انتهى الحديث بنا في الحلقة السابقة عند مخاطبة الإخوان للشعب وبيان مطالب الإخوان في هذه القضية المهمة- وهي قضية الاحتلال- دخل الإخوان في مفاوضات مع رئيس الحكومة المصرية، وذلك حتى يقوم بواجبه تجاه الأمة.

 

الإخوان المسلمون والمفاوضات(1)

قال الإمام البنا موجهًا حديثه لرئيس الحكومة:

"الحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا.

حضرة صاحب الدولة إسماعيل صدقي باشا(2) رئيس الحكومة المصرية ورئيس وفد المفاوضة المصري:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد: فالآن وقد وصل الوفد البريطاني المفاوض، وانتهت المحادثات التمهيدية، واستعد الطرفان للقيام بمهمتهما. أحب أن أذكر دولتكم بما أعلنتموه في مجلس الشيوخ والنواب، وبعثتم به إلى سفير مصر في إنجلترا، ليبلغه رسميا إلى الحكومة البريطانية من أنكم تدخلون هذه المفاوضة أحرارًا من كل قيد غير متأثرين بمذكرة الحكومة المصرية السابقة ولا بالرد البريطاني عليها.

 

وأزيد على هذا "ولا بقيود معاهدة 1936م التي عقدت في ظروف خاصة تغيرت الآن تغيير كاملاً جعلها غير ذات موضوع، كما أعلن ذلك معالي وزير الخارجية المصرية في مجلس النواب".

 

ثم بيَّن البنا بعد ذلك الهدف من هذه المفاوضات فقال:

"وإذن فالهدف المقصود من وراء هذه المفاوضة هو تحقيق مطلب الأمة الأساسي، وهو الجلاء التام عن وادي النيل، والحرص على وحدة تجعل من أهله أبناء وطن واحد يشتركون في الحقوق والواجبات، ويتبع ذلك أن تتحرر مصر تحررًا كاملاً من كل القيود التي تعوق نهضتها الاقتصادية، ويسدد إليها دينها المستعان به في ترميم ما أتلفت الحرب من حياتها الاجتماعية.

 

فليكن ذلك- يا صاحب الدولة- هدفكم فإن وصلتم إليه فذاك، وإلا فبادروا بمكاشفة الأمة (ولها الكلمة الأخيرة) فورًا بحقيقة الموقف على جليته وارفعوا الأمر إلى مجلس الأمن قبل انتهاء دورته، وثقوا بأن الأمة لن تقصر في الجهاد وهي على أتم استعداد لمواجهة تبعته وقسوته، وليس طعم النجاح في فمها بأعذب من طعم الكفاح وهو إحدى الحسنيين".

 

ثم وضح الإمام بعد ذلك أنه ينبغي ألا نضيع هذه الفرصة من بين أيدينا، كما أنه لا بد من مصارحة المفاوض البريطاني وإعلامه بتصميم الأمة على نيل حريتها واستقلالها فقال:
"يا صاحب الدولة: إن الفرصة التي بين أيدينا الآن لا تعوض ومن التفريط والظلم لحقوقنا الوطنية أن نغفل عن قيمة الوقت، وقضيتنا واضحة عادلة لا تحتاج إلى كبير دراسة أو تمحيص، وقد درست وبحث عنها من الجانبين منذ وضعت الحرب أوزراها، فمن الواجب الحتم(3) ألا يطول وقت المفاوضات، حتى تفلت منا فرصة عرض قضيتنا على مجلس الأمن ونحن ممثلون فيه، وكم يكون جميلاً أن تتمَّ المفاوضات قُبِيل عيد الجلوس الملكي في 6 مايو، فتحتفل مصر بعيدين عيد الفاروق وعيد الفوز أو الجهاد.

 

ومن الخير أن تكاشفوا المفاوض البريطاني في وضوح بأن الأمة قد صممت على أن تصل إلى حقها أو تموت دونه، وأنها لن تجرب طريق المفاوضة إلا هذه المرة فقط فإمَّا نجاحًا وإمَّا كفاحًا.

 

يا صاحب الدولة: إن الظروف العامة والخاصة جميعا تلح علينا أن نعمل في سرعة وقوة وثقة وحزم، فكونوا كذلك ونسأل الله لكم التوفيق.

 

وإن الإخوان المسلمين ليدركون واجبهم حيال الموقف من كل وجوهه تمام الإدراك وهم على استعداد للقيام به كاملاً غير منقوصٍ مهما كانت الظروف والتضحيات(4)".

 

ثم وجه البنا حديثه بعد ذلك إلى الرجال السبعة الذين يعملون على مسرح السياسة حتى يقوموا بواجبهم تجاه مجتمعهم فقال:

"إلى الرجال السبعة(5) صاحب المقام الرفيع مصطفى النحاس باشا(6) رئيس الوفد المصري.

صاحب المقام الرفيع علي  ماهر باشا (7) رئيس هيئة جبهة مصر.

صاحب الدولة محمود فهمي النقراشي(8) رئيس الهيئة السعدية.

صاحب المعالي محمد حسين هيكل باشا(9) رئيس الأحرار الدستوريين.