لم أصدق نفسي وأنا أرى رجال الأمن يسمحون لي بأن ألتقي في حوار أدبي مع الرأس الكبير جدًّا، ومن عجب ألا يسألني عن اسمي وهويتي. وكل ما قدمت به نفسي "أنا صحفي مسئول عن ركن الأدب في خمس صحف عالمية"، وقلت له: "إن الجماهير تتلهف لقراءة كلمات سيادتكم في هذه المناسبة الحزينة، مناسبة موت أديب العربية والعروبة ومصر: نجيب محفوظ، ومعروف أنكم تعشقون الأدب وخير من يلقي الأضواء على شخصية الفقيد العزيز، وعلى أدبه".

 

ورأيت الرأس الكبير يميل برأسه في شعور واضح بالازدهاء والإعجاب بالنفس، ورأيته يشير لي بيده: تفضل، وسأجيبك على كل سؤال تطرحه عليّ.                           

 

*********

س- ما رأيكم في أعمال نجيب محفوظ؟ 

 ج-  وهي دي عايزة سؤال؟! الراجل الحمد لله،- وكلنا يعرف ذلك-: كل أعماله طيبة ستقوده إلى الجنة إن شاء الله، فلم يعرف عنه أنه أساء إلى أي شخص في حياته.

 

س- معذرة يا سيدي: أنا أقصد إنتاجه!!

ج- لأ، نجيب محفوظ راجل على الله، زيي وزيك، وليس له إنتاج نهائيًّا، فهو لا يملك مصنعًا، ولا سوبر ماركت، ولا مكتب استيراد وتصدير، يعني راجل على الله مالوش أي إنتاج.

 

س- معذرة يا سيدي أنا أقصد الكتب التي أصدرها!!

ج- طيب يا أخي لازم تكون واضح، كتب نجيب محفوظ أنا قريتها كلها، من الجلدة للجلدة، وبالمناسبة دي عندنا واحد اسمه "عماد الجلدة"  قدم للمحاكمة، وأنا كان رأيي في القضية دي......

 

س- معذرة يا سيدي لنترك هذا الآن ونعيش مع الكتب: ماذا قرأت من هذه الكتب؟ 

ج- الله!! هو اللي حنقوله نعيده تاني؟! يا أخي بقولك أنا قريت كل الكتب اللي أصدرها. 

 

 س- فما رأي سيادتكم في المضمون الفكري لهذه الكتب؟

ج- لأ دي حاجة ميكفيهاش ساعات وساعات. أرجو أن يكون كلامك محدد.

 

س- ما رأي سيادتكم في الجانب التصويري في كتب نجيب محفوظ؟

ج- الله!!! تصوير إيه وبتاع إيه؟ الراجل عاش طول عمره لا يحب التصوير والمصورين ولا يحب الشهرة.

 

س- أنا أقصد يا فندم الصور التي طرحها في كتبه!

ج- أهو إنت قلتها بعضمة لسانك، الرجل طرح الصور، يعني رفضها، يعني مكانش يهمه حكاية الصور دي.

 

س- ما شاء الله، ما شاء الله!!!!، طيب إيه رأي سيادتك في أدائه التعبيري؟

ج- أداء إيه وبتاع إيه إللي أنت جاي تتكلم فيه؟، الراجل قولتلك كان عايش عيشة عادية، يكفي نفسه بنفسه. يعني عمره ما استلف من حد مليم، وليس عليه ديون، تقوم تقول لي الأداء، هو استلف من حد حاجة علشان يؤدي الدين ده؟!!!

 

س- طيب سيادتك هنكون أكثر تحديدًا: سيادتك هل قرأت ثلاثية نجيب محفوظ: السكرية وقصر الشوق وبين القصرين؟.

ج- طبعًا قريتها، واستغربت ليه خلاها ثلاثية، الله!!! ميكملها رباعية وخماسية لغاية ما يوصل للعشرية. بذمتك ده مش يعتبر فايدته أكتر لجيله وللأجيال اللي جايه؟!

 

س- ما شاء الله ما شاء الله!!! يا ليته كان حيًّا لكي يأخذ بنصيحة سيادتكم. سيادتكم تعلم أن بعض قصصه حُول إلى أفلام سينمائية. فما رأيك في هذه الأفلام؟

ج- منهم لله بوظوا قصص الراجل العظيم: أنا شوفت فيلم مأخوذ عن قصة نجيب محفوظ اسمه "السمان والخريف"، شفت الفيلم كله ما لقيتش فيه سمانة واحدة. عندك حاجة تانية شفت فيلم تاني مأخوذ من قصته الكرنك، تصور مفيش أثر واحد من آثار قدماء المصريين في الفيلم كله. 

 

يعني بوظوا قصص الراجل العظيم بتحويلها إلى أفلام سينمائية. ويظهر إن ده طبع في كل السينمائيين في العالم كله.  يعني مرة شفت فيلم أمريكي اسمه "راس بوتين"، قعدت طول الفيلم أدوَّر على الراس بتاعة بوتين، ما لقيتش لا راس ولا بتاع!!

 

س-  ما شاء الله ما شاء الله!!!. كيف نحيي ذكرى نجيب محفوظ؟

ج- والله الحكاية دي تسأل فيها عائلة نجيب محفوظ نفسه.

 

س- أسأل سيادتكم عن تفاعل نجيب محفوظ مع موضوعاته؟

ج- لأ لأ لأ، نجيب محفوظ عاش طول عمره مؤدب، عمره ما انفعل على حد، ولا قل أدبه على أي مخلوق، تقوم تقولي ينفعل ويتفاعل الراجل حتى في كلامه العادي وفي خطبه كان عادي جدًّا لا ينفعل على أحد. تقوم سيادتك جاي تقول لي ينفعل ومينفعلشي؟!!!!!

 

س- طيب سؤال آخر: ماذا بقي من نجيب محفوظ؟

ج- إيه السؤال الغريب الساذج ده؟! الراجل مات، واندفن، وشبع موت، مفضلشي منه حاجة!!

 

س- طيب سؤال آخر: ما الأثر الذي تركه ويتركه نجيب محفوظ في جيلنا والأجيال القادمة؟

ج- (في غضب وهياج) إيه الكلام الفارغ اللي أنت بتقوله ده؟!! أنت مسلم مؤمن بالله؟! أنت يا أخي مش عارف إن الغيب لا يعلمه إلا الله؟!!

 

يعني أنت عايزني أفوت على كل مصري وكل عربي، واسأله: "نجيب محفوظ ساب في نفسك أثر إيه؟". هوَّ أنا فاضي عشان أسأل ده، وأسأل ده؟!!. وأنا مالي يا أخي ومال ساب ولا ماسبشي، لا لا لأ سؤال هايف لذلك أقول لك كفاية بقى ومع السلامة.

 

س- لكن يا فندم.... أصْـل الـ..

ج- (في غضب وهياج) لا أصل.. ولا فصل.. إنت ليه لتات وعجَّان.. زي بتوع "المحظورة"؟؟!!. خلاص كفاية كده.. مع السلامة.

 

***********

 وغادرت قصر الرأس الكبير جدًّا، وأنا أحمد الله سبحانه وتعالى إذ مكنني من الظفر بأغرب تحقيق مع هذا الرأس الكبير، جدًّا، جدًّا، مع ملاحظة أنني سجلت حرفيًّا كل ما نطق به، وكله بالعامية. ورحم الله عمنا سيبويه.

------------

* [email protected]