آلاف المواقف يحكى فيها الثوار يومياتهم، وكل منهم يخلص إلى نتيجة انطباعية من (اللقطة)، فيُبَشِّر الجميع بتغير الناس، أو يستجلب سخطهم على شعب السيسي الذي لا يتغير، أو يضحكنا على الحيارى الخائفين.


والحقيقة أن البشائر كثيرة والمثبِّطات كثيرة، لكن رؤية الصورة كلها مهم حتى لا تسيطر على الثائر انطباعات مُحيطِهِ الخاص سلبًا أو إيجابًا، ولأن حركة ومواقف الثائر ينبغي أن تنبع من عقله وعقيدته لا من الشواهد والحوادث.


ومواقف الناس من الثورة قد تتلخص في أنواع خمسة وهم:


أولاً: الكارهون:


هناك فئات كارهة للثورة من أول يوم، وتعتبر الحراك الثوري إما "لعب عيال" أو "تخريبًا" أو "تآمرًا"، وهؤلاء يتفقون على الرأي وتختلف منطلقاتهم:


أ‌- فهناك محبو السيسي: من المرتبطين به من الضباط وأسرهم، والأثرياء الذين لا يعانون ويعرفون كيف تؤكل الكتف، ويرغبون في ثبات أوضاع استطاعوا توطيد نفوذهم وتمييز طبقتهم فيها.


ب‌- وهناك رافضو الإسلاميين: الذين يستغربونهم شكلاً وموضوعًا، ويتصورونهم أشياء من الماضي، منهم رجال أعمال ومرفهون يخافون من سيطرة ثقافة (الحلال والحرام) في تفاصيل الحياة مما يشلها تمامًا في بلد استقرت أوضاعها على منظومة فساد متساندة ومتشابكة.


- ومنهم من يكره الإسلاميون أيديولوجيا كالطبقة العلمانية المخاصمة للدين الذين يعتبرونه عقبة في سبيل نهضة الوطن، وفي سبيل سيطرتهم على الواقع السياسي.


- ومنهم سياسيون يهمهم ألا تزول الصبغة الإسلامية تمامًا عنهم، لكنهم يحرصون على عدم الارتباط بالمشروع الإسلامي.


.... فكلها شرائح نخبوية كما ترى.


ج- منظومة النظام القديم: والتي ما زالت موجودة بشبكتها وقادتها وأموالها الوفيرة واتصالاتها الواسعة ومصالحها المتشعبة، وآمالها التي تعلو وتخفت، ورأيناها كيف تنتفض مع كل استحقاق ديمقراطي ليساندوا رجال السلطة، وكيف بذلوا جهودًا جبارة في 30 يونيه، وفي 14-15 يناير، ثم يدفعون برموزهم ليتشاركوا في الدعاية للسيسي وعهده، وهؤلاء لا يستهان بهم، والعلاقة بينهم وبين الإسلاميين علاقة القط والفأر، أو النقيض ونقيضه.


د- المستَأْجَرون: وهم جيوش البلطجية، والفقراء المحشودون، وتنظيمات العنف المجهولة مثل البلاك بلوك، والفنانون والأدباء والنخبة، وهؤلاء الأخيرون كما ترى يتحولون طبقًا لمصالحهم؛ لذلك فحالهم كحال كل مُستَأْجر!!


ثانيًا: المضَلَّلُون:

- هؤلاء الذين يستهدفهم الإعلام والمجهود المخابراتي، لتغيير قناعاتهم وغسل أدمغتهم، ويحشدهم باتجاه قد يتناقض مع مصالحهم، لكن الزخرف الإعلامي يجعلهم نهبًا للسقوط في براثن الأكاذيب المهندسة وراثيًّا.


-وهم يتركزون في طبقة الموظفين (البيروقراطية)، التي تتميز برجودها اليومي في حركة واسعة تتيح لهم تناقل الأخبار والإشاعات وتداول الأكاذيب الإعلامية، وهي كتلة تملأ الأجواء وتنشر انطباعات يتصور غير الخبير أنها (الرأي العام) وهي ليست كذلك، كما أنهم يمثلون- مساءً- كتلة كبيرة من "حزب الكنبة"، الذي يستسلم لغسيل الدماغ المخابراتي، وبالطبع ليس كل هؤلاء مؤيدين للانقلاب.


- وهؤلاء لا يشغلهم من مطالب الثوار إلا (العيش)، أما الحرية والعدالة والكرامة فهذه رفاهية، وأما من يحكم (مدني أو عسكري) فهي ثقافة بطيئة التداول بينهم، وهذه الطبقة عادة هي آخر المستجيبين للثورات حتى إن مؤرخي ثورة 19 اعتبروها معجزة لأنها استطاعت أن تجتذب (الأفندية) الذين نزلوا على غير عادتهم ليشاركوا في المظاهرات!!


ثالثًا: المتحيرون:


وهم فئات ثلاث:


أ- المرتبكون: وهم الذين يشاهدون بالإعلام أهوالاً عن الإسلاميين، بينما أصدقاؤهم الإسلاميون هم أفضل الأصدقاء، وأقاربهم من الإسلاميين هم أوفى الأقارب، وشركاؤهم من الإسلاميين هم أخلص الشركاء، والمشكلة أنهم لا ينغسمون بأيديهم في الواقع فلا يستطيعون التقييم، ومنهم من يرى أن صديقة الإسلامي جيد لكن باقي الإسلاميين غير ذلك، وهذه قيلت لكل الإسلاميين تقريبًا (إنت كويس بس الباقي غير كده خالص).


ب- ومنهم أنقياء الفطرة: لكن الأحداث جسيمة وفوق إدراكهم، فهؤلاء طيبون، لكن أهوال التظاهر والدماء والصدام بين العسكر والإسلاميين، ومحاكمات رؤساء، وسجون وتعذيب، فكل هذا أكبر كثيرًا من تحمله واستيعابه الذهني، وهول الأحداث يشل تفكيرهم وعواطفهم ويلجم ألسنتهم، ودوام الاضطرابات يذهب بعقولهم ويبعثر عواطفهم، لكن دوام المعاملة الطيبة والإشفاق عليهم يقربهم، وهؤلاء منتشرون كثيرًا بالشرائح المتوسطة والدنيا.


ج- الشباب المسيس: من الحركات الثورية والشبابية الذين احتكوا بالإسلاميين ثوريًّا وسياسيًّا، فرأوا منهم أخطاء سابقة لكنهم يرونهم على الحق الآن، ويحترمون الدين لكنهم يخافون من احتكاره سياسيًّا للإسلاميين، ويرفضون العسكر لكنهم يرفضون الشرعية، وهؤلاء فئة صغيرة لكنها مهمة للصف الثوري، ونظن أن الخوف من الرصاص الحي يحافظ على موقفهم المرتبك، لكن مع تصاعد الفاشية العسكرية ستكون هذه الشريحة على المحك وفي اختبار العمر، ونتوقع (لأفراد) كثيرين منهم اللحاق بالثورة.

رابعًا: المتعاطفون:


وهذه فئات كثيرة وموجودة في كل الشرائح السابقة، لها احتكاك قريب بالإسلاميين على مدار سنوات ثبَّت لديها قناعة برقي هؤلاء الناس وحرصهم على مصالح البلاد، ومن هؤلاء:


أ- دوائر الإسلاميين: من الأقارب والأصدقاء ورواد المساجد والمشروعات وزملاء العمل، ومن البيروقراطية والأثرياء الأصلاء والطلاب، وجمهور النقابات والناخبين، وهؤلاء توافرت لهم فرص الاحتكاك والمناقشات، وتأكدت من صلابة هؤلاء في المنازلات والمحن، ومن ثقافتهم وإمكاناتهم في قيادة المجتمع، وبالتالي استمرت الثقة فيهم، واعتبروا أن كل عداء لهم هو عداء مع مصالح البلاد، وأن أعداءهم كاذبون وتابعون للنظم الاستبدادية، هكذا ببساطة تتم ترجمة المعرفة الموضوعية بالإسلاميين.


ب-أحرار الفكر:


- وهؤلاء رغم قلتهم في المجتمع، إلا أن مواقفهم في الغالب تستقر على الثقة في الإسلاميين، وهم يرون عيوب الإسلاميين كما يرون حسناتهم، ولأن الإسلاميين في الواقع يمتلكون مناهج إصلاحية حقيقية للفرد والمجتمع، ويلتزمون إلى حد معقول بهذه المناهج، فإن الذي يفحصهم بإنصاف ينتهي به الحال إلى احترامهم وتأييدهم.


- وهؤلاء يختلفون عن (النخبة)، فالنخبة نفعية وتبحث عن مصالحها ولا تعادي أو تصالح من أجل قيم كما رأينا، لكن هؤلاء الأحرار، قد يكونون مثقفين أو من عوام الناس، أو من قيادات مهنية وحرفية، وهم فئة يصعب التأثير العشوائي عليهم، وهذه الفئة هي معيار نجاح أي دولة، فكلما ازدادت زاد معها رقي الدولة والعكس صحيح.


خامسًا: الثوار:


- وأقصد بهم، غير الإسلاميين، ومن المسيسين فكريًّا الذين يدركون خطورة الاستبداد والعسكر، فطوَّروا مواقفهم من التعاطف إلى المشاركة.


- وهؤلاء هم عماد الثورات، فكما أن لكل ثورة نواة صلبة، فإن لكل ثورة عمادًا وبنيانًا، وهؤلاء اللامنتمون تراهم في الأحياء الشعبية والمتوسطة والتي تحتفظ بقيم الرجولة والشهامة، وإذا تزايد انضمام هؤلاء للثوار فإن التهديد يصل للخصم الاستبدادي، ويعلم أن معركته تتسع لتصبح مع الشعب؛ لأن هؤلاء يمثلون كافة شرائح الشعب، من أغنياء وفقراء، مثقفين وبسطاء، كبارًا وصغارًا، وهكذا.


- أخيرًا: أردت أن أثبت هنا كل الشرائح ومواقفها من الثورة حتى لا ينشغل الثوار ولا يتجادلوا كثيرًا في إقبال الناس على الثوار أو إدبارهم، أو حب الناس للثورة أو كرهها... فكل هؤلاء موجودون.


ومع علمي بأن التحالف لديه فريق جيد للقياسات بدأ عمله منذ فترة، إلا أن النتائج الموثوقة حتى الآن هي التي أخرجها مركز "تكامل مصر"، وهي كلها مبشرة، وتقرر بتصاعد تأييد الثورة ورمزها الشرعي وتقهقر التأييد للانقلابيين.


ومهما يكن من أمر فالثورة مستمرة.

مكملين...


لا رجوع...

----------------------

[email protected]