ضع نفسك مكان أي مواطن بريطاني أو فرنسي أو أسترالي، وأنت تطالع كلمات للجنرال الذي يحكم مصر، يتحدث فيها عن المسلمين والعرب في الخارج، على النحو التالي:

"لا يوجد دين يصطدم مع الدنيا كلها، انظروا إلى الخراب والدمار الذي يسببه بعض المسلمين. إذا كان بعضنا يسافر ليعيش وسط ناس في الخارج، ويتحول بعدها بعشرة أو خمسة عشر عاما إلى إرهابي، ويحاول مقاتلتهم، فلماذا يذهب إليهم من الأساس؟".


كلمات عبد الفتاح السيسي، هذه المرة، لم تأت في لحظة غابت عنه فيها "الفلاتر"، ولم تكن تسريباً جديداً من مكتبه، ولم تكن نوعاً من التلعثم الذي يعتريه حين يباغته أحد بسؤال، بل كانت، وعلى عهدة صحيفة "الشروق" المصرية، نصا مكتوبا ألقاه في مناسبة الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف أمام شيخ الأزهر والعلماء.


ومن الواضح أن الرجل لم يكن يتحدث للعلماء والمشايخ، بل بدا وكأنه يتقدم ببلاغ إلى هيئات الشرطة في البلاد التي هاجر إليها عرب ومسلمون، يحذرها فيه من الفارين من جحيم الاستبداد والبلادة والقمع في موطنهم الأصلي، ذلك أن فحوى هذه الكلمات الركيكة بمثابة دعوة لسلطات ومواطني دول المهجر، للحذر ممن يعيشون بين ظهرانيهم، باعتبارهم مشاريع إرهابيين.


ويدهشك، هنا، أن الإعلام الغربي نفسه لم يذهب إلى هذا التعريض بالمغتربين والتشكيك في جدارتهم بالحياة داخل هذه المجتمعات، بل إن سكان هذه البلاد الأصليين لم يتعاملوا أبداً مع المهاجرين بهذا القدر من التوجس والاحتقار والعنصرية الطافحة من خطاب الجنرال. حتى في أحلك الظروف التي تمر بها هذه المجتمعات، لم يحدث أن اعتبر أعتى متطرفيها أن الإسلام "دين يصطدم مع الدنيا كلها".


في أستراليا، مثلاً، وعقب حادثة احتجاز رهائن في مقهى بوسط مدينة سيدني، الشهر الماضي، أطلق نشطاء أستراليون على مواقع التواصل الاجتماعي حملة "سأسير معك"، بهدف طمأنة النساء المسلمات المقيمات في أستراليا، بأنهن لن يتعرضن للخطر، وذلك للتعبير عن التضامن مع المحجبات اللواتي أصبحن قلقات من صعود القطارات وحافلات النقل العام، جراء هذه الحادثة.


الفتاة الأسترالية راشيل جاكوبس التي أطلقت الحملة، قالت في تغريدتين على "تويتر": "رأيت المرأة التي تجلس بجانبي في المترو تزيل حجابها في صمت. ولما نزلنا من المترو، ركضت تجاهها، وقلت لها ضعي حجابك. لا تخافي، سأرافقك، فأجهشت في البكاء وضمتني مدة دقيقة".


ومن أستراليا إلى السويد، نشرت سيدات سويديات عديدات، في يوليو/تموز الماضي، صوراً يرتدين فيها الحجاب على مواقع التواصل الاجتماعي، ضمن حملة تضامن مع سيدة مسلمة، تعرضت لاعتداء عنصري بسبب ارتدائها الحجاب.


إن المجتمعات الغربية تحفظ أسماء مئات من النوابغ العرب والمسلمين الذين هاجروا إليها، واستقروا واندمجوا فيها، وصاروا مصدر فخر لهذه المجتمعات، وخير سفراء لدولهم الأصلية، من علماء أفذاذ ولاعبي كرة ومفكرين، ولم ينظر إليهم أحد باعتبارهم "إرهابيين خطرين"، إلا المصابين بلوثة العداء للأجانب.


يتساءل السيسي في كلمته "لماذا لا يخرج من عندنا إلا هذا الفكر.. كل الناس خايفة مننا، يقولون إننا، كمسلمين، في كل منطقة ندخلها، تتحول إلى خراب، وبعد شهر أو عشرة، نتحول إلى قتلة ومخربين.. لا والله لا يمكن أن يكون أبدا هذا الفكر، الذي يصر البعض أن يستقي منه أفكاره منذ حوالى ألف سنة".


يتحدث السيسي، إذن، وفقا للقاعدة السوقية "الزبون عاوز كده"، والزبون، هنا، هو هؤلاء المسكونون بلوثة عنصرية يمينية متطرفة، تعادي الأجانب بشكل عام، والقادمين من الجنوب من العرب والمسلمين خصوصاً، كله كسبا للنقاط في "تمبولا الحرب على الإرهاب"، غير أن المثير حقاً أن أحداً من المشايخ الأجلاء الذين استمعوا لهذه النظرية العبقرية لم يقل له إنه قمة الدونية الثقافية واحتقار الذات أن نهين ألف عام بالتمام والكمال من تاريخ الإسلام، حين ندمغها بالإرهاب والتطرف.


إن أسهل طريق يسلكه الطغاة لمعاقبة شعوبهم، في الداخل والخارج، هو اتهامها بالإرهاب والجهل، وقارن بين كلمات السيسي وكلمات بشار الأسد في ذروة ثورة الشعب السوري ضده، والتي ذهب فيها إلى أن الملايين من الشعب السوري الذين يؤيدون الثورة هم إرهابيون، وأن سورية كلها مصابة بفشل أخلاقي واجتماعي. لن تجد فرقا في الرؤية، فكلاهما يقتل شعبه في الداخل، ويبلغ عنه في الخارج.

*العربي الجديد.