كانت الدعوة التي وجهها الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن لعقد مؤتمر دولي حول التسوية في الشرق الأوسط محورًا للكثير من التقارير في صحف العالم الصادرة اليوم الثلاثاء 17/7/2007م، والتي ناقشت فعالية تلك الدعوة وقابليتها للتطبيق في ظل الظروف الحالية.

 

الـ(واشنطن بوست) الأمريكية تناولت الموضوع في تقرير مفصل، أعده بيتر بيكر وروبين رايت، أوضح في البداية مضمون ما قاله بوش في كلمته التي ألقاها أمس في البيت الأبيض، وركَّز التقرير على أن بوش اعترف بوجود مصاعب، إلا أنه أكد ضرورة "تحقيق السلام في الأرض المقدسة"، في تكرار للخطاب الديني الذي يتبنَّاه بوش ويؤيد فيه المزاعم الصهيونية المؤسسة على أساطير اليهود بالحق في فلسطين.

 

ثم انتقل التقرير إلى التشكيك في قدرة بوش على تحقيق الكثير من وراء دعوته تلك؛ حيث قال إنه من غير المتوقَّع أن تُسفر تحركات بوش عن جديد، بالنظر إلى أنها تعتمد على 3 من القيادات السياسية الضعيفة، وهم: بوش نفسه الذي فقد شعبيتَه كليًّا في الداخل الأمريكي بسبب الحرب على العراق، ورئيس الحكومة الصهيونية إيهود أولمرت الذي أضعفه الفشل في حرب لبنان الأخيرة، إلى جانب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذي يعاني من عدم قدرته على السيطرة على كل مقاليد الحكم في السلطة.

 

 الصورة غير متاحة

آلاف الفلسطينيين يعلنون دعمهم لحماس

 كما تَحَفَّظَ التقرير على مطالبة بوش للفلسطينيين بنبذ حركة المقاومة الإسلامية حماس؛ بدعوى أن تأييد حماس يحُول دون قيام دولة فلسطينية مستقلة، ويَرجع تحفُّظ التقرير على تلك المطالبة إلى أنها تعبِّر عن جهل بوش بالواقع الفلسطيني ومدى شعبية الحركة فيه.

 

وانتقل التقرير إلى آراء الخبراء، فأورد تصريحات شبلي تلحمي- الأستاذ في جامعة ماريلاند الأمريكية- التي قال فيها إنه على الرغم من أن الدول العربية تريد أية دفعة لعملية التسوية إلا أنه من الصعب جدًّا أن يوافق العرب على مبادرة بوش بضرورة الاعتراف بالكيان الصهيوني دون وجود أية حوافز أو إعطاء أية ضمانات على أن الاعتراف بالكيان سيتبعه تحرك لإعلان دولة فلسطينية.

 

أما جيمس زغبي- رئيس المعهد العربي الأمريكي (ومقره واشنطن)- فقد قال إن التوقيت الذي جاءت فيه الدعوة ليس مناسبًا بالمرة؛ نظرًا لأن عباس وأولمرت وبوش لا يتمتعون بالقوة الكافية أو الشعبية التي تساعدهم في إقناع شعوبهم بالموافقة على أية إجراءات سيتم اتخاذها لتحقيق التسوية.

 

وأضاف زغبي أن التوقيت المناسب كان عقب انتخاب محمود عباس رئيسًا للسلطة في العام 2005م؛ حيث كان وقتها يمكن أن يقول إنه منتخب ديمقراطيًّا من جانب الشعب.

 

إنقاذ ماء الوجه

الـ(نيويورك تايمز) الأمريكية ذكرت في تقريرها- الذي كتبته هيلين كوبر- أن الدافع الرئيسي وراء دعوة بوش لهذا المؤتمر هو رغبته في تحسين صورة الولايات المتحدة في العالم العربي التي تضرَّرت بعد الحرب على العراق، إلى جانب رغبته في الفوز بدعم الدول العربية الحليفة للأمريكيين في خططه إزاء العراق.

 

وما يمكن فهمه من ذلك هو أن المؤتمر سيكون ضربةً لعصفورين بحجر واحد، العصفور الأول هو إنقاذ ماء وجه بوش في العراق، والثاني استغلال الفرصة لإنهاء الصراع في الشرق الأوسط بما يحقق المصالح الصهيونية!!

 

وأشار التقرير إلى أن الأمريكيين يسعون إلى حشد تأييد العديد من الدول العربية لهذا المؤتمر، مشيرًا إلى أن الرئيس الأمريكي سيعمل على إرسال وزيرة خارجيته كونداليزا رايس إلى الشرق الأوسط في الفترة القادمة من أجل تحقيق ذلك الهدف، إلا أن التوقعات- وفق التقرير- تشير إلى أن المؤتمر لن يكون بحجم مؤتمر مدريد، الذي كان أول خطوة في طريق التسوية، والذي عُقد في العام 1991م في العاصمة الإسبانية مدريد برعاية الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش.

 

ترحيب صهيوني

بالطبع رحَّب الصهاينة بما جاء في كلمة بوش من دعوة للمؤتمر الدولي وانتقادات حادة لحركة حماس، وكتب المحلل السياسي هيرب كاينون في الـ(جيروزاليم بوست) يقول إن كلمة بوش أوجدت جسرًا يمكن السير عليه لتجاوز الارتباك الحالي في الشرق الأوسط، مشيرًا إلى أن ذلك الجسر يعتمد كلَّ الاعتماد على توني بلير المبعوث الدولي الجديد للتسوية في المنطقة.

 

 الصورة غير متاحة

محمود عباس

وأوضح كاينون مقصده؛ حيث قال إن رئيس السلطة محمود عباس غير قادر بالفعل على تطبيق كل ما يعِدُ به، كما أن رئيس الحكومة الصهيونية إيهود أولمرت يعاني من حالة عجز كامل؛ بسبب خشيته من القيام بأية مغامرات سياسية تؤثر بالسلب على موقفه السياسي المهتزّ بالفعل داخل الكيان؛ بسبب حرب لبنان الصيف الماضي، وبالتالي تأتي دعوة بوش كجسر للطرفَين يمكن أن يتجاوَزا من خلاله كل العراقيل التي تواجههما.

 

ويفسر المحلل السياسي بعد ذلك أهدافَ بوش من خطابه أمس، فيقول إن بوش لم يُشِرْ إلى أنه سيتم العمل بالفعل على تأسيس دولة فلسطينية، ولكنه قال إن الخطوات الفعلية سوف تركِّز على تحسين أداء مؤسسات السلطة الفلسطينية.

 

ويضيف المحلل السياسي أنه في هذه النقطة تظهر مهمة بلير؛ حيث إنه سيكون مسئولاً عن تطوير أداء مؤسسات السلطة الفلسطينية وجعْل الأراضي الفلسطينية "مكانًا مناسبًا يمكن للصهاينة التعامل معه"!!

 

إلا أن الكاتب يرى أن هناك بعض الصعوبات أمام تحقيق تلك الخطة، وفي مقدمة تلك الصعوبات "التخلص" من حركة حماس، فيقول كاينون: إن الخطاب الذي ألقاه بوش في العام 2002م ورفض فيه الاعتراف برئيس السلطة الفلسطينية الراحل ياسر عرفات "شريكًا في السلام" كان الضوء الأخضر للحصار الذي قام به الكيان الصهيوني ضد عرفات، والذي انتهى بوفاته، إلا أن خطاب الأمس- الذي دعا فيه بوش الفلسطينيين إلى نبذ حركة حماس- لن يمثل الضوء الأخضر للصهاينة لكي يطيحوا بحماس كما سبق أن أطاحوا بياسر عرفات، لماذا؟!

 

يقول كاينون: إن حماس ليست عرفات المحاصَر، وغزة ليست مجرد المقاطعة، فحركة حماس أقوى بمراحل من ياسر عرفات في العام 2002م، فلها الكثير من الأتباع في قطاع غزة، إلى جانب تصاعد قدراتها العسكرية؛ الأمر الذي يجعل من الصعب الإطاحة بها.

 

رؤيتان.. بريطانية وفرنسية
 
 الصورة غير متاحة

توني بلير

الـ(جارديان) البريطانية نشرت تقريرًا عن كلمة بوش، وأشارت فيه إلى أن كلمة بوش تأتي قبل يوم واحد فقط من حضور توني بلير- رئيس الحكومة البريطاني السابق- اجتماع اللجنة الرباعية الدولية لأول مرة في إطار دوره الجديد كمبعوث للجنة الرباعية إلى الشرق الأوسط، ويمكن اعتبار ذلك إشارةً إلى أن بوش لم يتخلَّ عن التحالف الذي كان قائمًا بينه وبين بلير وقت أن كان بلير رئيسًا للحكومة البريطانية؛ حيث أعلن بوش خطته وسيترك التنفيذ لبلير!!

 

ثم ألقت الجريدة الضوءَ على سابق اللقاءات المماثلة التي عُقدت في أنحاء مختلفة من العالم بين الفلسطينيين والصهاينة برعاية المجتمع الدولي منذ مدريد في العام 1991م حتى شرم الشيخ في العام 2005م، وقالت إن الكيان الصهيوني كان هو الفائز في الكثير من تلك المؤتمرات.

 

فذكر التقرير أنه في العام 1991م لم تُسفر المباحثات عن أية إيجابيات بالنسبة للفلسطينيين، إلا تأسيس مجرد كيان فلسطيني غير ناضج لا يمكن وصفه إلا بتعبير "الدولة الجنينية"، وفي العام 2005م جرت محادثات في شرم الشيخ حصل خلالها آرييل شارون- رئيس الحكومة الصهيونية آنذاك- على مكافأة كبيرة، تمثَّلت في إنهاء انتفاضة الأقصى التي اندلعت في سبتمبر من العام 2000م.

 

ولم يقف الفرنسيون بعيدًا عن هذا الحدث؛ حيث أشارت الـ(فيجارو) الفرنسية إلى أن هذه الدعوة الأمريكية تعني أن الدبلوماسية الأمريكية في الفترة الحالية تستند إلى تهميش اللجنة الرباعية الدولية؛ حيث ذهبت الجريدة في ذلك على عكس تقرير الـ(جارديان)؛ إذ اعتبرت الجريدة الفرنسية أن دعوة بوش لانعقاد المؤتمر قبل يوم من اجتماع اللجنة الرباعية في البرتغال يعني أن بوش يتجاهل دورَ تلك اللجنة ولا يلقي لها بالاً.

 

كذلك قالت الجريدة في تقريرها حول الحدث إنه يأتي في نفس السياق الذي جاء فيه اجتماع رئيس الحكومة الصهيونية إيهود أولمرت مع رئيس السلطة محمود عباس بدعم السلطة الفلسطينية وعباس ومناهضة حماس؛ حيث أطلق بوش دعوته لحضور المؤتمر في نفس اليوم الذي عُقِدَ فيه اجتماع أولمرت مع عباس.