على هامش اجتماعات الدورة الــ74 للأمم المتحدة تلقى قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي دعما كبيرا من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي وصف السيسي بــ"القائد العظيم"، وامتد هذا الدعم إلى إعلان ترامب صراحةً دعم استبداد السيسي وطغيانه ضد المظاهرات الشعبية التي انفجرت يوم الجمعة 20 سبتمبر 2019م؛ حيث يقول ترامب: "لست قلقا، في كل الدول هناك احتجاجات حتى أفضل أصدقائي أوباما واجه مظاهرات"، مضيفا: "لست قلقا، مصر فيها زعيم عظيم يحظى باحترام كبير.. قبل أن يصل السيسي إلى هنا (يقصد الحكم) كان هناك "فوضى عارمة".. لست قلقا في المجمل".

في المقابل كانت تصريحات رئيس الانقلاب بالغة الأهمية؛ حيث واصل التحريض ضد الإسلاميين عمومًا، مدعيًا أن المنطقة العربية ستظل تعاني من عدم الاستقرار إذا ظل "الإسلام السياسي" يحاول الوصول إلى الحكم، زاعمًا كذلك أن "الشعب المصري لن يقبل عودة الإسلام السياسي إلى الحكم".

الرسالة الأولى: رئيس الانقلاب يراهن على دعم الخارج مهما كان حجم الغضب الشعبي في الداخل؛ ولذلك نراه حريصًا على هذا اللقاء، والحصول على هذا الدعم الكبير من ترامب، في ظل صراع الأجنحة داخل نظامه الانقلابي، والذي خرج للعلن أول مرة مع فيديوهات الفنان والمقاول محمد علي؛ التي فضح فيها فساد رئيس الانقلاب وزوجته "انتصار" وقادة كبار بالقوات المسلحة، وكيف يتم إهدار مئات المليارات على مشروعات وهمية بلا جدوى، وبناء عشرات القصور والفلل الفارهة للسيسي وأسرته، وأركان عصابة الانقلاب من كبار القادة والجنرالات. فرئيس الانقلاب يدرك أن معادلة تغيير الحكم في مصر مرهونة بتفاعلات الخارج في عواصم كبرى، مثل واشنطن والكيان الصهيوني والرياض وأبوظبي مهما كان حجم الغضب والتفاعلات الداخلية، وهو ما عبّر عنه الدكتور حازم حسني، المتحدث السابق لحملة الفريق سامي عنان، قبل اعتقاله مساء الثلاثاء؛ حيث كتب تغريدة بهذا المعنى يؤكد فيها أن "الإطاحة بالسيسي تبقى خيارا محكوما بتغير الموقف الدولي منه، مهما بلغ مستوى الغضب ضده"، وكان الرئيس الأسبق محمد أنور السادات يقول "إن 99% من أوراق اللعبة بيد أمريكا"، وهو ما يكشف عن حجم النفوذ والسيطرة الأمريكية على صناعة القرار والحكم في مصر بصورة كبيرة وغير متصورة.

الرسالة الثانية: العداء المطلق للمنقلب السيسي تجاه التيار الإسلامي وإصراره على منعه من ممارسة العمل السياسي والتنافس على السلطة وفق أدوات الديمقراطية، رغم أن هذا التيار الواسع يقوم فكره أساسًا على الرهان على الانتخابات والمسار السياسي، وحقق نجاحات كبيرة في ظل الربيع العربي. لكن السيسي استخدم عبارة "الإسلام السياسي"، لأول مرة، وكان من قبل يستخدم عبارة "الحرب على الإرهاب"؛ حيث جاء دره على سؤال صحفي حول المظاهرات ضده بالقول: "هناك الكثير من الجهود التي بُذلت خلال السنوات الماضية للسماح للإسلام السياسي بلعب دور في المنطقة"، مضيفًا: "في ظل الإسلام السياسي وتلك الجهود "ستتأثر المنطقة"، وستظل في حالة من عدم الاستقرار الحقيقي، ما دام هناك إسلام سياسي يسعى للوصول إلى السلطة في بلادنا".

السيسي هنا لا يتحدث عن  التيار الإسلامي في مصر فقط، بل يتحدث عن ضرورة القضاء على التيار الإسلامي في المنطقة كلها، وهو ما يفسر التدخلات السافرة للسيسي في ليبيا لدعم ميليشيات حفتر، والعمل على تشويه الإسلاميين في تونس وسورية واليمن والسودان والجزائر وغيرها.

الرسالة الثالثة: استخدام التدليس والترويج لأكاذيب؛ أولها الزعم بأن الإسلام السياسي هو من يقف وراء المظاهرات التي تطالب برحيله، على الرغم من أن الدعوة جاءت من الفنان والمقاول محمد علي، وهو غير محسوب مطلقًا على التيار الإسلامي، وكذلك الزعم برفض المصريين حكم الإسلاميين في مصر، مدعيًا أن الرأي العام في مصر لا يستطيع أن يقبل - ولن يقبل - بالإسلام السياسي يحكم مصر، و"رفض هذا الموضوع عندما تولوا السلطة لمدة عام"، وهو نوع من الوصاية على مستقبل البلاد، على الرغم من أن الإخوان هم الفصيل الشعبي والسياسي الوحيد الذي وصل إلى الحكم عبر انتخابات نزيهة، ولم يخرج من السلطة إلا بانقلاب عسكري، وهو مؤشر على شعبية التيار ومدى انتشاره الواسع في المجتمع المصري.

كما تؤكد تصريحات السيسي إصراره على تواصل الحرب الأهلية في مصر ضد التيار الإسلامي، والإخوان على وجه الخصوص، ولا أمل مطلقًا في استقرار  الأوضاع في مصر ما دام السيسي ممسكًا بمفاصل السلطة في البلاد؛ لأن تصوراته تقوم على الصدام والإقصاء وسحق معارضيه؛ بدعوى أنهم ينتمون إلى "الإسلام السياسي" الذي يراد سحقه ترجمة لأهداف الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني، واستجابة لعرّاب الصهاينة في المنطقة محمد بن زايد؛ الذي يروّج لهذه التصوارت التي تعصف بأي استقرار في المنطقة.

الرسالة الرابعة: عدم إيمان السيسي مطلقًا بالديمقراطية والأدوات السياسية في التداول السلمي للسلطة، فالأصل ألا يتم إقصاء أي فصيل سياسي، ويترك الأمر للشعب عبر التنافس السياسي وإقناع الناخبين، والشعب هو من يقرر الوزن النسبي لكل فصيل سياسي، وهو ما يمنح الثقة للقوى والأحزاب السياسية، وهو من يمنعها أيضًا، وينزعها ممن يشاء وفق الأدوات الديمقراطية، لكن السيسي يفرص وصايته المطلقة وينوب عن الشعب في رفض مطلق لأكبر تيار شعبي وسياسي في مصر والمنطقة؛ الأمر الآخر أن توجهات الشعوب في الملفات السياسية متغيرة، وليست جامدة ثاتبة، والتيار الذي يحظى بدعم، اليوم، ربما يخفق غدًا وفق أدوات الديمقراطية، والعكس أيضًا صحيح، لكن السيسي لا يستخدم هذه المفردات، ويفرض وصايته المطلقة بشكل سافر، يلغي معه أي دور حاليًّا ومستقبلاً لشعوب المنطقة.

الرسالة الخامسة: تواصل دعم ترامب والإدارة الأمريكية بشكل مطلق للنظم الدكتاتورية؛ باعتبارها مصلحة أمريكية صهيونية، وبذلك يعلنها ترامب صراحةً أن الولايات المتحدة سوف تواصل دعم النظم المستبدة على حساب التطلعات الشعبية في مصر نحو الإطاحة بنظام السيسي، وإقامة نظام ديمقراطي تعددي، يقوم على فتح أبواب الحريات للجميع دون إقصاء، والتداول السلمي للسلطة عبر الاحتكام إلى الشعب وصناديق الاقتراع.

وكان موقع Lobe Log الأمريكي قد نشر تقريرًا قبل أشهر لأندرياس كريج، الأستاذ المساعد بقسم الدراسات الدفاعية بكلية لندن الجامعية والخبير في شئون الشرق الأوسط ومنطقة الخليج، بعنوان "حرب السرديات الإماراتية في بروكسل"، كشف عن الدور الخطير الذي تلعبه أبوظبي في تشكيل سياسات أمريكا والغرب تجاه ما يجري في المنطقة العربية؛ بهدف إجهاض التحول الديمقراطي باستخدام فزاعة الإسلام السياسي.

وبالتالي ليس من المستبعد أن يكون استخدام السيسي الإسلام السياسي للمرة الأولى، قد جاء من خلال نصيحة إماراتية لتوسيع المظلة التي يبرر بها قمع أي معارضة له في الداخل، خصوصًا أن فزاعة الحرب على الإرهاب لم تعد تجد الصدى نفسه أو تثير ما يكفي من الفزع لغض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان.