كأنها واحدة من الدول العظمى في العالم، ترشقها الولايات المتحدة الأمريكية صباح مساء بالقوانين والأنظمة الدولية المفصَّلة والجاهزة؛ لخدمةِ الأهداف الصهيونية.. تقف قناة "الأقصى" الفضائية من جديدٍ في مواجهتها للصلف الأمريكي.. هذه المرة جاء الخطاب الأمريكي عبر تجميد أرصدة مالية زعمت أمريكا أنها لقناة "الأقصى" على أراضيها!.

 

يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تُشبع غرورها بتدخلها السافر والفظّ في الشئون الداخلية للدول العربية، بكافة أحجامها واتساع رقعتها، لدرجةٍ أنها باتت تطالبهم بوقف هجوم وسائل الإعلام العربية على جرائم أمريكا وانحيازها المطلق والأعمى للاحتلال الصهيوني في فلسطين، وبخاصة إعلام المقاومة في فلسطين، والذي تمثله- وبكلِ شرفٍ- قناة "الأقصى" الفضائية، بل وثمَّت تهديدات أمريكية تواكب هذا الطلب.

 

يحثُّ القرار الأمريكي- الذي يحمل رقم 1308- الحكوماتِ "في جميع أنحاء الشرق الأوسط وحلفاء الولايات المتحدة والدول المسئولة الأخرى"؛ على "توجيه إدانة رسمية وعلنية للمسئولين عن التحريض على العنف ضد الأمريكيين والولايات المتحدة".

 

ويشير بشكل خاص إلى القمر الصناعي المصري "نايل سات"، والقمر الصناعي العربي "عرب سات"، هذا في حال التحريض على العنف، لكنَّ السؤال المطروح هنا: بماذا يعاقَب مرتكبُ العنف نفسه؟!

 

إن وجود مئات الآلاف من المحتلين الأمريكيين في العراق وأفغانستان، ومن قبلهما في الصومال ولبنان، كرجال مخابراتٍ، وجنودٍ، ومرتزقة، لهو الإرهاب بعينه، وإن الدعم الأمريكي الأعمى والصارخ للاحتلال الصهيوني في فلسطين على مدى ستين عامًا- على ما فيه من قتل وتشريد ودمار، لمئات الآلاف من الفلسطينيين وتوفير الغطاء اللازم لهؤلاء الصهاينة لكي ينعموا في أرضنا، ومن ثم إظهارهم دومًا على أنهم الضحية وخصمهم الجلاد- لهو الظلم والقهر الذي لا يعادله معادل.

 

ثم وبعد هذا لا تريد أمريكا ومعها ربيبتها "إسرائيل" أن يكون للمظلومين لسانٌ يتحدثون به، أو صوتٌ يسمعونه للناس، فجاءت القرارات الأمريكية بحق فضائية الأقصى تباعًا، في استخفافٍ بالعقول وتنطُّع وتزييف للحقائق، بل وصلت (الوقاحة) بالنواب الأمريكيين إلى حدِّ إلزام الرئيس الأمريكي بتقديم تقرير سنوي شامل حول التحريض ضد أمريكا في الشرق الأوسط!.

 

أشبعتنا- وما زالت- الولايات المتحدة الأمريكية بادِّعاءاتها المتكررة بأنها منبعُ الديمقراطية في العالم، بل وأوهمت الواهمين من العرب بذلك، في المقابل ينبري وزير الخزانة الأمريكية "تيموثي جيثنر" بنفسه ليجمِّد أرصدةً زعم أنها تابعة لقناة "الأقصى"، وهنا تحديدًا تظهر درجة "الإسفاف والخنوع" التي وصلتها أمريكا، من خلال تنفيذ المطالب الصهيونية بحذافيرها، فماذا يضير أمريكا وجود قناة إعلامية مهنية كقناة "الأقصى"!.

 

بات واضح أن الخطاب الذي تبثُّه قناة "الأقصى" لم يعد يقتصر على نطاقٍ محدود من الناس أو الدول، بل أصبح مدرسةً إعلاميةً عظيمةً، يتعلم منها الآخرون فنون مقاومةِ الشعوب لمحتليها، بالرغم مما يوصف ذلك من "إرهاب"، و"عنف" و"تخلُّف"، وتعي قناة الأقصى أن الثمن مقابل تغيير وتبديل هذه المفاهيم الغربية والصهيوأمريكية سيكون غاليًا وكبيرًا، لكنْ كلما عظم الثمن تجلَّت الغاية وعظم معها الثمن المستوفى.