الأحداث الجسيمة التي يعيشها الوطن عبأت كل الطاقات بمواجهة بعضها البعض

 

ولا شك أن مصر تعيش حربًا طاحنة فى كل أرجائها، سواء في المرور أو في العلاقات التجارية أو الإنسانية، وبالطبع في السياسة.

 

والحرب بلا عنوان، وهي نموذج لتطاحن الحيارى الذين يصارعون للبقاء.. مجرد البقاء، ويمارس الجميع عدوانًا متبادلًا على بني وطنهم، وقد يشعرون بخسة ما يفعلونه، وقد يألفون هذه الخسة بعد حين!.

 

ولأن الجميع مُستنفر ضد الجميع، فإن قادة الفكر والرأي المزعومين أيضًا مُجيشون ومنحازون ولا يستثنى منهم أهل الفتوى.

 

وهنا نرصد معركة الفتوى في خمسة أوجه:

الوجه الأول: فتاوى ضد فتاوى

لأنها معركة فكلٌّ يدلي ببضاعته، وبضاعة العمائم العلم الشرعي، والديكتاتورية العسكرية تزأر للجميع  مهددة، لذا رأينا فتاوى تحريم للخروج على الحاكم  الحالي، رغم أن هذا الأخير منقلب على الحاكم الشرعي، وتساق الأدلة القرآنية والنبوية مع التطبيق المنحرف، والشيخ "على جمعة" أصبح إمامًا في هذا الصدد، لكن التحذير نوجهه لأهل العلماء لمجاهدين أن يستنوا بسنن الإمام علي كرم الله وجهه بألا ينساقوا بالفتاوى والنصوص المقدسة لتأييد موقف الرئيس الشرعي، وترك الأمر في سعة الاجتهاد السياسي، فالشرع قد يؤيده، لكن الانسياق فى هذه المعركة ستمزق الشرع في نظر العامة، ويهز الثقة في العلماء الأثبات، ولا مانع من إظهار وجه الحقيقة والزيف في ادعاءات الانقلابيين، وقد يكفيهم أن يعلنوا مواقفهم بقوة، بلا خوض في معارك فقهية تُبتذل في النصوص.

 

الوجه الثاني: فتاوى للتعبئة

نجح الانقلابيون تمامًا في أن يحرزوا قصب السبق في هذا المضمار، حيث تكاتفوا لتعبئة  الجماهير مع الانقلاب (إرسال رسولين السيسي وابراهيم)، والحشد لتأييد  الدستور، وتعبئة الجنود لقتل الإخوان (من قتلهم أو قتلوه كان أولى بالله منهم)، وتعبئة الأزواج لتطليق زوجاتهم الإخوانيات، وتعبئة الرأى العام للقضاء على الإخوان "الخوارج".

 

العلماء المجاهدون لم ينزلقوا بالفتاوى المستبيحة للدماء ضد الداخلية، باستثناء كلمات عصبية تمت مراجعتها، ولاشك أن بعض العبارات المنفلتة التي تلفَّظ بها بعض الدعاة قد استثمرت في الإعلام الانقلابي لكي يفيدهم.

 

- وقد أحسن العلماء المجاهدون فى التصدى لمشكلة أخلاقية تعبوية (نكاح الكاراتيه)؛ فأجمعوا على رفض نشرها وواجهوا رغبة شبابية جامحة لفضح أسر الانقلابيين ردًا على عدوانهم.

 

لكن الخطاب الديني العام لاستلهام الثبات ضد الظلم والقهر ما زال ضعيفًا وينبغي نشرة وعدم الاكتفاء بالإبداع السياسي المحض.

 

وعمومًا فإن المشايخ يمثلون عنصرًا إعلاميًا رئيسيًا للتعبئة وراء خطوة انقلابية، فلا ينبغي تركهم يرتعون في عقول الناس.

 

الوجه الثالث: فتاوى للولاء

هذه تخرج عادة من أصحاب المواقف الحرجة، الذين يخشون أن يحسبواعلى الإخوان، لذا نراهم يناضلون سياسيًا ويؤصلون فقهيًا، فوصف السيسي (بالمتغلب) و(صاحب الشوكة)، يمثل عدوانًا صارخًا على الدين وأحكامه (فصلناها من قبل)، لكن إثبات الولاء للسيسي تجبرهم أن يخرجواله بضاعة فقهية متميزة، فسابق حزب النور حزب الأزهر وفاز حزب النور فى تدشين أوصاف شرعية وإهالتها عن السيسي، لم يستطع، أو لم يجرؤ علماء الأزهر الرسميون فى النطق بها، وهم يعلمونها قطعًا، لكن لسان حالهم قال (ليس لهذه الدرجة)، ولكن النور رآها (لهذه الدرجة) فخرجت الأوصاف، ثم تسابق  بعدها الحزبان (النور والأزهر) في إثبات الولاء بكل جديد، حتى فجعنا (النور) فى وصف الإخوان بالخوارج بشكل رسمي ومكرر، فتجرأ الأزاهرة على أوصاف أخرى.

 

وأحسب أن العلماء المجاهدين برءاء من هذا النوع من الفتاوى.

 

الوجه الرابع: فتاوى الجهاد

ثارت مع الانقلاب تساؤلات لم نكن نعهدها، أسئلة حول مشروعية التصدي للحاكم القاتل بصدور عارية، ومشروعية الدفاع عن النفس ضد جند البغاة، ومشروعية إعطاب آليات الظلمة والتي هي أموال الشعب، ومشروعية إهالة الأوصاف المسيئة على رموز الظلمة، ومشروعية فضح الفاسدين على رءوس الأشهاد، ومشروعية العمل على إفشال دولة يقودها انقلابيون وعسكر..

 

إذا جمعت هذه الأسئلة ونظائرها ستجد أن جهاد الشعب بقيادة الإسلاميين قدانتقل إلى مرحلة كبيرة للغاية، سمها إن شئت (مرحلة المواجهة)، لذا توارت أسئلة  أوأخذت حجمها الطبيعي في الحياة (أوربما ظُلمت)، وتوارت مشكلات  اللحية والجلباب والخمار وأضرابها.

 

وقد سبقنا الإمام مالك بفتوى "لايمين لمستكره" التى أسقط بها الاعتبار عن إكراه الحجاج للعامة بالبيعة، وكانت الكلمتان سببًا في استقرار معنى الحق والزيف، وقد لا ننسى موقف العز من المماليك وفتواه بضرورة افتداء أنفسهم؛ حيث لاتجوز إمامة العبيد، وكيف فعلت فعلها في إجبارهم على احترام الشعب.

 

ولا شك أن العلماء المجاهدين يتصدون بنجاح للظاهرة الجهادية، لكن المطلوب أن يلتئم شملهم ليحصروا تساؤلات المرحلة ويصدروا أجوبتها الشافية حتى لا تُترك للمفاجأة والاجتهاد المتسرع.

 

الوجه الخامس: فتاوى التضليل

هذه ليست سبة لأحد ولكنها وصف لفعل، فالمجتمع لم يكن يسمع عن نبيل نعيم ولا مشايخ المداخلة، ولا عن قناة البصيرة، ووراء هؤلاء جيوش من المعممين والأزاهرة والمنتسبين إلى الصوفية.

 

ودور هؤلاء أن يخرجوا الفتاوى الصادمة المخاطبة للجهلاء والحيارى، تمامًا كما يفعل توفيق عكاشة فى خطابه السياسي، والواقع يؤشر إلى أنمتابعيهم كثر، والمخابرات تدرك شغلها، وتوجه باحتراف لتدجين المجتمع.

 

هؤلاء الذين يسممون عقول الناس بدأب ليأخذوا بأيديهم إلى طريق نهايته"جنة الانقلاب"، ويرشدونهم لشكر نعمة الله على البأساء في ظل السيسي المؤيد من الله، ومزيد الشكر لإنقاذ الوطن من الإسلاميين (الذين كانوا ينوون جر البلد إلى كارثة عودة الخلافة!).

 

إن رسالة التغيب والتضليل مثيرة وتستحق التأمل.. فهم يتعاملون مع بشر لم يسمعوا عن البشري ولا الجوادي ولا المرشد ولا الجزيرة ولاالكمبيوتر.. إنهم الطيبون الحيارى.

 

أخيرًا.. أرأيت أن هذه ثغرة تحتاج من العلماء ألا يرضوا بدور المناضل السياسي، وأن يتنادوا  ليواجهوا الفتوى المخططة مخابراتيًّا، برؤية مخططة شرعيًّا تستلهم صحيح الدين وتستنفر للمقاومة؟

مكملين ...

لا رجوع ...

------

[email protected]