إعداد: عبده مصطفى دسوقي*

 

 عبده مصطفى دسوقي

تمر السنون تلو السنين، والأيام تتعاقبها الأيام وينجلي ليلٌ ويطلع نهارٌ، وما زالت ذكرى المجاهدين خالدةً في الأذهان، تشع النورَ في القلوب والبدان، وتضيء الطريق المستقيم للسائرين على طريق رب العالمين.

 

إنَّ اللَّهَ عز وجل حفظ ذكرى المجاهدين في اللوح المحفوظ، ورفع ذكرَهم في الدنيا والآخرة.
إن شخصيةً مثل الحاج أمين الحسيني لتبعثُ في النفس رهبةً، وتشعل في القلب جذوةَ الإيمان، فمنذ ميلاده حتى وفاته وهو لم يُغمد له سلاح، فقد ظلَّ سلاحُه مشهرًا دائمًا على أعداء الله، وكانت أسلحته متعددةَ الجوانب، فامتلك سلاح الكلمة، وسلاح الحكمة، وسلاح الساعد، لقد أُوذي كثيرًا فصبر واحتسب، وشُرِّد كثيرًا فحمد وشكر.

 

النشأة والتكوين

ينحدر الحاج أمين الحسيني من أسرةٍ شريفةٍ هاجرت من اليمن في القرن العاشر الهجري- السادس عشر الميلادي إلى فلسطين، وتنتسب أسرته إلى السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم)، وُلد حسب الروايات عام 1895م أو1897م، وتلقى دراسته الأولية في مدارس القدس، ثم التحق بالأزهر الشريف، إلا أنه لم يكملْ فيه والتحق بمدرسة الضباط بإسطنبول قبيل الحرب العالمية الأولى، وعُيِّنَ ضابطًا في الجيش التركي، وشارك في الحرب العالمية الأولى.

 

جهاده

لقد عاش أمين الحسيني بحب الجهاد، ففي 1916م ترك الخدمة العسكرية في الجيش التركي، واشترك في حركة التحرير العربية، وأنشأ أول منظمة سياسية فلسطينية في التاريخ الحديث عام 1918م سُمِّيت بالنادي العربي، وفي 1919م شغل عدة وظائف في حكومة فلسطين.

 

وعندما أعلنت بريطانيا وَعْدَ بلفور الذي خوَّل لليهود الحق في استيطان فلسطين هبَّ وقاد حركةَ المقاومة ضدَّ السلطات البريطانية في فلسطين، وحَكَمَت عليه المحكمة الإنجليزية بالسجن لمدة 15 عامًا، غير أنه أفلت من يد البوليس الإنجليزي ولم يُنفَّذ الحكم الصادر ضده، وعندما عُيِّن السير هربرت صمويل مندوبًا ساميًا على فلسطين أصدر عفوًا عامًّا شمل سماحة المفتي أمين الحسيني.

 

عاد بعد ذلك لفلسطين وشغل منصب الإفتاء الذي شغر بوفاة شقيقه عام 1922م، ويذكر الأستاذ محمد علي علوبة باشا أن الحاج أمين الحسيني كان ينفق كل دخله على حركة الجهاد العربية، ولم يكتفِ بذلك، بل سافر للهند لجمع اكتتاب من مسلمي الهند لفلسطين.

 

تعرَّف على الأستاذ حسن البنا المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في الثلاثنيات، وتوطَّدت الصلة بينهما، وعندما اندلعت ثورة فلسطين الكبرى بقيادة المجاهد عز الدين القسام عام 1936م كان الحاج أمين الحسيني يشغل منصب رئيس الهيئة العربية العليا منذ نشأتها عام 1935م، وأثناء ذلك قام الإخوان المسلمون بجمع المال والسلاح وإرساله إلى المجاهدين الفلسطينيين بعد رفض الحاج أمين الحسيني إرسال متطوعين، واكتفى بالمال والدعاية، فقام الإخوان بنشر جرائم بريطانيا والمذابح التي ارتكبوها ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، ووزعوا كتاب "النار والدمار" في فلسطين، به صورٌ تدل على المذابح التي ارتُكبت.

 

كما أنهم هاجموا محمد محمود باشا رئيس وزراء مصر عندما صرَّح بأنه رئيس وزراء مصر وليس رئيس وزراء فلسطين، واتهموه بالتخاذل نحو القضية الفلسطينية، وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية وقف الحاج أمين الحسيني بجوار ألمانيا ضد الحلفاء؛ رغبةً منه في أن تساعده ألمانيا على التخلص من الاحتلال الإنجليزي، وعندما اندلعت الحرب كان أمين الحسيني في بافاريا يساعد في معركة برلين، غير أن ألمانيا هُزمت وطاردته إنجلترا حتى لجأ إلى فرنسا، وظلَّ بها ف