أشاد قادة وخبراء وأساتذة جامعات على المكانة البارزة للإمام الشهيد كمجدِّد للفكر الإسلامي في القرن العشرين، كانت له بصماته في إثراء الفكر التربوي السياسي والجهادي والاقتصادي في العصر الحديث.

 

وأجمع المتحدثون خلال اليوم الدراسي الذي نظَّمته حركة "حماس" في خان يونس تحت عنوان "الإمام البنا.. 61 عامًا على الشهادة" على اعتماد حركة المقاومة الإسلامية "حماس" منهجَ الوسطية في السلوك والفكر والتعامل؛ امتدادًا للمنهج الذي اعتمده وأرسى قواعده الإمام الشهيد حسن البنا، واستمده من منهج الإسلام العظيم.

 

تاريخ

 الصورة غير متاحة

 فضيلة الأستاذ الدكتور محمد بديع

   في البداية استعرض فضيلة الأستاذ الدكتور محمد بديع المرشد العام للإخوان المسلمين- في كلمة مسجَّلة خلال المؤتمر الذي حضره عدد كبير من الوزراء والنواب وقادة وأبناء الحركة الإسلامية- جوانب من شخصية الإمام الشهيد ومآثره التي نجح من خلالها بتوفيق الله في تأسيس هذه الجماعة التي استطاعت أن تحقق هذه المكانة العظيمة خلال فترة وجيزة.

 

وأشار إلى قواعد أساسية أرساها البنا وتبنَّاها الإخوان، وأسهمت في قدرتهم على صنع التحولات، مبينًا أن ذلك تمثَّل من خلال الاستعداد للتضحية بالنفس والمال، وصدق النية التي تستوجب المساندة الإلهية؛ بحيث لم يكن ترديد "الموت في سبيل الله أسمى أمانينا" مجرد شعار يتردَّد، إلى جانب التجديد والديناميكية وعدم الجمود.

 

وتوجَّه المرشد العام بالتحية لأهل فلسطين ودعاهم إلى الصبر والثبات، مؤكدًا أن الموعد واللقاء بإذن الله سيكون في القدس إن شاء الله.

 

وأكد الدكتور صلاح البردويل في كلمة حركة "المقاومة الإسلامية "حماس" خلال الجلسة الافتتاحية لليوم الدراسي أن هذا المؤتمر هو خطوةٌ طيبةٌ للتذكير بأصول هذه الشجرة المباركة وجذورها، وتأكيد نهجها الوسطي الذي تسعى بعض النفوس المنغلقة إلى تشويهه أو حرفه عن مساره.

 

وشدَّد على أن التعرف على الذات والوقوف على التاريخ خطوةٌ مهمةٌ جدًّا في طريق تصليب الخطى نحو الهدف العظيم، لافتًا إلى أن الحركة التي تدين بتكوينها الفكري والثقافي والبنيوي لجماعة الإخوان؛ ارتأت إحياء هذا التاريخ العريق وتقديم الصورة الحقيقية لهذه الحركة التي طالما تعرَّضت للظلم والتشويه.

 

وقال: "في هذا اليوم نعبِّر عن اعتزازنا بهذا الإمام وفخرنا بهذا النهج الذي وضعنا على طريق الجهاد والعزة والكرامة"، مبينًا جوانب من أدوار الشهيد في تجديد الفكر الإسلامي في ظل الانغلاق وجمود الأحكام وتراجع الاجتهاد.

 

فكر الامام

وأكد الدكتور مازن هنية المستشار الشرعي لرئيس الوزراء إسماعيل هنية أهمية مكانة الإمام في البنا في إثراء الفكر الإسلامي المعاصر وتجديده، وإرساء قواعد جماعة الإخوان التي ملأت آفاق الدنيا.

 

وطالب بضرورة أن تشهد المرحلة المقبلة التعبير عن هذه الدعوة بتجاوز الذاتية إلى التعبير عنها من خلال الإسلام، بكل ما فيه رحابة وسعة ورحمة.

 

وفي الجلسة الأولى للمؤتمر التي تناولت معالم الفكر الإسلامي لدى الإمام البنا -والتي رأسها الدكتور صالح الرقب- تحدث الدكتور محمود أبو دف أستاذ أصول التربية بالجامعة الإسلامية عن أهمية معالم الفكر التربوي لدى الإمام الشهيد حسن البنا، مشيرًا إلى أهم السمات التي كان يتسم بها الإمام البنا وأقوال العلماء والمفكرين فيه.

 

وأشار إلى أن الشهيد ركَّز على البناء الشامل والمتكامل للشخصية المسلمة، واتباع منهج متميز أصيل في التربية، لافتًا إلى رؤية البنا من تربية المرأة؛ حيث اعتقد وجوب تهذيب خلق المرأة وتربيتها على الفضائل والكمالات النفسانية منذ النشأة، كما أشار إلى مفهومه للوطنية، وقال: "إنه تعامل مع مصطلح "الوطنية" بدرجة عالية من الانفتاح والمرونة، منطلقًا من فهمه الدقيق لمنهاج الإسلام ورؤيته الثاقبة للواقع".

 

ولفت إلى منهجه الفريد في التغيير، وقال إن أول هذه المبادئ هو الإيمان بضرورة تغيير الأنظمة الجاهلية لا ترقيعها، وكذلك التدرج في التغيير، وإن هناك مواصفاتٍ نوعيةً لجيل التغيير، وكذلك استخدامه للقوة المنضبطة في عملية التغيير.

 

معالم الجهاد

 الصورة غير متاحة

د. يونس الأسطل

   وتناول الدكتور يونس الأسطل النائب في "المجلس التشريعي الفلسطيني" معالم الفكر الجهادي عند الإمام البَنَّا، وأنه سبيل العزة والجَنَّة، مبينًا أن ذلك تمثَّل في بنود سبعة، وهي أن القوة شعار الإسلام، وأن اللجوء إلى القوة ضرورة نضطر إليها حين لا تجدي كل الوسائل الأخرى، وأن اللجوء إلى القوة لا يعني الفتك والتخريب، أو النهب والسلب.

 

وأضاف أن من المعالم المهمة أن الجهاد في سبيل الله فرضٌ بالإجماع، وأن له أهدافًا ساميةً، فهو مشروعٌ ضد قوى الاحتلال الخارجي، وضد قوى الطغيان الداخلي؛ لنشر الدعوة الإسلامية، ولتحرير الأرض الإسلامية، ولفرض السلام بالقوة المسلَّحة، مشيرًا إلى أن من أهداف الجهاد في سبيل الله إنقاذ المستضعفين من الرجال والنساء والولدان والأسرى.

 

وأكد أن تحرير فلسطين هو قضية المسلمين الأولى في هذا العصر؛ لأسباب كثيرة، أبرزها المكانة الخاصة للأرض المقدسة في الإسلام، وأن الاحتلال الصهيوني "استيطاني"، لا يمكن اقتلاعه إلا بالقوة، وأن فلسطين هي خط الدفاع الأول عن الأمن القومي لمصر، وأن فلسطين هي همزة الوصل بين شرق العالم العربي والإسلامي وغربه.

 

وأشار الأسطل إلى أن مراتب القوة الواجب إعدادها- كما يراها البنا- هي ثلاثة أنواع: قوة العقيدة والإيمان، وقوة الوحدة والارتباط، وقوة الساعد والسلاح، لافتًا إلى أن البنا غرس روح الجهاد في نفوس الإخوان المسلمين.

 

الفكر السياسي

 الصورة غير متاحة

يحيى العبادسة

   وعرض يحيى عبد العزيز العبادسة النائب في "المجلس التشريعي الفلسطيني" معالم الفكر السياسي لدى الإمام البنا، مؤكدًا أنه (البنا) اهتمَّ بتربية عناصر الإخوان تربيةً سياسيةً تقوم على جملة دعائم، منها: بناء الذات الإخوانية المسيَّسة المتسلِّحة بالمفاهيم والمعتقدات السليمة، والمتسلِّحة بالاتجاهات والعواطف السياسية الإيجابية.

 

وقال إن الشهيد عمل على تقوية الوعي السياسي عند الإخوان، من خلال تقوية الوعي والشعور بوجوب تحرير الأرض الإسلامية من كل سلطان أجنبي، وتقوية الوعي والشعور بالوطنية عند الشخصية الإخوانية، وإيقاظ الوعي والشعور بفرضية إقامة الحكم الإسلامي وضرورته؛ باعتباره فريضةً شرعيةً، وإيقاظ الوعي والشعور بوجوب الوحدة الإسلامية وضرورتها، باعتبارها فريضةً دينيةً وضرورةً دنيويةً، والوعي بالإخوان كحركة تجديد إسلامي ونهضة للشعوب العربية والإسلامية وكحركة وطنية، والوعي بحقيقة الموقف السياسي للإخوان من القضايا السياسية المطروحة في المجتمع العربي، والوعي بالخطر والأطماع الصهيونية على فلسطين، بالإضافة إلى الوعي بضرورة المشاركة الإخوانية في الحياة السياسية العامة.

 

وتحدث النائب العبادسة عن تركيز الإمام البنا على أهمية قيام حكومة إسلامية، تحكِّم الإسلام في حياة الناس الخاصة والعامة، وتقدم حلولاً لمشكلاتهم السياسيةِ والاقتصادية والتربوية، وعلَّق على موقفه من الشورى، وموقفه من الأحزاب.

 

كما تحدث العبادسة عن منهج التغيير عند الإمام حسن البنا، مشيرًا إلى تدرُّج الإمام في ذلك، مبينًا أنه كان يعتمد التدرُّج في الخطوات مع وضوح في الأهداف، مشددًا على أن البنا أنكر استخدام العنف في الصراعات الداخلية.

 

بينما قدَّم الدكتور علاء الرفاتي أستاذ الاقتصاد بالجامعة الإسلامية ورقة عمل حول معالم الفكر الاقتصادي لدى الإمام الشهيد حسن البنا، تحدث خلالها عن البعد الاجتماعي في السياسات الاقتصادية عن الإخوان المسلمين، مشيرًا إلى دور الدولة في المجال الاقتصادي.

 

ولفت الرفاتي إلى اهتمام الإخوان بالمبادئ والسياسات الاقتصادية، التي تتمثل في إيجاب العمل والكسب على كل قادر، ومحاربة موارد الكسب الخبيث وغير الشرعي، وتقليل التفاوت بين مستويات الدخل، وتوفير ما يُعرف بـ"الضمان الاجتماعي".

 

وأوضح الرفاتي أن منهج الإخوان الذي أسَّسه الإمام البنا منع تركُّز الثروة وحظر استغلال النفوذ، مبينًا أن الإمام البنا قدَّم عدة إجراءات اقتصادية لتحقيق مبادئ جماعة الإخوان وأهدافها؛ كإعادة النظر في نظام الملكيات، وتنظيم الضرائب الاجتماعية على أساس تصاعدي، ومحاربة الربا وتحريمه، والقضاء على كل تعامل على أساسه، وتنظيم المصارف تنظيمًا يؤدي إلى هذه الغاية، ونشر ثقافة الإنتاج، وتشجيع الصناعات اليدوية المنزلية، وترشيد الاستهلاك، والتقليل من الكماليات، والاكتفاء بالضرورات، بالإضافة إلى تحسين مستوى دخل الموظفين الصغار برفع مرتباتهم وعلاواتهم، وتقليل مرتبات الموظفين الكبار، والعناية بشئون العمال الفنية والاجتماعية ورفع مستواهم في مختلف النواحي الحيوية.

 

منهج التغيير

وتناولت الجلسة الثانية التي رأسها الدكتور سليمان الغلبان رسائل الإمام ومنهجية التغيير، وتحدث خليل أبو عبد الله عن المنهج الإصلاحي في فكر الإمام الشهيد حسن البنا، مشيرًا إلى أن الإمام البنا رأى أن الإسلام منهجٌ تغييريٌّ يشمل كل جوانب الحياة، بالإضافة إلى أنه اعتمد خطى الإصلاح المؤدية إلى التغيير؛ شريطة موافقة الشرع وموافقة منهجه للإسلام ومنهج الرسول صلى الله عليه وسلم.

 

وأوضح الطرشاوي أن البنا كان يبحث عن عناصر الإصلاح للوصول إلى التغيير الجذري، من خلال البدء في تغيير الفرد الذي هو النواة الأولى والأساسية في بناء الأسرة التي هي نواة المجتمع الصالح؛ مبينًا أنه كان يسعى إلى تكوين الرجل المسلم في تفكيره وعقيدته، وفي خلقه وعاطفته، وفي عمله وتصرفه، مضيفًا أنه كان يسعى بعد ذلك إلى إيجاد البيت المسلم في تفكيره وعقيدته، وفي خلقه وعاطفته، وفي عمله وتصرفه، ثم الشعب المسلم في ذلك كله أيضًا.

 

وأشار إلى فكر البنا في الانطلاق الذاتي والعمل الاجتماعي والولاء لله والدعوة، وكذلك السعة والمرونة في التطبيق، والتدرج في الإصلاح.

 

المؤتمر الخامس

فيما قدَّم المهندس بلال الأغا قراءةً في "رسالة المؤتمر الخامس"، أكد خلالها أهمية وعي القيادة بالطريق لإرشاد الصف وتوجيهه نحو الهدف كلما انحرفت البوصلة، مبينًا طبيعة الخطاب البارع الذي استخدمه الإمام البنا في صياغة الرسالة ولغة الخطاب؛ بما يتلاءم مع المرحلة الزمنية للمؤتمر الخامس.

 

وعرض محمد سليمان الفرا المحاضر بقسم الشريعة الإسلامية بكلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية بغزة ورقة عمل حول كيفية قراءة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا، مشددًا على ضرورة القراءة المحيطة بالفكرة، والتراكمية، والواعية، مشيرًا إلى أن أهمَّ إشكاليات القراءة التحيُّز المسبق، وعدم الربط بين النصوص.