مَن قال إن الشهادة هي انتصار على عدو في معركة؟

من قال إن الشهيد هو مَن استجمع عدته ليدخل معركة متكافئة؟

ألم يربنا القرآن على قصة مؤمن آل ياسين ومؤمن آل فرعون؟

إن الشهادة هي انتصار الإنسان على صفات الضعف والخوف.

إن الشهادة هي اختيار الموت الشريف بديلاً عن الحياة الذليلة.

إن الشهادة هي شهادة على أن للحياة معنى آخر في النفوس الحية الأبية.

 

إن الشهادة ليست اختيارًا لنوع الموت ووقته، قد تكون في ساحة الشهادة، وقد تكون في حادث مروري أثناء عودتك من أداء الشهادة، وقد تكون على الفراش بعد عمر تقضيه شاهدًا مشهودًا في ساحات شهادة الحق.

 

إن الشهادة حلم وأمنية في قلوب حيَّة وضمائر يقظة، يختار الله لها أهلاً، وإن ماتوا على فُرُشهم.

 

إن الشهادة هي شهادة للتاريخ أن في الأمة أحرارًا رفضوا قبول دولة الظلم والطغيان التي سخرت السياسة والاقتصاد والإعلام والفن والمؤسسات الدينية لتقدم الإنسان الحر ضحيةً على مذبح مطامع الفسدة والقتلة والمجرمين.

 

إن الشهادة هي حضور دائم وواجب في ساحة المعركة التاريخية بين الحق والباطل.

وأي باطلٍ أشد من بطشٍ يريد أن يغتال حلم أمة في حياة حرة كريمة؟

وأي باطلٍ أشد من بطش يريد أن يطفئ نور الأمل لجيل من الشباب صنع واحدة من أعظم ثورات التاريخ؟

وأي باطل أشد من إسالة الدماء والاعتداء على حرمة المساجد حصارًا وحرقًا وتقتيلاً لمن فيها؟

إن أعظم منحة أطلت علينا من رحم المحنة التي نعيشها هي إحياء معنى وقيمة الشهادة.

إن هذه الملايين في الشوارع- التي يريد إعلام الباطل حجبها- هم شهود العصر على حياة الأمة ورفضها للخضوع والذلة.

 

والشهداء الذين اختارهم الله من بينهم هم قلب الأمة النابض، يضخون من دمهم المهراق في شرايين المجتمع معاني العزة والكرامة، ويعيدون للناس الثقة في القيم والمثل العليا التي بها حياة المجتمع.

 

ودورنا اليوم أن نزيد هذا المعنى وهجًا ووضوحًا، وإذكاء روحه لتحيا أمة لا حياة لها وسط الأمم إلا بإحياء معنى الشهادة.

وقسمًا لن تضيع هذه الدماء هدرًا وستكون وقودًا لأمةٍ مكانها الشهادة على الناس كافةً.

سلامٌ على شهداء رفرفت أرواحهم في ظلمة سماء الوطن، فصاروا نجومًا نهتدي بها في طريق العزة والكرامة.