قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾(إبراهيم: 5).

يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله: "وكل الأيام أيام الله. ولكن المقصود هنا أن يذكرهم بالأيام التي يبدو فيها للبشر أو لجماعة منهم أمر بارز بالنعمة أو بالنقمة كما في تذكير موسى لقومه. وقد ذكرهم بأيام لهم، وأيام لأقوام نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم. فهذه هي الأيام؛ ففيها ما هو بؤسى فهو آية للصبر، وفيها ما هو نعمى فهو آية للشكر. والصبار الشكور هو الذي يدرك هذه الآيات، ويدرك ما وراءها، ويجد فيها عبرة له وعظة كما يجد فيها تسرية وتذكيرًا" (في ظلال القرآن، بتصرف).

بعد انطواء صفحة العشر الأوائل من ذي الحجة، وقد وفق الله فيها من شاء من عباده إلى العمل الصالح الخالص لوجهه الكريم، وبعد ذهاب يوم عرفة إلى ربه حاملاً معه صيام المتطوعين، ودعوات الملبين، وقد غفر الله ذنوب السنة الماضية والباقية لمن صامه إيمانًا واحتسابًا، وبعد أن رجع كيوم ولدته أمه كل من حج البيت فلم يرفث ولم يفسق.. بعد هذه النفحات العظيمة كلها، يطل علينا عام هجري جديد، يحمل معه نفحة جديدة من نفحات رحمة الله الرحيم الودود، لنستقبل معًا يومًا من أيامه سبحانه، له ذكريات خاصة، ذلك اليوم الذي نجَّى الله تعالى فيه موسى عليه السلام وقومه من العذاب المهين ﴿مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ﴾ (الدخان: 31).

وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصوم يوم عاشوراء، عن سعيد بنِ جُبير عن ابنِ عباسٍ، قال: لما قَدِمَ النبي صلَّى الله عليه وسلم المدينةَ وجد اليهودَ يصومون عاشُوراء، فسُئِلوا عن ذلك، فقالوا: هو اليومُ الذي أظهر الله فيهِ موسى على فِرعونَ، ونحنُ نصومُه تعظيمًا له، فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلم: "نحنُ أولى بموسى مِنْكُم  وأمر بصيامه" (رواه البخاري ومسلم) وعن أَبي مُوسى رضيَ الله عنه قالَ: كانَ يومُ عاشوراءَ تَعُدُّهُ اليهودُ عيدًا وإذا أُناسٌ من اليهود يعظمونَ عاشوراءَ ويصومونَهُ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "نحنُ أَحَقُّ بِصومِهِ، فَصوموهُ أَنْتُمْ" (رواه البخاري). وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: "صُومُوا التَّاسِعَ وَالعَاشِرَ وَخَالِفُوا اليَهُودَ" (رواه الترمذي وصححه الألباني).

نعم.. نحن أولى بموسى منهم؛ لأن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، قال لصاحبه في الغار يوم الهجرة: ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ (التوبة: من الآية 40)، كما قال موسى عليه السلام لبني إسرائيل حين تراءى الجمعان، وظنّ أصحابه أنهم مدركون: ﴿قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ (الشعراء: 62).

نعم.. نحن أولى بموسى منهم لأن أجدادنا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، قالوا يوم بدر: "يَا رَسُولَ اللهِ، امْضِ لِمَا أُمِرْتَ بِهِ فَنَحْنُ مَعَكَ، وَاللهِ لَا نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى: ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا, إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ (المائدة: من الآية 24) وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا, إِنَّا مَعَكُمَا مُقَاتِلُونَ، فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ, لَوْ سِرْتَ بِنَا إِلَى بَرْكِ الْغِمَادِ, لَجَالَدْنَا مَعَكَ مَنْ دُونَهُ حَتَّى تَبْلُغَه" (رواه مسلم). فكانوا حقًّا نعم طليعة القوم؛ فرضي الله عنهم وأرضاهم.

نعم.. نحن أولى بموسى منهم؛ لأننا الأمة الحارسة للأرض المقدسة التي بارك الله فيها وبارك حولها، ونحن أمة الجهاد والرباط في القدس والأقصى. قال صلى الله عليه وسلم: "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: "بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ" (رواه أحمدوصححه الألبانى). فأين ذلك ممن استنفرهم موسى عليه السلام فقالوا: ﴿يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ (المائدة: 24).

لذلك نحن أمة محمد صلى الله عليه وسلم أولى بوعد الله، وأحق بالأرض المقدسة، فليستمسك بحق العودة إلى هذه الأرض من أخرجوا منها ظلمًا وجورًا، والأمة الإسلامية كلها - حكامًا ومحكومين – مطالبة بنصرة هؤلاء، ومقاومة المشروع الصهيوني الذي يستهدف تهويد القدس والأقصى، لا سيما الدعاة والمربون والمصلحون وقادة الفكر والرأي؛ فالمسئولية على عاتقهم كبيرة، والأمانة التي يتصدون لها خطيرة؛ وقد أخذ الله عليهم العهد: ﴿لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾ (آل عمران: من الآية 187).

ولذلك، فإن من واجب كل أب وأم وجد وجدة، أن يقصّوا على أولادهم وأحفادهم كفاح الأجيال في الدفاع عن الأرض المقدسة، وحماية بيت المقدس، منذ أن فتحها عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وحررها صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، وحتى وقتنا الحالي؛ حيث جهاد المرابطين والمرابطات في مواجهة آلة القمع الصهيونية، نسأل الله تعالى أن يربط على قلوبهم ويثبت أقدامهم، ويخذل عدوهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

كما يجب على كل معلم ومعلمة في المدارس والجامعات أن يعلموا طلابهم وطالباتهم تاريخ المصلحين، ومصير الطغاة المستبدين، من أمثال النمروذ وفرعون وهامان. حتى يعلم الجميع أن مصير الحكومات الطاغية، والنظم المستبدة الحالية سيكون نفس مصير أسلافها؛ ينتفشون ثم يذهبون كما تذهب بولة الشاة على أديم الثري كما يقول الشيخ الغزالي رحمه الله.

وعلى وسائل الإعلام الجادة أن تسعى جاهدة لإيجاد إعلام هادف، للترويح عن النفس، وإنتاج مادة إعلامية تبعث الأمل في نفوس شباب الأمة، وتعلي من شأن قيم الإسلام ومُثله، بعيدًا عن الإسفاف والابتذال، وليحذر شباب الأمة من العبث بالأوقات، وعدم استثمارها فيما يعود عليه وعلى أمته بالنفع، فالوقت هو الحياة.

ولنحرص جميعًا أيها الأحباب، على صلة الأرحام، والتواصل والتزاور مع الأهل والأقارب والجيران، وتفقد أحوالهم، ومواساة  المكلوم، وإغاثة الملهوف، ونصرة المظلوم، وإدخال السرور على أسر الشهداء وأصحاب الفضل ممن ضحوا بالغالي والنفيس من أجل حراسة العقيدة وحرية والوطن وكرامة المواطن.

وكما قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللهِ، فَإِنَّ لِلهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ, يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِه" (رواه الطبراني وصححه الألباني).. فهذه النفحات ستصيب من يتعرض لها، أما من غفل عنها فسوف تتجاوزه وتتخطاه، وأبشروا بنصر من الله قريب، والله أكبر ولله الحمد والعزة للإسلام والحرية للوطن.

القائم بعمل فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين

أ.د. محمود عزت
السبت 8 محرم 1441 هـ = ٧ سبتمبر 2019م