يُروى أن قصة هذا المثل تعود لصبي رأى أباه يغرس شجرًا في البستان، وبعد عدة أشهر ظهرت ثماره عنبًا حلوًا لذيذًا؛ فظن الصبي أن أي شجرة يغرسها ستنتج العنب.

 

وذات يوم وجد شجرة شوك فغرسها، وانتظر مدة؛ فوجد الشوك يظهر في أغصانها؛ فقال له أبوه: إنك لا تجني من الشوك العنب؛ أي لا تنتظر الشيء من غير أصله.

 

ويُضرب هذا المثل لمن يرجو المعروف من غير أهله، أو لمن يعمل الشر فينتظر من ورائه الخير، أو لمن يحاول إصلاح شخص سيئ التربية.

 

هذا المثل أسوقه لمن لان للظلم الغالب في وطني وأيد حكم العسكر؛ فكان منهم مَنْ سار في ركابه ومنهم مَنْ خُدِع ومنهم مَنْ تبين له الحق ولا يزال يتلكأ في اللحاق بركب النضال لمقاومة الانقلاب الدموي، ويكأنهم يؤمنون بسيادة الظالم وحقه في تأخير أصحاب الحق- وهم أصحابه- إلى الوراء.

 

يفعلون هذا ودولة العسكر- وما هي منهم ببعيد- هي هي مَنْ قامت لأجل اجتثاثها ثورة 25 يناير، ولا يزالون يرون ثمار غرسها مآسي تنزل بنا وبهم وبالوطن كله صباح مساء؛ وذلك بعدما فرط فريق من الوطن في حقه وأن تكون الحكومة صدى إرادته الحرة؛ لتكون الحكومة أداته إلى بلوغ ما يطمح إليه من عيش وحرية وكرامة اجتماعية.

 

ولم يعتبروا بحصاد 60 سنة من شجرة حكم العسكر الخبيثة، ولا بحصاد الشعوب في أقطار عدة وعلى آماد متطاولة؛ لدغتهم خلالها آثار الحكم الفردي والعسكري؛ حتى كسرت عظامهم ونهشت لحمهم وانكمشت الحرية الفردية والحزبية في عهده وطالت يده في المال العام، وأخطر من هذا ضرب التماسك الاجتماعي، وبث عوامل الفرقة بين أبناء الوطن؛ بعدما جرى تسميم الأجواء بنشر الكراهية وتمزق المجتمع المصري اجتماعيًّا، وسياسيًّا في ظل حالة الاستقطاب الحاد بين أبنائه، في الوقت الذي تغالبه العلل جراء الانقلاب دون أن تلقى الجراثيم مقاومة تُذكر من شعب البيادة؛ حتى توحشت غرائز الشر وشاعت أسباب الفرقة وانتشرت آفات خلقية واجتماعية لا حصر لها.

 

و يا ليتنا نقتدي- والكلام للشيخ الغزالي- بهذه الشعوب التي كوتها نيران الظلم؛ فراحت تلبي نداء الفطرة في تحصين أنفسها ضده، وعلى وضع الدساتير التي تتضمن العبر المستخلصة من صراع الظالمين معهم وصراعهم مع الظالمين، وأن تدرس الأخطاء السابقة ويؤخذ الحذر من معاودة الانزلاق إليها؛ فان الإفادة من التجارب شأن أولي الألباب؛ إذ من الطبيعي أن الظلم تستقبحه الشعوب وتكره وقوعه وتحتاط من أذاه (أ.هـ بتصرف).

 

ذلك أنه يستحيل أن تجني من الشوك العنب، ويا ليت شعب البيادة يصغي إلي هذا المثل بانتباه ويفكر بتؤدة ويستوعب ما نسوقه من مقدمات ويتابع ما نستخلص من نتائج؛ فلربما يقدر وجهة نظرنا إن لم ينشرح بها صدره.

 

وليدع جانبًا قول مَنْ خدعوه بأن الإخوان المسلمين هم العدو فاحذرهم، في حين أن سهام العسكر الحقيقية استهدفت قلب الثورة التي اعتبروها مؤامرة ووبالاً عليهم، وكانوا من وراء هذه الخرافات وتبعتهم جموع مدركة أو مُستغفلة أشواطًا تطول أو تقصر؛ بيد أنها منزلقة إلى مصرعها آخر الطريق، وعلى مَنْ تبعهم دون تململ أن يدفعوا ثمن تفريطهم.

 

هذه كلمتي وكلمة كل ثائر حر، والتي أحب أن تتضح في الأفئدة والعقول؛ كي يعلم قومنا أنهم أحب إلينا من أنفسنا، وأنه حبيب إلى هذه النفوس أن تذهب فداء لعزتهم إن كان فيها الفداء، وأن تزهق ثمنًا لمجدهم وكرامتهم ودينهم وآمالهم إن كان فيها الغناء، وما أوقفنا هذا الموقف منهم إلا هذه العاطفة التي استبدت بقلوبنا وملكت علينا مشاعرنا، فأقضت مضاجعنا، وأسالت مدامعنا، وإنه لعزيز علينا جد عزيز أن نرى ما يحيط بقومنا ثم نستسلم للذل أو نرضى بالهوان أو نستكين لليأس، فنحن نعمل للناس في سبيل الله أكثر مما نعمل لأنفسنا، فنحن لكم لا لغيركم أيها الأحباب، ولن نكون عليكم في يوم من الأيام.