نعم قصتنا قصيرة جدًّا.

بل يمكننا القول إنها قصيرة قصيرة قصيرة جدًّا جدًّا جدًّا.

فهي أقصر مما تتخيّل، و"أخيل مما تتقصّر"!

فمدتها لا تتعدَّى ثلاثين عامًا بعد.

مع أن سمسم عمره يناهز سبعة آلاف سنة؛ فهو من عمر وادي النيل.

 

كان سمسم وما زال حارسًا لكنوز الوادي العامر، ولا نستطيع القول إن كان أمينًا أو أمينة، ولكننا نقول بملئ الفم والبلعوم إنه كان مطيعًا لأوامر سيده المأمور.

لم يعرف أحد إلى الآن مَن الذي يأمر سيد سمسم.

 

ولكن الراسخ منذ بدء الخليقة، ومنذ إعلان حالة الطوارئ لأول مرة في عهد (سوطْبِخ الثالث)، أن سيد سمسم تأتيه الأوامر العليا، رغم براءة الفرعون الأعظم سوطبخ الثالث من الأوامر التي تتعارض مع حرية شعبه وكرامته وحضارة الوادي المقدس!.

 

استمر "سمسم" ينفذ أوامر سيده المأمور دون سؤال أو استفسار؛ فسمسم حارس مطيع لا يعرف إلا تنفيذ الأوامر بكل دقة وانضباط دستوري دقيق وحنطة!

 

وهكذا.. يقول له المأمور: افتح يااااسمسم!.

فورًا يفتح سمسم.

فتدفق أنهار العطايا والكنوز من كل شكل وكل لون، فترى الذهب، واللؤلؤ، والمرجان، ولا تملك إلا أن تهتف: أحمدك يارب.

وإذا صاح المأمور: اقفل يااااسمسم!.

فورًا يقفل سمسم.

فلا ترى إلا الجدب، والقحط، والجفاف، والهزال، والبوار.

ومضت السنون وراء السنين.

وعام وراء عام.

وقرن بعده قرون.

ولكن ما زال سمسم مطيعًا لسيده المأمور.

 

وما زال المأمور يلقي أوامره إلى سمسم دون أن يعرف أحد مصدر هذه الأوامر، ولا من ذا الذي يقف وراءها.

ينادي المأمور: افتح يااااسمسم!.

فيفتح سمسم الحدود تنهمر منها شلالات الأعداء محملةً بالجواسيس والمخدرات.

يزمجر المأمور: اقفل يااااسمسم!.

يقفل سمسم؛ فلا يجد الشباب وظيفةً أو عملاً يقتاتون به (عيش حاف)، ويحاول الهروب شمالاً فيغرقه سمسم في البحر عقابًا سمسميًّا على تذمره ومحاولته الهروب من قبضة سمسم.

يصيح المأمور: افتح يااااسمسم!.

يفتح سمسم؛ فتدفق المليارات بين أيدي كل مَن يرضى عنه المأمور، ويهتفون فرحًا ودهشة: عبارات.. أراضي.. حصانات.. شركات مخصخصة.. فساد للـ"ركب".. محسوبيات.. أحكام قضائية لا تنفذ.. أصفار في الرياضة والتعليم والسياسة والمخلل والطرشي.. أحمدك يااااااااارب.

يزمجر المأمور: اقفل يااااسمسم!.

فورًا يقفل سمسم.

 

فلا يجد الناس سوى الطوارئ، سنة وراء سنة، ومَن أطال الله في عمره سينتظر حتى يتذكر سمسم ويلغي هذه الطوارئ، فالمعروف أن يوم سمسم بمائة سنة من أيامنا نحن الـ"بني آدميين".

 

ومع مرور الأيام شَعَرَ بعض المحسنين أن المأمور يجهد نفسه من أجل الوادي، ومن أجل راحة ساكني الوادي.

 

فتطوَّع بعض رجال المأمور بتقديم العون والمساعدة لوجه الله سبحانه وتعالى، ومن أجل رخاء وتقدم الوادي.

 

فأسرُّوا للمأمور أن قليلاً من الحرية تلجم ألسنة المحرضين والقوَّالين.

 

فنادى المأمور: افتح يااااسمسم!.

ففتح أبواب المحاكمات العسكرية ومصادرة أموال الشرفاء، ولم ينس سمسم في غمرة مشاغله السمسمية أن يفتح أنابيب الغاز في اتجاه العدو، مع بناء جدار فولاذي لحمايتهم من عين الحسود والحاقد والمعترض على نعم الله وفضله، الذي يغدقه على مَن يشاء من عباده دون سبب.

 

فقالوا للمأمور إن هامش الحرية يجب أن نُحافظ عليه حتى لا يهرب أو يتسرب، كتلاميذ التعليم الإلزامي.

 

فعلى الفور هتف المأمور: اقفل يااااسمسم!.

فقفل سمسم أبواب الرحمة، فصارت اللحمة بسبعين جنيه، والطماطم بعشرة جنيهات.

فوسوسوا إلى المأمور أن الوادي يحتاج إلى مزيدٍ من الديمقراطية، كضرب المتظاهرين بالرصاص الحي.

فنادى المأمور: افتح يااااسمسم!.

ففتح سمسم صفحات البرديات القومية لكل مَن يتطاول على الـ"محظورة" والمعارضة بالزور والبهتان.

فقالوا للمأمور: إن جرعات الحرية تحتاج إلى دعم قوي من سمسم.

فقال المأمور: اقفل يااااسمسم!.

فورًا قفل سمسم القنوات الدينية، والبث المباشر، والرسائل الإخبارية.

لم يكتف المتطوعون بكل ما سبق، فهناك رغبة سمسمية عارمة تجتاح البشر أمثال هؤلاء، لا يسبر غورها ولا يدرك كنهها إلا كل مُسمسمٍ محظوظ.

 

لقد تسبَّب سمسم والمأمور في ظهور طبقة متطفلة تحيا في الوادي، تتمتع بصفات نادرة؛ فهي لا تحب ضوء الشمس الذي يؤذي أبصارها ويصيبها بالعمى، فلا تخرج ولا ترتع إلا في ظلمات الليل حالكة السواد.

 

وما زال البحث جاريًا على قدمٍ وساق، ويدٍ وذراع لمعرفة مصدر الأوامر التي يمليها المأمور على سمسم؛ على الرغم من تيقن الجميع بعدم جدوى هذا البحث.

 

ولكن مع اقتراب الانتخابات في عموم الوادي تضطرم النوازع السمسمية داخل أفئدة أحباب المأمور وحوارييه، ويتسابقون في إظهار سمسميتهم وولائهم لجناب المأمور.

 

فيخرج مَن يطالب بإغلاق المواقع الإخبارية الإلكترونية ببجاحة سمسمية منقطعة النظير ومنقطعة النَفَس!

 

فلا يعقل أن نترك سمسم بدون عمل بعد ما قدَّم من خدمات جليلة للوادي عبر آلاف السنين!.