ما قول محمد علي إبراهيم، وممتاز القط، وأسامة سرايا، ومجدي الدقاق في إعلان الخزي والعار والانتداب الصهيوأمريكي الذي أعلنه مصطفى الفقي ببساطة بالغة حين قال ما معناه إن الرئيس المصري لا بد أن يحظى بالرضى الأمريكي، وعدم الاعتراض الإسرائيلي!!

 

لو قال هذا القول أحد المعارضين، أو أحد رجال "المحظورة" هل كان يمكن أن يسلم من ألسنتهم وشتائمهم التي لا تعرف لياقة أو سياسة في يوم من الأيام؟

 

إن هذا الكلام بهذه الأريحية السياسية من أحد كبار الحكم لا يعني سوى أن مصر تحت الوصاية الصهيوأمريكية، دون تعسف أو شطط، بل إن القول بعكس ذلك هو الاستخفاف بالعقول والألباب!

 

لقد بح صوت المعارضة بالتحذير من الارتماء الكامل، والانبطاح الاستباقي والوقائي والحلزوني والدائري في أوحال الإجرام الصهيوني والاحتلال الأمريكي، غير أن كتبة النظام وسياسييه- إن اعتبرنا أن لدينا سياسة على سبيل الهزار- كانوا دومًا يتحدثون عن السيادة والريادة والدور الإقليمي، والخطوط الحمراء والسوداء.... إلخ هذه الهرطقة التي لم تقنع صغيرًا أو عبيطًا لأن الواقع يكذب كل هذه المزاعم.

 

لقد هاجت الحكومة وماجت، وناحت وطاحت، وتشنجت عندما اعترض الشعب المصري على جدار الخزي والعار الفولاذي، لأن كل ذي عينين وعقل وينتمي إلى جنس البشر، يعلم أن هذا العار المسمى بالجدار في هذا التوقيت لا يخدم إلا دولة المغتصب الصهيوني، مهما ردد المرددون أناشيد السيادة والخط الأحمر والحدود والأمن القومي!

 

قد يعجب البسطاء والطيبون من تقبل النظام الحاكم أقوال الفقي التي تمس رأس النظام، وكذلك التطنيش عن ألفاظ بعض أركان النظام حتى لو بلغ الأمر الشتيمة القذرة أو (سبّ الدين) التي لا تسمع إلا في الدركات السفلى من البيئات التي لم تحظ بشيء من العلم أو الثقافة أو الدين، في حين تقام المآتم وتنصب أسواق الردح والشرشحة والبذاءة بكل ألوانها لأي معارض شريف ينطق بحرف واحد لمصلحة البلد لا لمصلحة الفاسدين- يرجع للاستشهاد والتدليل لمقالات السيد محمد علي إبراهيم عن البرادعي على سبيل المثال- عندما يفضح الصهاينة النظام المصري ويصرون على إهانته وإحراجه؛ لا نجد حمرة الخجل أو الدم تظهر على وجه أي فرد من المنتفعين بالنظام أو الحزب الحاكم.

 

حدث ذلك حين أصرت ليفني أن تعلن الحرب على غزة في مؤتمر القاهرة مع أبو الغيط، وبعدها حين قال أولمرت- باستخفاف ورقاعة- إنه أنهى الحرب نزولاً على رغبة الرئيس المصري، ولا ننسى حين بثت الشاشات الصهيونية صور الأسرى المصريين وهم يعدمون في صحراء سيناء، وأخيرًا تسريب الصحافة الصهيونية خبر الجدار الفولاذي، وقبل ذلك وبعده قتل الجنود المصريين على الحدود في مسلسل مستمر لا نهاية له بسبب الخطأ!!!!

 

دائمًا تخرس الألسنة إذا تعلق الأمر بالصهاينة، وتطول هذه الألسنة وتخرج بذاءتها إذا تعلق الأمر بحماس أو "المحظورة" أو البرادعي أو أي معارض مسكين تخيل أن له حق النطق في مصر المسكينة.

 

لا أحد يعلم السّر في عشق الفساد والتخبط والعشوائية السياسية، ورفض كل مظاهر الإصلاح، وخنق كل صوت حر ينادي به.

 

إلا أن في هذه القصة التي تروى في الفلكلور المصري يكمن السر الخطير الذي قد يستعصي على أكبر المحللين السياسيين أو النفسيين!

 

تقول القصة إن أحد الرجال ماتت زوجته أم ولده، فتزوج بعدها، وكانت زوجته الجديدة كلما طهت له الطعام وقدمته له؛ تحسر على زوجته القديمة وقال في شوق وحنين بلهجته العامية: الله يرحمك يا أم فلان... ما فيش طَعْم للأكل بعد ما أكلت من إيديكي!

 

وكانت الزوجة الجديدة تتفنن في إعداد الطعام وتجميله وتحسينه وتطييبه إلا أن زوجها كان دائم التحنان لطعام زوجته الأولى، والتغني والتحسر على فقده، لعدم استساغته الطعام بعد أن ذاق طعام الزوجة الأولى ولذاذته وطعامته.

 

وهكذا مرت الأيام والزوجة الجديدة لا تدخر وسعًا في عمل أشهى أنواع الطعام، وسؤال كل من لها خبرة بالطعام وطهيه، إلا أن محاولاتها كلها لم تُنسِ زوجها طعام الزوجة الأولى ولا حنينه إليه وشوقه إلى صنع يديها التي افتقدهما!

 

إلى أن كان ذات يوم والزوجة الجديدة مشغولة بالعجين والخبز، والفرن متقدة ناره، والعجين قد خَمُر وارتفع، فنسيت طبيخها، حتى شمت رائحة الطعام وقد احترق، فهرولت تُخفي أثر خيبتها وهي جزعة من سخرية زوجها وتأنيبه لها، إذا حضر ورأى أنها أفسدت الطعام وأحرقته أثناء طهيه.

 

قامت الزوجة بسرعة ووضعت الطعام المحروق تحت "الماجور" أو الطشت الكبير- حسب بعض الروايات التي اختلفت وتباينت في هذه النقطة الحساسة- لتبعده عن عين زوجها قدر الإمكان.

 

ولكن كانت المفاجأة المدوية حين عاد الزوج من عمله آخر اليوم، فإذا به يستنشق هواء البيت باستمتاع غريب ويردد كمن عاد إليه ولده بعد أن فقد الأمل في عودته:
واللا زمان ما فوّحت... وحشني أكلك وريحته الحلوة يا أم فلان!

 

لقد أدركت الزوجة المسكينة أخيرًا وبعد أن أعيتها الحيل أن زوجها الهمام الذواقة قد أدمن الطعام المحروق سيئ الطهي بعد أن تعود عليه من يد زوجته الأولى التي لم تكن تجيد الطهي.

 

ويبدو أن صناع سياستنا قد أدمنوا الخلل والفساد في كل شيء، فلا يمكن أن يستسيغوا طعمًا للإصلاح أو الصواب تمامًا مثل هذا الزوج الذواقة!