بقلم فضيلة الشيخ: محمد عبدالله الخطيب

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه آجمعين.. وبعد.
فهذه رسالة جمعت الكثيرَ من صفاتِ الإمام الشهيد حسن البنا ومواقفه.. وحرصه على إحياءِ رسالة الإسلام وإعداد الرجال الذين تربَّوا عليها ليحملوا الأمانة، ويبلغوا الحقَّ كاملاً، بالحكمةِ والموعظة الحسنة.

 

والحق أنَّ أجيالاً كثيرة، قد حيل بينها وبين أن تعرف حقيقة دعوة الإخوان المسلمين، وما قدَّمه الإمام البنا؛ ولذلك سنحاول في هذه الحلقات بيان الحقائق التي قدَّمها الإمام البنا، لهذا الدين العظيم.

 

لقد طرح منهجًا هو من صميم الإسلام، ولذلك نجده يقول "ومن الحق أيها الإخوان أن نذكر أننا ندعو بدعوة الله، وهي أسمى الدعوات، نُنادي بفكرةِ الإسلام، وهي أقوم الفكر، ونقدم للناس شريعة القرآن وهي أعدل الشرائع".

 

وحين نتحدث عن الإمام البنا- رحمه الله تعالى- نتحدث عن واحدٍ من الرجال الذين تتجلى سيرتهم في جهادهم وتاريخهم في إيمانهم وثباتهم، عن واحدٍ من الرجالِ الأعلام، الذين لا يرون أنفسهم إلا جنودًا للحق، في ميدان التضحية والفداء والجهاد، يؤدون واجبهم ويبذلون أقصى طاقاتهم في سبيل ما آمنوا به واعتقدوا أنه الحق.

 

وفي هذه الآفاق كانت مسيرة الإمام البنا- رحمه الله تعالى-، كان روحًا وريحانًا، وقدوةً عمليةً واقعية، في دنيا الدعوات، إن كثيرًا من المفاهيم لا يتم ظهورها إلا إذا تحققت في صورة واقعية محسوسة يراها الناس في الحياة، ودعوة الإسلام العظيم، ترتبط دائمًا بالقدوة في الأفعال والأعمال، ودعوة الإسلام التي جددها الإمام البنا، ليست طقوسًا مُبهمة، ولا ترانيم غامضة، بل هي رسالة أضوأ من البدر، هدفها السمو والارتقاء بالإنسان، روحيًّا وعقليًّا وخلقيًّا، واقتصاديًّا وسياسيًّا، والمسلم الصادق هو الترجمة العملية لها، لقد عمل الإمام طوال حياته على إبطال تقديس الأشخاص، فاختفى النفاق في صفوف الذين رباهم على الحق وساد عنصر التقدير لمَن يستحق، وبقى معنى الاحترام لأهل الفضل والسبق، وتأكدت قيمة العمل الصالح وحدها، قيمة العمل للدين والدنيا، والدنيا والآخرة، فطريق الآخرة هو طريق الدنيا، لا اختلاف ولا افتراق.

 

الإمام المربي

من الناس من يعيش لنفسه وحدها، لا يُشغل إلا بها، ولا يفكر إلا فيها، ولا يعمل إلا لها، فإذا انقضى عمره، وخرج من الدنيا لم يشعر به أحد، وعلى عكس هذا تمامًا من الناس من يعيش لأمته، واهبًا لها حياته، واضعًا نصرتها وعزتها كل أحلامه وآماله، باذلاً في سبيل كرامتها كل ما يملك، وهؤلاء لا تكون مصيبة موتهم في أهلهم وذويهم، لكنها تكون خسارةً للأمة كلها، فعليهم تذرف الدموع، وتبكي القلوب.

 

 

وإمامنا من هذا النوع الكريم نحسبه كذلك ولا نُزكي على الله أحدًا، إنه مربي الأمة، ومعلم الأجيال وإمام العصر، ومجدد دعوة الإسلام في القرن العشرين، لقد انتشرت دعوة الإسلام على أيدي تلاميذه في كل أنحاء الدنيا، وكلها حلقات متواصلة، ومتصلة تنظمها سلسلة واحدة هي الإسلام.

 

لقد كان الإمام البنا صاحب رسالة تحكمها عقيدة التوحيد، أخذت عليها زمام نفسه، وملكت عليه منافذ حسه، فعاش من أجلها، ومات في سبيلها، وكان يؤمن إيمانًا عميقًا بأنَّ الدين الإسلامي هو زورق نجاة العالم كله، وهو وحده الكفيل بإيجادِ الفرد المسلم الصادق، والأسرة المسلمة الواعية، والمجتمع المسلم الرائد، والدولة الإسلامية التي تسوس وتقود العالم إلى بر الأمان والأمن والسلام.

 

ولقد تعلمت الأجيال منه، أنَّ الجهاد في الإسلام ليس ألفاظًا مُنمَّقة، ولا خطبًا رنانة، ولا أحلامًا وردية، ولا أماني معسولة، بل هو عملٌ شاقٌ وصبر وتحمل، وإخلاص وتجرد وإعداد وتربية.

 

قال الله تعالى: