يقف كثير من الآباء -الذين يتحرّون تربية أولادهم بطريقة سليمة تجاه ما يصدر منهم من سلوكيات سلبية- حائرين بين من يعتبرون أن العقاب هو الوسيلة الأنجع والأسرع في تقويم تصرفات الأولاد الخاطئة، ومن لا يعدّون العقاب ضمن الوسائل التربوية التي يمكن للآباء أن يستعينوا بها في تقويم بعض التصرفات الخاطئة، بل ويرفضون استخدامه بصورة مطلقة.

فهل للعقاب موضع قدم في تربية الأولاد؟ أم أن أضرار استخدامه تفوق إيجابياته؟ وهل يمكن أن يستخدم بطريقة إيجابية تسهم في تقويم الأولاد وحسن تربيتهم؟

هذا ما نحاول أن نطرحه في السطور التالية.

مما لا شك فيه أن العقاب -إذا ما استخدم بضوابطه- يسهم في تحقيق العديد من الفوائد التربوية، التي منها:

1- يؤدي إلى إيقاف أو تخفيض السلوكيات غير المقبولة لدى الطفل.

2- بدون العقاب لن يستطيع الطفل أن يميز بين الخطأ والصواب، والمقبول والمرفوض.

3- معاقبة السلوك غير المرغوب يقلل من تقليد ذلك السلوك من الآخرين.

كما أن سوء استخدام العقاب –وليس العقاب في حد ذاته- يؤدي إلى العديد من الأضرار التربوية، منها:

1- شعور الطفل بالظلم والقهر.

2- انخفاض معدل تقدير الطفل لذاته وفقدانه لثقته بنفسه، خاصة إذا ما اقترن العقاب بعدم تعزيز سلوكياته الإيجابية.

3- الشعور بالخوف الشديد وغياب الإحساس بالأمن.

4- الخجل وعدم القدرة على التواصل مع الآخرين.

5- قد تنعكس كثرة العقاب بصورة سلبية على ما يصدر منه من تصرفات إيجابية؛ نظراً لخوفه من الوقوع في الخطأ أثناء ممارستها وما قد يتبع ذلك من عقاب.

6- ظهور بعض المشكلات السلوكية لديه، مثل: الكذب، العصبية الزائدة، العناد، السرقة.. إلخ.

7- إذا كان العقاب عنيفاً، فإنه يتعلم أن العنف هو الحل في كل ما يواجهه من خلافات مع الآخرين.

8- يبني حواجز نفسية لدى الطفل -قد تصل إلى البغض والكراهية- تجاه من يمارس العقاب عليه.

العقاب التربوي

حتى يكون العقاب تربويا وفعالاً، يسهم في تقويم سلوكيات الأولاد، ولا يكون له أثر سلبي على شخصياته، نقترح النقاط التالية:

أولاً: توقف لحظات:

1- لا تعاقب طفلك على أخطاء عفوية غير مقصودة، كأن يقع من يده شيء، ولكن أخبره أن يكون حذراً في المرات القادمة.

2- لا تعاقبه على سلوكيات هي جزء من نموه الطبيعي؛ كالتبول الليلي، أو مص الأصبع.. أو غير ذلك.

3- اسأل نفسك قبل أن تعاقبه: هل سبق أن وجهته وعلمته وصححت سلوكه هذا؟ لأنه ببساطة شديدة قد لا يكون مدركا أن ما يفعله خطأ يستوجب العقاب.

ثانيا: معايير العقاب:

1- ينبغي أن يكون العقاب مناسباً لعمر طفلك وشخصيته وللخطأ الذي ارتكبه؛ لأن العقاب القاسي على خطأ بسيط قد يخلق منه إنساناً ضعيفاً مستكيناً لما يقع عليه من ظلم، أو قد يخلق وحشاً كاسراً يبحث عن الانتقام لنفسه، أما التسامح مع خطأ فادح فقد يخلق منه إنساناً لا يبالى بنتائج أخطائه.

2- اختر عقاباً قابلاً للتنفيذ، فلا تعاقبه مثلاً بالحرمان من اللعب طوال الشهر؛ لأنك لن تستطيع تطبيق ذلك.

3- حدد بدايات ونهايات الإجراء العقابي، مثل تحديد مدة حرمانه من اللعب مثلاً.

4- تجنب العقاب المهين، أو الذي يترك آثاراً بدنية أو نفسية (ضرب هستيري، حرق.. إلخ).

ثالثا: بدائل العقاب:

لا تجعل العقاب مرادفاً للضرب، واعلم أن هناك بدائل يمكنك استخدامها في تقويم سلوكه، منها:

1- التجاهل: بأن تتجاهل السلوك الخاطئ الذي يصدر من طفلك ولا تلتفت إليه؛ حتى يضعف ويتوقف نهائياً، وهذا الأسلوب يناسب الأطفال الصغار أكثر من غيرهم، فإن بكى طفلك رغبة منه في حمله مثلاً، أو كوسيلة ضغط لشراء شيء ما، فإن تجاهلت بكاءه ربما يكون ذلك مناسباً للتعامل معه بدلاً من الصراخ أو الانفعال عليه.

2- النظرة الحادة: التي تنبهه من خلالها إلى أن ما قام به سلوك مرفوض.

3- الهمهمة: وهي صوت يخرج من الحنجرة يدل على الإنكار، وينبه طفلك إلى ما وقع منه من خطأ.

4- التهديد المناسب: شرط أن تنفذ ما هددته به إذا ما كرر الخطأ، وإذا كان هناك قدر من الحزم، فإن التهديد يكون له أثره القوي على الطفل في التوقف عن السلوك السلبي.

5- تصحيح الوضع: ويقصد به أن تُلزم طفلك بإعادة الوضع إلى نفس الحال التي كان عليها قبل قيامه بالسلوك الذي نتج عنه الضرر، كإعادة الأثاث إلى مكانه، أو تنظيف مكان العصير الذي سكبه، أو ترتيب سريره الذي عبث به.

6- التصحيح الزائد: ويقصد به أن تُلزم طفلك بإعادة الوضع إلى حال أفضل مما كان عليها قبل قيامه بالسلوك الذي نتج عنه الضرر، كتنظيف مكان العصير الذي سكبه، بالإضافة إلى تنظيف ما حوله، أو ترتيب سريره الذي عبث به، بالإضافة إلى ترتيب باقي الغرفة، وإذا أخذ بقصد أو دون قصد شيئاً من أخيه أو أحد زملائه يُلزم بإعادته، بالإضافة إلى مشاركة أخيه أو زميله بشيء آخر محبب لديهم.

7- إبدال العادة: ويقصد بها أن تُلزم طفلك في حالة قيامه بسلوك غير مقبول بتأدية سلوك بديل له لفترة زمنية محددة، فمثلاً الذي يعتدي على أخيه بيده، يطلب منه أن يرفع يده وينزلها لعدد مناسب من المرات، وإذا قضم أظافره يُلزم بإطباق قبضة يده بشدة لفترة زمنية محددة، وإذا صفع نفسه أو ألقى بنفسه على الأرض عند الغضب يرغم على الجلوس بشكل مناسب مع وضع يديه أمامه فترة زمنية مناسبة.. وهكذا.

8- الممارسة الإيجابية: ويقصد بها أن تلزم طفلك بممارسة سلوك مفيد له بدلاً من السلوك السلبي الذي قام به، فمثلاً الطفل الذي يكثر من هز جسمه يطلب منه أن يمارس تمرينات بدنية شاقة.

9- الممارسة السلبية: وفي هذا الأسلوب تُلزم طفلك بممارسة السلوك السلبي بشكل متواصل لفترة طويلة، فهذا يؤدي إلى كرهه لهذا السلوك، ويصبح سلوكاً مزعجاً بالنسبة له، فمثلاً الطفل كثير اللعب بالكبريت يتم إجباره على إشعال الكبريت لأوقات طويلة حتى يكره هذه العادة ويتوقف عنها، مع مراعاة عدم استخدام الأسلوب فيما يضر بالطفل.

10- تكلفة الاستجابة: والمقصود بها أن يدرك طفلك أن قيامه بالسلوك الخاطئ سيكلفه شيئاً معيناً أو حرماناً أو فقداناً لبعض المعززات التي يتمتع بها، ومن الأمثلة على استخدام تكلفة الاستجابة خصم المعلم جزءاً من الدرجات المخصصة للواجبات إذا لم يقم الطالب بما كلف به، أو حرمان الأم لطفلها لفترة محددة من اللعب أو من مشاهدة التلفاز عند ممارسته لسلوك سلبي، مع مراعاة مناسبة التكلفة مع سلوك الطفل ومرونتها.

11- الإبعاد: ويقصد به إبعادك لطفلك عن المكان الذي ارتكب فيه السلوك السلبي لفترة قصيرة -معدل دقيقة لكل سنة من عمره- في مكان لا تتوافر فيه الألعاب أو المسليات التي يشعر مع وجودها بالمتعة.

12- المقاطعة: وعدم التحدّث معه لفترة قصيرة محددة.

رابعا: عند التنفيذ:

1- اجعل هدفك الوحيد هو تهذيب وتقويم سلوك طفلك، وليس الانتقام منه أو تفريغ غضبك لأسباب أخرى تتعلق به أو بغيره.

2- لا تتخذ أي إجراء عقابي ضده إذا كنت منفعلاً؛ لأنه ربما يكون إجراء فيه تعسف ولا يتوافق مع طبيعة الخطأ الذي ارتكبه، ولكن قل له مثلاً: «سوف يكون لك عقاب ما»، ثم قدّر له العقاب التربوي المناسب بعد أن تهدأ.

3- تأكد أنه مدرك تماماً للارتباط بين العقاب وتصرفه الخاطئ؛ وأنه يعاقب بسبب هذا التصرف.

4- ركّز العقاب على السلوك الخطأ الذي ارتكبه، ولا تطلق عليه أحكاماً عامة (أنت غبي، أنت حيوان.. إلخ).

5- تدرج في إيقاع العقاب (الإهمال، نظرة حادة، صوت زاجر.. إلخ).

6- التزم مع الطرف الآخر في تنفيذ العقاب حتى يؤتي أثره، فلا يعاقب الأب بحرمانه من شيء، ثم تمنحه الأم إياه.

7- احرص على ألا يكون عقابه أمام الناس، إلا إذا تعذر ذلك حتى لا يتجرأ على الخطأ.

8- تجنب تعزيز سلوكه السلبي بعد إيقاع العقاب مباشرة، كأن تشعر بالتعاطف معه وتبادر بضمه وتقبّله، فهذا يفقد العقاب أثره.

9- بعد أن ينتهي الموقف بينك وبينه، احرص على ألا تترك في نفسك شيئاً تجاهه، وقل لنفسك: «موقف وانتهى»، فهذا يساعدك على ألا تبني اتجاهاً سلبياً نحوه.