنة من سنن الله ليمحص به قلوب المؤمنين ويميز الخبيث من الطيب يقول المولى جل شأنه في سورة العنكبوت: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الكاذبين}.

 

 

ثالثًا: أن يكون الفرد هو مصدر التفاؤل والأمل للمحيطين به: فعلى صاحب الرسالة المهموم بقضيته أن يكون موقنًا بنصر الله وتوفيقه طالما يعلم أنه على الطريق الصحيح، وعليه أن يكون مصدر إشعاع لروح التفاؤل والأمل في المحيطين به يستمدون منه الطاقة الإيجابية، مؤكدًا لهم أن طول المدة للتمحيص {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ ........} مع البعد عن اليأس، وإن ملأ الهم قلبًا فليكن همًّا باعثًا على الحركة والعمل الدءوب لا حزنًا يسكن القلب ويملأ حياته فيعطله عن مهامه المرجوة منه.

 

 

رابعًا: أن تردد بصوت عالٍ تسمع به نفسك كلمات التفاؤل بترديد الكلمات ذات الإيحاء الإيجابي: (إننا على الحق- الله معنا ولن يترنا- إلا أن نصر الله قريب- منصورون بإذن الله...)، وتحفظ الآيات والأحاديث وأبيات الشعر التي تؤكد هذا المعنى وتعايشها حتى تسكن في الوجدان فتتحرك بها الجوارح وتترك تأثيرًا إيجابيًّا في المحيطين؛ لأنك أصبحت تنطلق بها في أقواك وأفعالك وكل ما حولك من أحداث ترى فيها معية الله وقرب نصره.

 

 

خامسًا: الصبر:

قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "واعلم أن النصر مع الصبر"، كما قيل (إنما النصر صبر ساعة)، وهذه الساعة كناية عن مدة غير مقدرة، ولكن خلال هذه الساعات قد يتعرض صاحب الرسالة في سبيل قضيته للكثير من الإيذاء البدني والنفسي لما تتعرض له نفسه أو أهله، قد يتعرض للقتل أو للسجن والتهم الملفقة كما هو حالنا الآن، والصبر هنا له منزلة عظيمة عند الله عز وجل؛ لأننا نتجرع مرارته من قومٍ مسلمين نعيش معهم لم تمتد أيدينا لهم إلا بكل خير نتجرع مرارة الألم لفقد الأحبة ونتعرض للاعتقال وللسبِّ والقذف ولسان حالنا معهم (وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) (إبراهيم :12).

 

 

أبشروا بالنصر لأننا صبرنا لم يكن عن ضعف، ولكن بقدرة على الرد ولكنا تحملنا حتى لا تقع بلدنا فيما خطط لها بأن تكن نموذجًا جزائريًّا أو سوريًّا وتزهق الكثير والكثير من الأرواح ومقدرات الوطن فآثرنا الصبر والتحمل على تخلف الوطن ورجوعه سنوات إلى الوراء.

 

 

قُتل منا قرابة الستة آلاف ولم نرفع سلاحًا ولم نرق دمًا والله شهيد على ذلك ألم يكن ذلك صبرًا؟ اعتقل منا قرابة اثنتي عشرة ألفًا من خيرة شبابنا وبناتنا ولم نحرق مقرَّا أو قصرًا في حين أُحرقت مقراتنا واستولوا على أموالنا.. ألم يكن ذلك صبرًا؟؟ أبشروا بالنصر لأننا صبرنا ولدينا القدرة على أن نرد الكيل بمكيالين، ولكن كان قدوتنا في ذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين جاءه جبريل قائلاً له: لو أردت أن أطبق عليهم الأخشبين لفعلت. فقال الحبيب: "عسى الله أن يخرج من أصلابهم مَن يؤمن بالله واليوم الآخر"، ونحن نقول: عسى الله أن يخرج من أصلابهم مَن يحمل فكرتنا ويدرك مدى صدقنا والله قادر على ذلك.

 

 

فلتصبروا إخوتي على ما يُلصق بكم من تهم إلى أن تمر المحنة ولكم - إن شاء الله- إحدى الحسنيين إما نصر أو شهادة، وأخيرًا أذكركم بقول المولى تبارك وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} [آل عمران: 200].

 

 

سادسًا: الدعاء والتضرع واللجوء لله عز وجل:

بعد استفراغ الجهد البشري لا بد لنا من اللجوء لله عزوجل، وكما ورد عن طالوت عليه السلام وجنوده يدعون الله عز وجل بقوله: (ربَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِين).. (البقرة :250)، فكانت النتيجة (فهزموهم بإذن الله)، وهذا رسول الله يوم بدر يلجأ إلى الله بالتضرع بعدما أخذ بالأسباب المادية، يروى عن علي بن أبي طالب- كرَّم الله وجهه- لما كان يوم بدر قاتلت شيئًا من قتالٍ ثم جئت مسرعًا لأنظر ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت فإذا هو ساجد يقول: يا حي يا قيوم يا حي يا قيوم لا يزيد عليهما ثم رجعت إلى القتال ثم جئت وهو ساجد يقول ذلك ثم ذهبت إلى القتال ثم رجعت وهو يقول ذلك ففتح الله عليه.

 

 

وكان صلاح الدين الأيوبي قبل لقاء الصليبيين يتفقد خيام المحاربين فإذا رأى خيمة قائمة بالليل تصلي وتقرأ القرآن وتذكر الله قال: هذه خيمة نرجو أن يأتينا النصر من قبلها، وإذا رأى خيمة نائمة قال: هذه خيمة نخشى أن تأتينا الهزيمة من قبلها. فعليكم بسهام السحر فإنها لا تخيب.