ينبغي أن يعيها الجميع أن ثورتنا ترتكز على أسس استراتيجية تم الاتفاق عليها نهائيًّا عقب الانقلاب بأيام قلائل، وأن الحراك الثوري غير قابل للسقوط في هوائية أو مزاجية لكائن من كان.. وأهم مرتكزات هذه الثورة هي السلمية.

 

ومنذ الأيام الأولى ظهرت النوايا الدموية للعسكر ، ومعها تأسست استراتيجية المقاومة ، وتأكدت السلمية ، وفى إطار السلمية يقبل التحالف كل الإبداعات.

 

ومن الأسباب التي دعت لانتهاج السلمية كخيار استراتيجي:

 

أولاً- حرمة الدم:

إذ إن الثورة تقوم على أساس من الهوية الإسلامية التي ترفض الاستهانة بالدم واستباحته، وإلا كان أفراد الشرطة والجيش هدفًا سهلًا وبالمئات يوميًّا، فالتجمعات السكنية لهم ولعائلاتهم مشهورة، وحركتهم العملية اليومية تجعلهم هدفًا سهلاً للثوار، والثوار منتشرون بكل أنحاء مصر، ولو نظر عاقل إلى حجم المسيرات وشمولها لأرجاء الجمهورية لتيقن تمامًا أن النهج سلمي خالص، وأن عمليات التفجيرات الصبيانية يستحيل نسبتها للثوار.

 

- أما الأدلة الشرعية فقد فصَّلها علماء التحالف في إصدارات ننضح باستحضارها دائمًا، لكي يتداولها الثوار، وحتى يراها الذين ما زالوا يطلبون من التحالف تحديد موقفه من العنف!.

 

ثانيًا- التجربة التاريخية للثورات:

إن تحديد طبيعة الصراع مهم للغاية، فكثيرون يشيرون إلى ثورات مسلحة ناجحة ويعتبرون أن هذا هو الطريق، أو يستلهمون مواقف من السيرة تؤكد رفع السلاح، ومن المهم هنا ضبط القياس ومعرفة الظروف المحيطة تمامًا، وقد رأينا أن صراعنا هو صراع شعب يريد الحرية ضد استبداد عسكري، ورؤيتنا أنهم يرتكزون على (رعب القوة)، لكنهم لا يمتلكون إرادة الاستمرار ولا قواعد شعبية مناضلة معهم، ويعتمدون في ذلك على تزييف وعي الشعب.

 

إذن فمعركتنا مع وعي الشعب، ومع ضمان قواعد صلبة لاستمرار الثورة، ومع تطوير الثورة لإفشال سيطرتهم على مقاليد الحكم.

 

- هذه المعركة خاضتها ثورات عديدة وحافظت على سلامة نهجها فحافظت على مسارها الناجح، بل إن بعضها قد انتهج العنف ثم تركه لفشله (مثل إيران وصربيا وجنوب إفريقيا وغيرهم) وقد فصلت ذلك بمقالات سابقة.

 

- وقد رأينا أن خيارات الثورات لم تكن لتقليل التضحيات ولا خوفًا من الديكتاتوريات، فكل الثورات بمختلف الأيديولوجيات قدمت تضحيات، لكن الاختيار كان الأوفق (وراجع للاستزادة الثورة الروسية الأول، إيران، الفلبين، جنوب إفريقيا بعد تركها السلاح، بولندا).

 

ثالثًا- عدم منح الغطاء للاجتياج العسكري:

ما زالت الشرطة بعقيدتها الفاسدة هي واجهة القمع، وما زال قادة العسكر لا يستخدمون إلا أقل القليل من عناصر الجيش، وما زال الجيش بقياداته الوسطى وجنوده بعيدًا عن الصراع، والمعركة ليست مع الجيش، فالجيش أحد أهم المؤسسات التي ينبغي صونها والحفاظ عليها، وتطهيرها لا يعني هدمها، والثورة على قياداته الفاسدة لا يعني استدعاءه لحرب أهلية.

 

- وتسليح الثورة يعني مباشرة منح الغطاء القانوني لقادة الجيش، ونشر قناعة بين جميع عناصره بضرورة مواجهة خطر الحرب الأهلية، ومواجهة مثيريها لحماية الوطن.

 

- ولا شك أننا جربنا حالة تزييف الوعي للملايين، ونتصور أنه من السهل نقلها للجيش، والذريعة في هذه المرة ستكون قوية إذا رأوا السلاح يهددهم وأن الثورة تعاديهم بأشخاصهم وصفاتهم.

 

رابعًا- سمعة الجيش التاريخية الطيبة:

لقد كان الجيش المصري دائًما حاضرًا في الثورات؛ حيث كانت ثورة عرابي، وحركة 52   ، بل ولم يُحمِّله الشعب هزيمة 67، وكان نصر رمضان - أكتوبر 73 ردًّا للاعتبار بعد حرب استنزاف بطولية بين الهزيمة والنصر.

 

- وقد رصدت (مجلة الديمقراطية) كيف كان الشعب متقبلاً للدور الخدمي للجيش خاصة أيام (المشير أبو غزالة)، ولم يدر بخلد الجموع أن هذا تسلل إلى السياسة عبر الخدمات.

 

- والثورة تريد الإبقاء على هذه السمعة، كما لا تريد من القادة الفاسدين أن يستخدموها لخداع الشعب، وأنت ترى كيف يحاولون جعل الثوار (أعداء للجيش)، وبالتالى أعداء للوطن، ويكون هذا مدخلاً للبطش العسكرى بالثوار وقبول إبادتهم.

 

_إنه تحد ثلاثي كبير، (أن تحافظ على سمعة الجيش، وأن تحارب قياداته الفاسدة، وأن تواجه تزييف وعى الشعب بأن الثورة لصالح الوطن والجيش وليست ضده)، فكيف يتم هذا لو حمل الثوار سلاحهم ضد جيشهم؟!

 

- بل ولا ننسى أن الناس في حالة الالتباس ستقف مع الأقوى الذي يُرجى الاستقرار بدعمه، حتى لو ظهرت أمارات الحق مع الضعيف.

 

خامسًا: الدعم الإقليمي للعسكر:

هناك ثلاث قوى إقليمية متناقضة هي السعودية وإيران والكيان الصهيونى ، ومصر هى الدولة الوحيدة التى يمكن لهؤلاء الفرقاء أن تجمعهم مصلحة مشتركة فيها  بتأييد العسكر ، فالكيان سيكسب من العسكر (ضمان تمدده) بعد أن ضمنت له كامب ديفيد (أمان وجوده)، وإيران ستضمن فك عزلتها الإقليمية والدخول إلى محور التأثير بديلا عن تركيا ، بالإضافة إلى التقدم خطوة فى الصراع (السني- الشيعي) بمحاولة الإجهاز على القيادة السنية (الإخوان).

 

أما السعودية فأهم ما يشغلها هو إيقاف زحف الربيع العربى المهدد لعرشها المرتبك، والذى رُشِّح للسقوط إذا امتد الربيع إليه.

 

- إن هذه القوى (وغيرها) تنتظر اسنساخ التجربة السورية وهم مسلحون بخبرة عالية لاحتلال مربع تأثير مباشر  بمصر.

 

سادسًا: تدويل قضية مصر:

الخبرة الدولية جعلت للحراك الشعبي المسلح (كودا) كالأكواد الهندسية والطبية، يسهل التعامل معه.

 

- وبمجرد اندلاع الثورة المسلحة، سيجد الثوار السلاح والتمويل من كل مكان، بحيث يقوي الضعيف (الثورة) ليواجه القوي (الجيش)، فتجري معركة مدن والتي من صفاتها الدوام وعدم الانتهاء بالحسم، وهنا تتفرع الجماعات المسلحة وتتناحر, وتدخل على الخط جماعات موالية للعسكر أو لأي طرف إقليمي أو دولي, وبعد سيلان الدماء يتنادى الجميع للتدخل الدولي, فيتلكأ المجتمع الدولي حتى يُقبل الجميع قدميه, فيتدخل ليرفع يد الجميع ويأخذ التعهدات على الجميع, وبعد أن يكون الإرهاق قد بلغ مداه بالشعب, وبالثوار يكون الحل الدولي ملتبسًا يضمن استمرار اشتعال الصراع كل فترة, وتكون التهدئة في النهاية لصالح استقرار العسكر ويكون الاختيار الشعبي هو الاستقرار مهما كانت النتيجة (هل أخبرك بالجزائر أم بسوريا أم بـليبيا؟) ويكون التفاوض دائمًا بأسقف منخفضة للقضية الوطنية؛ لأن (القضية الإنسانية) سيعلو سهمها؛ حيث لا أرض محتلة ولا ثروات متنازع عليها، فتصبح قضايا الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية قضايا متأخرة؛ لأن الأرواح التي تزهق لن تستمتع بهذه الحقوق أصلاً!.

 

سابعًا: الاستدعاء الخاطئ من الشخص الخاطئ:

الأشخاص الخاطئون هم الذين يتسرعون في تغيير المنهج الذي آمنوا به طوال سنوات عمرهم، (فالتكفير يأتي تحت التعذيب، وعسكرة الثورة تأتي تحت القمع)، وكلاهما نهج يحسبه صاحبه انتقامًا من الخصم، بينما هو يأس من المنهج ونسيان للمعلوم من تضحياته.

 

- والملاحظ أن المتحفزين للتخلص من السلمية هم مضغوطون برهانات الواقع أو لا يتحملون تضحيات السلمية، فكيف يصمدون فى معركة وقتال يكون الضحايا فيه على مدار الساعة، وكلهم من أبناء الوطن وسيكون أغلبهم من الأبرياء، فآلة الحرب لا تفرق بين بريء ومتهم.

 

_كذلك فإن قياسات فاسدة تستدعي لمحاولة تطبيقها على الواقع المصري.

 

فنرى من يأتي بأقوال مأثورة لقيادات شيشانية باسلة أو أفغانية مقاتلة، أو أقوال جهادية لقيادات تاريخية قالوها لمواجهة احتلال عسكري أجنبي.

 

_كما يتداول البعض السخرية من جملة (إحنا مش زي دولة كذا)، ويتندرون بأنها كلام مبارك عن الثورة التونسية، غافلين بهذه السخرية عن أن التجارب لا تتطابق، تمامًا كما حاول البعض قياس التجربة التركية على مصر ثم رأوا البعد الشاسع بين الظروف والمؤسسات.

 

- هذه- باختصار شديد- أسباب مهمة تتأسس عليها استراتيجية السلمية، والثورة تفتح ذراعيها لجميع من يتفق مع استراتيجيتها، وتعتذر عمن يريد نهجا آخر.

 

- انتهجنا طريقًا وئيدًا، وانتصاراته ماثلة أمام أعيننا ولا نحب أن نشغلك بتعدادها فأنت تعلمها، وهذه بشائرنا بقدوم القاتل إلى الساحة السياسية لتبدأ معركة إسقاطه، حتى لا يداري فشله وراء حكومات كرتونية.

 

مكملين.. لا رجوع.

-------------

[email protected]