صديقي الثائر الوطني مغترب عن مصر منذ سنوات طوال، لكنه دائم المشاركة فى كل الفعاليات الوطنية.



فاجأنى برؤية كاملة عن كسر الانقلاب والتئام القوى الوطنية، وتصور لإدارة الوطن بعد انكسار الإنقلاب.


وهنا ثارت نقطة جوهرية استوقفتنا حول العلاقة بين المشروع النضالى والمشروع السياسى للثوار.


واتفقنا على أنه هناك ثلاثة خيارات أمام ثورتنا:
الخيار الأول: قيادة المشروع النضالى للمشروع السياسى:
وهذا الاختيار يفترض أن القيادة هى التى بالميدان، وأن مطالب الثوار هى ما ينبغى أن تكون أجندة العمل السياسى للثورة.

_وأن الديبلوماسية الشعبية الممثلة للثورة سواء فى أنحاء العالم، أو  بالداخل، لا خيار لها إلا الالتزام بمطالب الثوار، وهى معلومة للجميع ، وأن الإبداع التفاوضى ينبغى أن يدور حول هذه المبادئ، وبالتالى فإن الحلول الوسط مرفوضة، والتجاوز عن مبدأ لصالح مبدأ آخر مرفوض، وأن التنازل بهدف حقن الدماء، أو إنقاذ المعتقلين وأسرهم ليس غاية فى ذاته، فالثوار قد قبلوا كل هذه التضحيات من أجل هدف أسمى وهو "استعادة الإرادة".


_بهذه الشروط ينبغى أن يتحرك الساسة الثوريون وأيديهم مغلولة عن بذل أى وعد أو تعهد لكائن من كان بأى تنازل، والتضحيات الكبيرة ليست مسوغا للتنازلات ولو كانت صغيرة.


الخيار الثانى: قيادة المشروع السياسى للمشروع النضالى:
وهنا يجاهد الثوار من أجل أن يمنحوا ورقا قويا للساسة بحيث يستطيعون به الوصول (لأفضل الحلول)، كما يناضل الساسة من أجل تحقيق أهداف الثورة طبقا لموازين القوى المشتبكة فى الصراع الحالي.


_ويرى أنصار هذا الاختيار أن تفكيك محاور الانقلاب تحتاج إلى صراع متعدد الجبهات، ولا ينبغى التعامل معها دفعة واحدة، فهناك محور السلطة العسكرية داخليا وهو ما ينبغى الصمود بمواجهتها، وهناك محور الدعم الإقليمى الخليجى وهو ما ينبغى تحييده، وهناك المحور العالمى وهو ما يمكن الإكتفاء بفضح نفافه أمام شعبه (أمريكا-الاتحاد الأوروبى)، وهذه المساعى قد تتطلب (بعض المرونة)، وينبغ بالتالى تحديد ماهو (مرونة) وماهو (تنازل مهين). 


_ويرى أنصار هذا الاختيار أن الجهد النضالى ينبغى أن يتزايد ثم يعطى تفويضا لقيادة سياسية تصل (لأفضل انتصارات مرحلية)،ثم تواصل الكفاح من أجل انتصارات أخرى، مع تحديد  أجندة أولويات ترصد ما ينبغى تقديمه، ومايمكن تأخيره


_وفى هذه الحالة يأتمر الحراك الثورى بأمر الساسة ويتناغمون ولا يتضاربون رغم اختلاف دور كل منهم، وأن يتماسك الجميع على قبول الانتصارات الجزئية التى تجتمع فتنتج انتصارا كاملا.


الخيار الثالث: استقلال المشروع النضالى عن المشروع السياسى
وكلمة استقلال هى كلمة مخففة، والمعنى المقصود، وهو أن يكون المشروع النضالى والذى هو أساس الثورات قد شغل بالمواجهة الساخنة، ولم يحدد استراتيجية للمواجهة الباردة، فتتعدد الآراء وتتسرب الخلافات ؛ فترى فصيلا ثوريا يأبى التنازل أو التفاوض أو أى وساطات ولو كانت دولية، وعلى النقيض سترى من يؤمن أن الحراك الثورى لا ينجح بغير قيادة سياسية تفاوضية (تعبر عنه)، أو (تقوده)، هنالك يحدث الشقاق بين الثوار أنفسهم، ويسيرون على غير هدى، وهذه هى النقطة التى تبدأ الثورات عندها التشرذم والتخوين رغم أن الجميع يعمل من أجل الثورة، لكن عدم تحديد استراتيجية واضحة تضبط العلاقة بين الحراك الثورى والحراك السياسي هو ما يشتت الجهود ويكسر البوصلة.


_إن تحديد العلاقة بين المشروع النضالى والمشروع السياسى يجعلهما مشروعا واحدا هو (المشروع الثورى).


_إلى الآن فإن الخيار الأول هو الحاكم، والحادث على الأرض أن الحراك الثورى هو الذى يعلن مبادئه ويفرضها على الساسة.


-  ولأن الجهاد الثورى الحقيقى سيبدأ بوصول قائد الانقلاب إلى سده الحكم، فينبغى الاستقرار تماما إما على الاستمرار فى خيارنا الأول  – وهذا مانؤيده -  أو تعديله طبقا لآلية متفق عليها... المهم التواؤم بين المناضل على الأرض والمناضل الديبلوماسى، وأن يستظلوا بمشروع الثورة، حتى نظل محافظين على التناغم الحالى مهما كانت التحديات.


- هذا درس مستفاد من الانتفاضات والثورات الشعبية التى سبقتنا، وهى قضية تستنفر التفكير وإعمال العقل واستلهام الخبرات.


مكملين ...

لا رجوع ...