كي يفعل الديكتاتور ما يشاء من قتل ونهب وفساد فهو لا يريد أن تتسلط عليه الأضواء تفضح ما يفعله، وبعدما اشترى وسيطر الانقلاب على الصحف والفضائيات المصرية تصور أنه بات آمنا في الظلام، ولكن فضح الصحف الأجنبية ما يفعله عرَّاه وكشف سوءاته، فبدأ يسعى لتقييد عمل المراسلين الأجانب في مصر.

القصة باختصار هي سعي سلطة الانقلاب لتركيع واستهداف الإعلام الأجنبي بعدما أصبح هو النافذة الأخيرة للحصول على المعلومات وفضح ممارسات الانقلاب والديكتاتور، لهذا ترتكز السياسة الحالية على شل قدرة الإعلام الأجنبي في مصر وتطويعه على غرار ما فعلوا مع الإعلام المصري.

إذ تمثل وسائل الإعلام الأجنبية الناطقة بالعربية والإنجليزية المترجمة مصدرًا للمعلومات يمكن للجمهور المصري الاستفادة منه، ولا تملك سلطة الانقلاب القدرة على رقابته وتوجيه الرسائل السياسية من خلاله، على النقيض من وضع الإعلام المحلي، لهذا تسعى لقمعها.

لرصد هذا القمع أصدرت مؤسسة "حرية الفكر والتعبير" تقريرا يبين خطة تنفذها سلطات الانقلاب منذ أعوام للتضيق على المراسلين عبر الترهيب والتهديد والمنع من دخول البلاد والترحيل.

حيث يؤكد التقرير وجود حالة من التضييق المستمر على الإعلام الأجنبي، تشمل: ترحيل مراسلين أجانب من مصر، أو منعهم من الدخول، وإطلاق حملات تشويه ضدهم في الإعلام المحلي، بغرض إظهار الإعلام الأجنبي على أنه يلعب دورًا في مؤامرة على أمن نظام الانقلاب واستقراره.

ويرصد التقرير الدور الذي تقوم به الهيئة العامة للاستعلامات منذ تولي ضياء رشوان إياها عام 2018، كأحد أهم أدوات السلطة الانقلابية في الضغط على وسائل الإعلام الأجنبية بمصر، بعد صلاحيات واسعة منحت لها بموجب قانون تنظيم الصحافة الذي أصدره قائد الانقلاب عام 2018.

ويؤكد أن هيئة الاستعلامات، التي تتبع قيادة الانقلاب، اصبحت تسعى بشكل متزايد للتحكم في عمل الصحفيين الأجانب، سواء عبر التضييق على إعطائهم كارنيهات وتصاريح العمل أو محاسبتهم على ما ينشرونه وتهديدهم، وترحيل بعضهم بالفعل.

ضياء رشوان حولها إلى جهة عقابية

الدور الرئيسي لهيئة الاستعلامات كان مد المراسلين الأجانب بتقارير ومنشورات رسمية، ولكن منذ تولّي ضياء رشوان رئاسة الهيئة بتنسيق مع جهات استخبارية وأمنية صاغ سياسة جديدة لهيئة الاستعلامات، حولتها إلى جهة رسمية للضغط على الإعلام الأجنبي، بالتعاون مع جهات سيادية، وتم الدفع به نقيبًا للصحفيين كتقدير لجهوده في التضييق على الإعلام الأجنبي في مصر.

ومنذ تولي رشوان رئاسة الهيئة أصبحت تقوم بترهيب الصحفيين الأجانب وتلوح لهم بتهديدات بطرق غير معلنة وتتهمهم بالعداء لمصر وتقويض الاستقرار، وتسعى لإجبارهم على نشر تقارير تلمع صورة سلطة الانقلاب.

7  صحفيين أجانب يشتكون

رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير العديد من شكاوى الصحفيين الأجانب من التعنت والمراقبة والتهديدات لهم، في سياق تقرير حقوقي اعتمد على مقابلات مع سبعة صحفيين أجانب، بشكل مباشر، أو عبر البريد الإلكتروني، أكدوا خلالها أن هيئة الاستعلامات تقوم بمتابعة المواد التي تنشرها وسائل الإعلام الأجنبية عن مصر وإعداد تقارير عن ذلك ترسلها لجهات أخرى في الدولة.

المراسلون الأجانب أكدوا أن هناك تهديدًا مستمرًّا لهم ومحاولات لتطفيشهم من العمل في مصر تارة عبر تعطيل إصدار تصاريح ممارسة العمل الصحفي للصحفيين الأجانب عن طريق هيئة الاستعلامات وتارة بالتهديد والاستدعاء للهيئة وتعنيفهم لكتابتهم تقارير لا تعجب سلطة الانقلاب ومطالبهم بحذف أخبار او نفيها!

فقد روي صحفي يدعي "هنري" كيف يقوم مسئولو هيئة الاستعلامات بتهديد الصحفيين الأجانب وتحدث ضياء رشوان معهم معهم كأنه مدرس يوجه حديثه لتلميذ، قائلا: "هناك صحفيون أجانب لا يعملون بشكل مهني" وبقصد تخويفي وتهديدي.

وكشف "عادل" – وهو اسم مستعار لمراسل أجنبي -أن جهات سيادية كانت تتصل بمكاتب وسائل إعلام أجنبية وصحفييها وتقوم بالسؤال عن مصادر التغطيات المرتبطة بالهجمات الإرهابية وكيف حصلنا على معلومات في قضايا محددة، وأسئلة وتهديدات، وتقول انه سيتم نفي ما نشر، وسيضعنا ذلك تحت طائلة القانون.

وأكد أنه "منذ تولي ضياء رشوان لرئاسة الهيئة العامة للاستعلامات في يونيو 2017 بدا أن هناك تغييرًا يحدث في دورها وكأنه يراد أن تكون جهة تنفيذية يديرها مسئول مدني هي التي تمارس الضغوط على وسائل الإعلام الأجنبية".

وقال هنري إن هيئة الاستعلامات تؤخر التصاريح، ويقولون لهم: "بسبب مشكلة مع أجهزة الأمن، ما يعني أن الهيئة ترسل بيانات الصحفيين الأجانب للأجهزة اﻷمنية، وتنتظر وصول موافقة منها على منح التصريح السنوي".

وقالت الصحفية "ربيكا": إنه "من بعد 2013 تزايد دور الهيئة العامة للاستعلامات في مراقبة المعلومات التي ننشرها وتعلق على عملنا، عن طريق إصدار بيانات عن التقارير التي لا تعجبها وباتت "أكثر عدوانية وضجيجا".

وكشفت الصحافية كارولين عن أن رئيس الهيئة العامة للاستعلامات يقوم بالاتصال بالمراسلين الأجانب وسؤالهم عن مضمون أخبار وتغطيات قاموا بها، مثل تغطيهم لانتخابات الرئاسة.

وتحدثت "كارولين" عن تدخل الأجهزة الأمنية يتم من خلال التواصل مع المديرين المسئولين عن الإعلام الأجنبية، و"هيئة الاستعلامات تتصل بي باستمرار يسألوني عن تقارير نشرتها وهي مجرد واجهة لجهات أمنية لا نعرفها على وجه التحديد".

وأوضحت كارولين أن الصحفيين المصريين ممن يعملون في وسائل إعلام أجنبية يتعرضون لاحتمالات أكثر خطورة من نظرائهم الأجانب، وهناك استهداف لهم، ويسهل تهديدهم بالسجن، عكس الأجانب الذين يواجهون الترحيل كأقصى رد فعل.

وذكر الصحفي "يوسف" – اسم مراسل مستعار -: "هيئة الاستعلامات تحولت إلى هيئة رقابية تصدر بيانات عن أداء وسائل الإعلام الأجنبي، وتحدد لها ما هو مسموح وما هو ممنوع".

وبدأت مصر حملة التضييق على الصحفيين الأجانب عقب نشرهم تقارير نقلا عن مواقع تواصل سيناوية تؤكد مقتل قرابة 60 – 100 جندي مصري خلال هجمات قام بها مسلحون في يوليه 2015، بينما أكدت مصر مقتل 21 فقط.

ودشنت سلطة الانقلاب 5 مواد جديدة في قانون الإرهاب تسجن الصحفي الذي ينشر بيانات ومعلومات تخالف المعلومات التي يعلنها الجيش والحكومة، بخلاف مواد أخري تسجنه 5 سنوات لأسباب فضفاضة، غادر بعده مراسلين أجانب مصر.

لا تحاول العمل مراسلا من مصر!

وقد وصل الأمر بصحفيين أجانب للكتابة: "لا تحاول أن تعمل مراسلا لأي صحيفة أجنبية من مصر، وإلا فستواجه بسلسلة من المضايقات والقيود المفروضة على الصحافة، وقد تفاجأ بأنك متهم في قضية لا ناقة لا ولا جمل فيها أو على الأقل يتنصت عليك أمن السيسي، أو يطلقون عليك هيئة استعلامات ضياء رشوان وينتهي الأمر بك للترحيل من مصر أو اتهامك بانه مُمول من الإخوان!!".

ولخصت الصحفية "كريستين شيك"، ما أسمتها "مخاطر العمل كصحفي في مصر" في تقرير نشرته بدورها بموقع مجلة فورين بوليسي بعنوان "العمل مراسلا في مصر هو أخطر مهمة في مهنة الصحافة"، قائلة: لمجرد أنك تنوي الكتابة عن الحقيقة حول حملة القمع التي يشنها نظام المجرم عبد الفتاح السيسي، الذي انقلب عسكريا على الرئيس المنتخب محمد مرسي، عليك أن تتوقع أن تجد نفسك مدانا بالسجن مدى الحياة.

لذلك هرب عشرات الصحفيين الاجانب العاملين في مصر من بطش السلطة لأنهم كتبوا تقارير تفضح انتهاكات وجرائم سلطة الانقلاب، أو قبض عليهم ضباط أمن الدولة وقاموا بترحيلهم على أقرب طائرة أو منعهم من دخول مصر من أصله. 

من هؤلاء الصحفي ومراسل صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية "ديفيد كيركباتريك" الذي احتجزته سلطات الانقلاب في مطار القاهرة 7 ساعات واستولت على هاتفه ثم رفضت دخول مصر وأعادته إلى لندن!

أما لماذا تم منع كيركباتريك فلأنه كان مدير مكتب “نيويورك تايمز” في القاهرة في الفترة من 2011 وحتى 2015، وهو مؤلف كتاب صدر مؤخرا حول مصر بعنوان "في أيدي العسكر" الذي يفضح خفايا انقلاب السيسي والدور الأمريكي وأغضب العسكر.

أيضا ديفيد كيركباتريك مراسل نيويورك تايمز، هو الذي نشر تقرير التسريبات المصرية حول القدس، والتي كانت بين ضابط مخابرات مصري يدعى "أشرف الخولي" وعدد من الإعلاميين والفنانين المصريين لتوجيههم في قضايا معينة.

ونشر كيركباتريك في وقت سابق فضيحة تسريب تسجيلات لكيفية تلقين المخابرات الحربية المصرية مذيعي الانقلاب كيفية تناول قضية القدس وترسيخ أنها عاصمة للكيان الصهيوني في وجدان المصريين، ويكفي الفلسطينيين رام الله كعاصمة لهم(!)، وكشف أيضا عن امتلاك صحيفته تسجيلات صوتية أخري تبين كيف أجبروا أحمد شفيق على التنازل عن الترشح للرئاسة أمام السيسي 2018 بالتهديد.

وفي مارس 2018، أبعدت سلطة الانقلاب مراسلة صحيفة التايمز بلندن "بل ترو" وأجبروها على الصعود إلى طائرة للندن، كما منعوا الباحثة في معهد كارنيجي "مشيل دن" من دخول مصر وأعادوها إلى أمريكا.

وكتبت الصحفية "بيل ترو" تقول إنه تم اعتقالها واحتجازها 7 ساعات في مركز أمني وتهديدها بمحاكمة عسكرية ما لم تغادر مصر بدون حتى أن يسمح لها بأخذ ملابسها.

وأوضحت أن ذلك حدث بسبب قيامها بإعداد تقرير عن الشباب المصري الذي يهاجر ويغرق في البحر، وإبلاغ "مخبر" كان يجلس على مقهى كانت تحاور فيه قريب أحد الشباب الغرقى، السلطات، كذبا، أنها تكتب عن الانتخابات والقمع وأوضاع السجون وتشوه صورة مصر.

وقبل "ترو" شنت هيئة الاستعلامات الحكومية لصاحبها ضياء رشوان حملة قمع وتهديد شرسة ضد "بي بي سي" بسبب تقرير عرضته القناة البريطانية حول التعذيب في مصر والاختفاء القسري، وتناول ما تعرضت له فتاة تدعى "زبيدة" من تعذيب داخل مصر.

وحين أحرجت مراسلة BBC في القاهرة، صفاء فيصل، السيسي خلال لقائه مع المراسلين الأجانب نوفمبر 2018 وسألته: كيف يروج في منتدى الشباب لثقافة الاختلاف والتنوع في حين أنه لا يوجد سوى صوت واحد في الإعلام المصري؟ وكيف يمارس الإعلام دوره إلا في ظل القوانين الأخيرة التي تحوي الكثير من المنع والتقييد؟ حاول السيسي التهرب من الإجابة باتهام الإعلام الأجنبي أنه "يعالج القضايا بعيون غربية تناسب المجتمعات التي يبث منها وأن الظروف التي تمر بها مصر مختلفة!!.

وجاءت إجابات السيسي لتكشف ما هو معروف من أن مصر ليس بها "إعلام الصوت الواحد"، وأنه ممنوع منعا باتا نقد هذا الصوت الواحد (قائد الانقلاب) وإلا وُصف من يفعل هذا "بالخيانة والسعي لإسقاط البلد وتشويه الإنجازات".

وقال لها قائد الانقلاب بوضوح: إنه لا يريد أن ينتقده الإعلام، ويخشى الإعلام الحر أو السماح بأي نسبة لحرية الإعلام؛ لأن انتقاد الإعلام لمبارك سابقا تسبب في ثورة شعبية يزعم أنها لم تحقق شيئا (لأنه انقلب عليها وأضاع أهدافها).

وقال ريكارد جونزاليس (36 عاما) وهو مراسل «الباييس» في مصر منذ 2011 وكذلك صحيفة «لا ناسيون» الأرجنتينية، إنه غادر مصر بسبب "خطر الاعتقال الوشيك".

وفي أغسطس 2016 قالت مراسلة إذاعة "إن بي آر" الأمريكية أنها غادرت مصر خوفًا، وكتبت المراسلة "ليلى فاضل" التي تحمل الجنسيتين اللبنانية والأمريكية، في 26 أغسطس الماضي عبر حسابها على تويتر تقول: "أغادر القاهرة بعد أن مكثت هنا حوالي 6 سنوات، قطعت تذكرة ذهاب بلا عودة، سأفتقدكم".

وأضافت: "لم تعد هنالك خطوط حمراء وهناك حكومة ودولة تبدو مصابة بقدر هائل من جنون العظمة، ولا يمكن التنبؤ بما يمكن أن تفعله".

ولخصت الصحفية "كريستين شيك"، ما أسمتها "مخاطر العمل كصحفي في مصر" في تقرير نشرته بدورها بموقع مجلة فورين بوليسي بعنوان "العمل مراسلا في مصر هو أخطر مهمة في مهنة الصحافة".

كذلك روي "روجر ماكشين" رئيس مكتب مجلة الإيكونومست في القاهرة، في مقال بعنوان: "مشكلة العلاقات العامة في مصر" نشره بمجلة 1843 التابعة للصحيفة، تفاصيل عن "سوء معاملة السلطات المصرية للصحفيين الأجانب".

وأشار مدير مكتب "الإيكونوميست" الي أنه "يتم منعنا من تغطية الأحداث ويتم وصفنا بالانحياز، وبعد ذلك يتم دعوتنا لحضور كبرى الاحتفالات والمؤتمرات والتي يتم منعنا خلالها من إعداد التقارير ثم يتم اتهامنا بالانحياز!".

وقال مراسل الصحيفة إن "كل الدول الاستبدادية تسعى إلى السيطرة على وسائل الإعلام، ولكن في مصر، التجربة تميل نحو اللامعقول"، مشددا على أن "الأمور في مصر تميل إلى السخف".

وفي أغسطس الماضي 2016، نشرت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية، تحقيقًا تحت عنوان "تخريب مصر"، وردت الخارجية المصرية، على ما نشرته المجلة الاقتصادية الشهيرة، في بيان، على حساب وزارة الخارجية على فيس بوك، تحت عنوان "تخريب الإيكونوميست" اتهمت فيه المجلة بالعمل على "تقويض مصر".

وأزعج مقال الصحيفة البريطانية، الانقلابيون بعد اتهامها السيسي بعدم الكفاءة في إدارة مصر، وتمنت أن يعلن (السيسي) عدم ترشحه في تمثيلية انتخابات 2018 الاخيرة، واصفه إياها بأنها "خطوة إيجابية" لو تمت، وهو ما لم يحدث.

وبسبب القمع الامني لمدير مكتب مجلة "الإيكونوميست" بالقاهرة، كتب يقول: "إن مجرد نشر تقرير به أراء خبير اقتصادي ينتقد سياسة مصر الاقتصادية جعل الحكومة تتعامل معنا كأننا نتعاون مع "الاخوان المسلمين" ضدها!!.

أيضًا كانت قضايا اعتقال مراسلي قناة الجزيرة الإنجليزية ومراسل الجزيرة العربية محمود حسين وهو في زيارة عائلية بعدما أوقف نشاطه، وصدور أحكام على صحفي إسباني وآخر هولندي قبل هروبهم من مصر، هي حديث الميديا الغربية.