كثيرة هي تلك المشكلات التي يتعرض لها كلا الزوجين، خاصةً في بداية حياتهما حتى يستطيع كل طرف فهم الآخر والاعتياد على طباعه وتفهم شخصيته، ويكون قادرًا على تحليل سلوكه ومعرفة دوافعه تجاه أي تصرفٍ ربما يرفضه منه.

 

وهذا الفهم المطلوب لا يحدث هكذا اعتباطًا، وإنما وراءه جهد جهيد ومحاولات عدة للتحدث والاستماع إلى الطرف الآخر حتى يصل لما يريد من معرفة تساعد كلاهما على اجتياز أي مشكلات طارئة بينهما قد تحدث مستقبلاً.

 

ولأنني أحب بنات جنسي ودائمًا انحاز إليهن خوفًا عليهن من غضب الجبار أولاً ثم رغبة أكيدة مني في أن تنال كل واحدة حظها من السعادة في بيتها بالحب والتفاهم والدفء والعطاء غير المشروط، فقد آثرتها بالكلام والنصح بحثًا عن حقِّها المهضوم والذي خدعوها بالمطالبة به كثيرًا، بينما هي في الحقيقة لم تكن تطلب سوى ضياعها كامرأة وحقها كإنسانة كاملة الإنسانية لها مهمة خلقها الله من أجلها وفضلها بها على الرجال.

 

خدعوها باسم الحقوق وما هي إلا مهاترات كي يستمتعوا بها كدمية وسلعة يتكسبون من ورائها.

 

آثرت أن أوجه حديثي إلى المرأة على اعتبار أنها مخلوق رائع، خلقه الله عز وجل كي يقوم بأسمى وظيفة على الأرض، تتعامل مع هذه الوظيفة السامية مع البشر، مع النفوس الإنسانية كي تدفعها وتقومها وتحافظ عليها، كي تقوم تلك النفوس التي أعدتها المرأة إعدادًا مناسبًا كي تبني وتعمر الأرض وتبني الحضارات، وعلى قدر ما تبذله المرأة من جهدٍ في عملية التربية والعطاء بقدر ما تتقدم البشرية وتنهض.

 

عن أسماء بنت يزيد الأنصارية أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه فقالت بأبي أنت وأمي إني وافدة النساء إليك واعلم- نفسي لك الفداء- أما إنه ما من امرأة كائنة في شرق ولا في غرب سمعت بمخرجي هذا أو لم تسمع إلا وهي على مثل رأيي، إن الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء فآمنا بك وبالإهك الذي أرسلك، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات قواعد بيوتكم ومقضي شهواتكم وحاملات أولادكم، وأنكم معاشر الرجال فُضلتم علينا بالجمع والجماعات، وعيادة المرض وشهود الجنائز، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك كله الجهاد في سبيل الله، وإن الرجل منكم إذا خرج حاجًّا أو معتمرًّا ومرابطًا حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا لكم أثوابكم، وربينا لكم أولادكم فما نشارككم في الأجر.

 

قال: فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بوجهه كله ثم قال: هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مسألتها في أمر دينها من هذه؟

 

فقالوا: يا رسول الله ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا.

 

فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليها ثم قال لها "انصرفي أيتها المرأة واعلمي من خلفك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها وطلبها مرضاته واتبعاها موافقته تعدل ذلك كله". قال: فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر استبشارًا".

 

والحديث وإن كان به ضعف فقد قوته أحاديث أخري صحيحة تحدد هوية المرأة ووظيفتها في الحياة، وحتى لا يؤخذ عليَّ ويُفهم من كلامي ما لم أقصده من الحجر على المرأة في تقلُّد المناصب والمهام وتلقى أعلى درجات العلم والعمل العام في الوقت الذي يحتاج إليها الوطن فيه في حمل مشروعات النهضة والبناء والتقدم أحدد كلامي في إطار الوظيفة الأساسية والهوية الحقيقية التي تتناسب مع الفطرة الإنسانية التي خلقها الله عليها.

 

وهذا لا ينفي أبدًا أن تقوم المرأة بالدور المطلوب منها خارج بيتها وداخله طالما المجتمع في حاجةٍ إلى مجهودها والإسلام في حاجةٍ إلى جهادها شرط أن تحاول التوفيق والتوازن بين كل ما هو مطلوب منها في حياتها.

 

وحقك يا أختي لأنني أحبك وأميل إليك بطبيعة أنني مثلك، حقك وليس واجبك هو أن تسعدي زوجك على اعتبار أنه عبادة تتقربين بها إلى الله، إذا عدنا إلى الحديث الشريف "حسن تبعل إحداكن لزوجها تعدل ذلك كله". حسن التبعل يعدل صلاة الجماعة في المسجد كل فريضة، يعدل حضور الجمع، يعدل زيارة المريض، يعدل الجهاد في سبيل الله، يعدل جملة كل ما سبق، فالمرأة الواعية هي في محراب عبادة مفتوح في بيتها ليل نهار، تسقي الحب وتستقيه، تعطي الدفء وتعيشه، تدفع للخير وتفعله، تنتظر الزوج المهموم لتحمل عنه بنظرة حانية ولمسة دافئة وقلب مفتوح وعقل واعٍ يعرف متى تقترب ومتى تبتعد.

 

إذا مرض فهي الأم الحانية الساهرة، وإذا غاب فهي المحبة الملهوفة، وإذا اقترب فهي الصديقة والحبيبة، وإذا غضب فهي التي لا تهدأ ولا تنام إلا إذا رضي، حتى لو كان لها الحق، إنه رضا الله، إنها الجنة التي تبتغيها، إنه ثمن ضئيل في سبيل أجر عظيم وسلعة غالية "ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة".

 

فإذا كان لا يستحق فأنت تستحقين، تستحقين الجنة ورضا ربك بمحراب عبادة فتحه الله لك بلا حساب وبلا شروط وبأجر مفتوح يعادل كل عبادات الرجال، محراب بيت يسكنه زوج هو جنتك أو نارك.