البواسل هو اسمُ كافيتريا تقع في الضفة القبلية لطريق مصر الإسماعيلية بمنطقة الهايكستب، وكان أهالي المحالين للمحكمة العسكرية يلتقون عندها؛ عسى القليلُ منهم يحظى بتصريح الدخول للمحكمة، التي يُقال إنها على بعد مسافةٍ في داخل الصحراء، وذهب الأهالي إلى كافيتريا البواسل يوم النطق بالحكم15/4/2008، ليعرفوا الأخبار، وكان لجاري قريبٌ من هؤلاء المحالين، وكان يقول إنها مسرحيةٌ وليست محاكمةً، وكنتُ أقول له: عليك بإحسان الظنِّ بالقضاة؛ إنهم يُقيمون العدلَ، لا يخافون لومةََ لائم.

 

ويوم النطق بالحكم مُنِع الأهالي من مُجرَّد الوقوف في ساحة هذه الكافيتريا لسماع الأحكام، ويبدو أن القاضي خيَّب ظنّي وصدَّق ظنَّ صاحبي، وكان هناك ما هو أشبه بموقعةٍ حربيةٍ في ذلك اليوم، فكانت هذه الأبيات..

ويوم النطق بالحكمِ   نويتُ البعدَ عن داري

خرجت مُبكِّرًا أغدو   وأخفي نفسي عن جاري

فيومُ الحكم قد جاء   ولم تُعجبه أفكاري

يقول القاضي لا يعدلْ   ويأتي الأمرُ إجباري

وقلتُ القاضي لا يظلمْ   فذلك فعلُ أشرارِ

وحسنُ الظن يغلبني   وأعزف منه أوتاري

أقول سيخرج ابنُ العم   وفي أسبوعنا الجاري

قريبُك في براءتهِ   كضوءِ الشمس بنَهارِ

وحُكمُ العدل يُنصفهُ   ويوقفُ حزنَك الساري

**

وقلتُ: تُرى بيوم الحكم     نلقي حُكمَ غدَّارِ؟

فقلتُ أزوغُ من بيتي   وفي غَلَسٍٍ وإبكارِ

وقلت أَفيدُ من وقتي   وأقضي بعضَ مشوار

أكون بمعزلٍ أُصغي   لتأتيَ بعضُ أخبار

فإن كانت كما نهوى   تراني خيرَ بشَّار

وإن لم نلق بُغيتنا   تواريتُ عن الجار

وتكفيه فجيعته    فلا يحتاج أشعاري

**

وجاء الجارُ لاحظني   أُحَوِّلُ عنه أنظاري

أتى بالرِّفق حادثني   وما احتاج لأعذاري

وقال لقد شربنا اليوم   شرابَ الظلم بمَرَارِ

وكان الأمر تدريجًا   لتعرفَ رحمةََ الباري

فبعض الأهل قد خرجوا   من البيت بإبكار

وجاءوا عندهم أملٌ   بعدلٍ يُتلى بقرار

وتركوا زينةَ البيت   عليها بعضُ أنوار

وشرباتٍ أعدُّوه   لجمع الضيف والجار

فأوَّل ما يفاجئُنا   لِجانٌ ليس لردار

زحامٌ غيرُ معهود   بخَطٍّ يجري بصحاري

وإن سار الطريق بنا   توقَّف بعد أمتار

ويأتي مَن يُسائلُنا   ويرمقُنا بأبصار

تَرى جندًا مُكردسةً   وقد نزَلت بمضمار

وبعد عناء رحلتِنا   وصلنا بعد أسفار

وصلنا المدخلَ العادي   بواسلَ عندها ساري

إذا جيشٌ ومفرزةٌ   إذا منعٌ بإصرار

فلا تقفوا هنا أبدًا   ولا في مرمى أنظاري

فممنوع الوجودُ هنا   ولا جدوى لأعذار

فقلنا هذا تمهيدٌ    لظلمٍ يأتي بقرار

فسرنا نمشي في الصحرا  ء هذا السير إجباري

نروح ونغدو بطريقٍ   بإرهاقٍ وتَكرار

وجند الأمن ترقُبنا   بعينٍ أو بمنظار

وتسعي كي تفرِّقَنا   بتأكيدٍ وإصرار

تَنَادى البعضُ أن هيَّا   وجدنا بعضَ أشجار

هلُمُّوا عندها نقفُ   لنسمعَ بعضَ أخبار

وحين وقفنا نبتهلُ   وندعو الواحدَ الباري

تَفَاجئْنا بمعركةٍ    تُذكِّرُنا بذي قار

**

جيوشُ الأمن قد برزت   ولم تُسبِق بإنذار

وقد جاءت لتبغتنا   تَحُوطُ بنا كأسوار

تُحيطُ بنا وتضربُنا   تُصيبُ البعض بعوار

فمنَّا الذاهل الدَّهِشُ   ومنا الواقف الجاري

وجوهُ الجُند تجعلُني   أقلِّبُ بعضَ أفكاري

فهم كرجال قريتنا   كمسعودٍ وبنداري

وكنت أراهمو دومًا   بحقلٍ أو بدوَّار

وليس الذنبُ ذنبَهمو   فقد جاءوا بإجبار

وما اتسعت مداركُهم   لتُدرك مكرَ مكار

ترى ماذا يقال لهم   بهمسٍ أو بإسرار؟

لكي يأتوا على حرد   وعينٍ ترمي بشرار

فهل فهموا مجيئهمو   لمحق فسادِ أوكار

وهل فهموا حضورهمو   لمحو الظلم والعار

وهل فهموا وقوفهمو   لعادٍ جاء بدمَار

وحقُّ الأمر أنهمو   قُبالةَ بعضِ أطهار

أتوْا كي يعرفوا الحكم   على من خلف أسوار

فلم يرضوا لنا شُربًا   لمُرِّ الظلم بوقار

**

فقلنا هذا تهيئةٌ    لظلمٍ واقعٍ جاري

وما نحتاجُ أن نصبر   لمن يأتي بأخبار

سوى تبيانِ ما نسجوا   بظلمٍ نسجِ غدَّار

وظهرت بعدها الأحكام   تُثبت صدق أفكاري

وجاء الحكم بالعشر   وبالبُرء وأوتار

كأن تفاوتَ الحكم   أتى عدلاً بمقدار

**

وبعضُ الناس ذاهلةٌ   وبعضٌ دمعهم جاري

وبعضٌ يدعو من قلبٍ   أصيب اليوم بعوار

وبعضٌ قال قد جئنا   لنَلقي طعن غدار

وكلُّ الناس واقفةٌ   تناجي ربها الباري

وقلب الأم مكلومٌ   بدمع العين مدرار

وقلب الأم مفطورٌ   بِلَوْعِ الحزن وتداري

وبُحَّ الصوتُ من كمدٍ   ومن حزنٍ وإمرار

وطفلٌ كاسف البال   أيبقى الأب بأسار؟

وكم من لوعةٍ وأسى   لأهلٍ كانوا بجواري

أما في الجيش من قاضٍ  شجاعِ الرأيِ مغوار

يُؤدِّبُ شاهد الزور   ويُبرئ ساحَ أبرار

ويحبس سارق المليون   في صلفٍ وإجهار

فنحن اليوم إن نصبر   لأحكامٍ وأقدار

فرَبُّ العرش ندعوه   بمنتقمٍ وجبار

**

وجاء الضابط الأكبر   ليُكملَ بعضَ أدوار

يَسُبُّ هناك سيدةً   خَسِئْتَ وبُؤتَ بالعار

حَسِبتُك تُنجدُ الملهوف   إذ يدعوك بطواري

حسبتك تنشرُ الأمن   تُطمئِنُ كلَّ مُحتار

حسبتُك تَتبعُ الجاني   بسيف الحق بتار

حسبتُك تضبط الفسق   تَسَتَّر خلف أوكار

حسبتُ السيفَ في كتفِك   سيُطْلِي اللفظَ بوقار

ففوجئنا بألفاظٍ    أُرَفِّعُ عنها أشعاري

**

وبات الظلمُ مفضوحًا   لمسعودٍ وبنداري

متى مسعودُ نتَّفق لمحو   الظلم والعار

ووقت الجدِّ ألقاك   تعاونُني وبجواري

ونجعلُ بأسَنا جمعًا   لصدِّ هجوم مكار

يهودٍ عبثوا بحمانا   وصَحِبوا بعضَ غُدَّار

وقد نفثوا سمومهمو   بمصرَ وبعضِ أمصار

عسى فرجًا يجيءُ غدًا   ونطردُ كيدَ أشرار

**

وعزَّ علينا لا نظفر   بقاضي الجيش مغوار

ولا نحظى بمن يُنصف   ضحايا خلف أسوار

فما هربوا وقد غرق   مئاتُ الناس ببحار

وما حرقوا من الناس   مئاتٍ ماتوا بقطار

وما راموا انتخاباتٍ   بتزويرٍ بإصرار

وما خرجوا بأموالٍ   هروبًا عبر أقطار

وما عبثوا بمال الغير   إفسادًا بإهدار

**

هنيئًا سيدي القاضي   بما قد حُزتَ بفخار

هنيئًا جيشَنا الباسل   بقاضي الجيش مغوار

لقد شاركتَ من يظلم   ويغدر غدر مكار

وهل جاءتك ترقيةٌ   بتعظيمٍ وإكبار

وهل تقوى لمن يدعو   عليك بوقت أسحار

هنيئًا شاهدَ الزور   وهل قد فزتَ بفِرار؟

هنيئًا سارقَ المليون   من مالٍ ودينار

وأين يُقَسَّم المال   لبَرٍّ أم لفُجار؟!

فوا أسفي لمن يظلم   ويهضمُ حقَّ أحرار

فأمر العدل مأمونٌ   وأمر الظلم لبوار

**

وظلم القاضي يوردُنا   بمصرَ خطير آثار

وقاضي الظلم هل يعلم   بما يَجنيه من عار

فقاضي الظلمِ هو سببٌ   لزلاتٍ وأخطار

وظلم القاضي تشجيعٌ   لإفساد وإضرار

فأثقل كاهل الناس   الغلاءُ ورفعُ أسعار

وجُلُّ الناس في ضيقٍ   وتضييقٍ وإقتار

وأهدر مالنا العام   سفيهٌ أيَّ إهدار

وكم قد نِلنا من فخر   بصفرٍ تِلو أصفار

وإفسادٍ قد انتشر   بهيئاتٍ وأوكار

وتزويرٍ قد اشتهر   كحطبٍ مُسَّ بالنار

وقولُ الحق محفوفٌ   بإعراضٍ وإنكار

وقول الإفك مسموحٌ   ومطلوبٌ بإكثار

وطاقاتٌ معطلةٌ    وتضييعٌ لأعمار

فأبشر قاضيَ الظلم   فظلمُك جاء بثمار

وشارك فيه من يأمر   ويجلسُ خلفَ أستار

ومن يأتي فيلتمس   لهم بعضًا لأعذار

وراعِي الظلمِ حمَّالٌ   لآثامٍ وأوزار

**

وُلاةَ الأمر في بلدي   بلغتم طولَ أعمار

وهل يبقي من العمر   لبعضٍ بضعُ أشبار

صيحُ الشيب في كِبَرٍ   أتى بصريحِ إنذار

ولا يعفينا نكتمه   بصبغِ اللون وسَمار

وبعد العمر لا دارَ   سوى الجنات والنار

إلام تظل عُزلتكم   بحُجُبٍ أو بأستار

ووالي الأمر مسئولٌ   عن المجهودِ والعاري

ووالي الأمر موكولٌ   بإصلاحٍ وإعمار

فهل من عاقلٍ يسمع   ويقرأُ بعضَ أشعاري

ويعلم أنّي أنصحه   لإشفاقي وإعذاري

**

لبعض الصحب قد ظُلموا  هناك بخلف أسوار

وإن كنت عرفتكمو   على صفحاتِ أخبار

فحبٌّ مِلؤُهُ فخرٌ    وتقديرٌ بإكبار

وإن يُحظرْ سلامُكمو   وعرَّضني لأخطار

سأرسلُه لتنقلَه    إليكم بعضُ أطيار

وإن يُمكن أُطَيِّبُه   بعطرٍ أو بأزهار

فقد أضحي لنا رحمٌ   إباءُ الظلم والعار

**

وهل تصفون لي صوَرًا   لأحفظَها كتذكار

سمعنا عن حياتكمو   بطاعاتٍ وأذكار

وعن أوقات بسمتكم   بفرْحٍ وقتَ أسمار

وكم هطلت مدامعُكم   بليلٍ وقت أسحار

وكم تاقت عوائلُكم   للُقيا ساحِ زوار

وكم عشتم أُخوَّتكم   تُذَكِّرُنا بأنصار

وكم جادت خواطرُكم   بنثرٍ أو بأشعار

وكم صدحت بلابلُكم   بلحنٍ فوق أوتار

لئن هُدمت لكم جدرٌ   ستُبنى بعد إِعمار

لئن خُرِقتْ لكم سفنٌ   فتلك حمايةُ الباري

وإن ضاعت لكم ثُمُرٌ   ستُخلَفُ بعد إدبار

ودوماً بيعُكم يربح   ورِبحُ الباغي لبوار

وربُّ العرش ندعوه   بمنتقمٍ وجبار

وربُّ العرش ندعوه   يُهيئ حسنَ أقدار

تعودُ لمِصرَ عزَّتُها   لأطهارٍ وأحرار

**

ولما أنهى قصَّته   وكفكف دمعه جاري

وصوَّب نحوي نظرته   ليعرفَ ماذا أخباري

فقلتُ أُهَوِّنُ الأمرَ   بدعوة ربِّنا الباري

بأن نُؤتَي سكينته   تُلطِّفُ حزنَنا الساري

وقلتُ سأحسنُ الظنَّ   وأعزفُ منه أوتاري

فَجُلُّ الناس في بلدي   عرفتهم وبأخيارِ

وجُلُّ الناس يخشوْن   الحرام وحملَ أوزار

وجُلُّ الناس راغبةٌ   رضا الغفارِ والباري

وجُلُّ قُضاتِنا عَدلٌ   نُحييهم بإكبار

وجلُّ الناسِ طامعةٌ   بجناتٍ وأنهار

ولكنْ يعلو أفرادٌ   هنا ليسوا بأخيارِ

وذاك لأنَّ تزويرًا   غَدَا يُحمَى بأشرار

ولا حلَّ سوى الجهرِ   بقول الحقِّ هدَّار

فقولُ الحقِّ موكولٌ   به دفعٌ لأضرار

وقول الحقِّ عربون   لإصلاحٍ وإِعمار

وقول الحقِّ منشودٌ   به إرضاءُ غفَّار

ليُصلحَ حالَنا دومًا   ويجمعَنا بأبرارِ

**