استعرض د. عماد الحوت، رئيس المكتب السياسي للجماعة الإسلامية وأمين عام ملتقى العدالة والديمقراطية وعضو منظمة "برلمانيون ضد الفساد" الدولية، رؤية الجماعة الإسلامية لحل الأزمة الراهنة من خلال مقومات الحلول التي طرحتها وجدواها في صدى المجتمع اللبناني؛ حيث خطت الجماعة خارطة طريق لتلبية طموحات ومطالب المواطنين من خلال آليات دستورية لا توقع البلد في حالة فوضى أو فراغ وطرحت هذه المبادرة على الرأي العام للنقاش.

تقوم هذه الخارطة على الخطوات التالية:

‌أ. مرحلة انتقالية مدتها ستة أشهر تبدأ بتشكيل سريع لحكومة كفاءات مصغرة، مهمتها:
1. موازنة 2020 إصلاحية خالية من الضرائب الاضافية.
2. مشروع قانون انتخابات جديد يؤمّن عدالة التمثيل مع خفض سن الاقتراع الى 18 سنة.
3. تسريع إجراءات مكافحة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة (استقلال القضاء، ووقف العمل بالمحاكم الاستثنائية للمدنيين، تفعيل أجهزة الرقابة، رفع السرية المصرفية عن الرؤساء والوزراء والنواب وجميع العاملين في الوظيفة العامة، تنفيذ قانون استعادة الأموال المنهوبة فور اقراره، تنفيذ قانون الإثراء غير المشروع، تفعيل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وقانون حماية كاشفي الفساد…).
4. تسريع إجراءات الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي (إعادة هيكلة القطاع العام وترشيقه، إعتماد آلية قائمة على الكفاءة في التعيينات، الخدمات الأساسية…).

‌ب. انعقاد المجلس النيابي في جلسات مفتوحة ومتلاحقة لـ: إقرار مشروع موازنة 2020، إقرار قانون الانتخابات، اقرار مشاريع قوانين مكافحة الفساد واستقلالية القضاء، إطلاق عملية بناء الهوية الوطنية من خلال تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية وتفعيلها.
‌ج. إجراء انتخابات نيابية مبكرة وفق القانون الجديد.

تصعيد الشعب

وأكد الحوت - في حوار لـ"موقع الفيحاء" - أن الحراك الشعبي الثوري الدائر في لبنان هو نتيجة طبيعية لاحتقان موجود عند المواطنين اللبنانيين نتيجة سوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، نتيجة سوء الإدارة من قبل الطبقة السياسية الحاكمة وحالة انعدام الثقة من المواطن اللبناني بهذه الطبقة، ووجود حالة استفزاز من وقاحة ممارسات الفساد المكشوف على مستوى الأحزاب المتشاركة في السلطة، وعندما ترى حجم المظاهرات وتنوع المشاركين فيها من جميع الأعمار وجميع المستويات الاجتماعية تدرك عمق أزمة الثقة الموجودة لدى هؤلاء.

وأضاف أنه فيما يتعلق بالتدخل الأجنبي، فإن أية حالة سيولة شعبية كحالة الحراك الثوري القائم تغري مختلف المحاور الدولية والإقليمية بالاستثمار فيها في إطار الصراع الدولي – الإقليمي الدائر في المنطقة، ولكن من الواضح أن مزاج المشاركين في هذه التحركات الشعبية هو ضد أي تدخّل استثماري، سواء من خارج لبنان أو حتى من داخل لبنان، بدليل اضطرار عدد من قوى المجتمع المدني المشاركة في الحراك الى إصدار بيانات تنفي مجرد لقاء مع المبعوث الفرنسي إلى لبنان، مراعاة للجو العام للحراك الحريص على عفويته وعدم توظيفه لغير الغايات التي خرج بسببها المواطنون أي محاربة الفساد، معالجة الأزمة الاقتصادية، وإعادة تشكيل السلطة بعيدا عن الفساد وسوء الإدارة.

وأوضح الحوت أنه ليس هناك من يهوى قطع الطرقات أو البقاء في الشارع، ولكن هذا يؤشر إلى حجم الاحتقان الذي كان من واجب المسئولين الالتفات له والعمل على إيجاد العلاجات الجذرية لأسباب هذا الاحتقان الناتج عن الفساد والهدر وسوء الإدارة، ومن الواضح أن مراهنة الشركاء في السلطة على عامل الوقت وتعب المتظاهرين ومحاولة التصرف وكأنه ليس هناك من حراك قد استفز المواطنين ودفعهم الى مثل هذا التصعيد، مشيرًا إلى أنه ليس من دور الجماعة أن تتخذ موقفًا سلبيًا أو إيجابيًا من خطوات الحراك، ولا أن تقترح عليه أدوات ووسائل، فإن من أهم نقاط قوة الحراك الثوري أنه بدون قيادة أو موجّه، والجماعة الإسلامية بهذا المعنى ليست شريكة في قيادة هذا الحراك الذي يقود نفسه بنفسه وإن كانت الجماعة قد تبنّت مطالب المواطنين وجمهورها مشارك في فعاليات الحراك الجامع للجميع.

الأزمة الاقتصادية

وحول الأزمة الاقتصادية الراهنة ورؤية الجماعة سبل الخروج منها وهل لا يزال هناك من أمل للبنانيين، قال الحوت: "لا شك أن الأزمة الاقتصادية عميقة وهي نتيجة لعاملين أساسيين: الفساد والهدر والمحاصصة وسوء الإدارة من ناحية، والعقوبات الأمريكية من ناحية أخرى، وأضاف: نحن كلبنانيين معنون بالتعامل مع العامل الأول، لذلك كان رأي الجماعة متماهي مع مطالب الناس بضرورة إعادة تشكيل السلطة، إذ لا يمكن لمن كان سببًا في الوصول الى ما نحن فيه أن يستمر في إدارة البلاد، وكيف أثق بمن كان مشاركاً في الفساد طيلة السنوات الماضية أو مغطيّاً له أن يقوم بمحاربة هذا الفساد؟ من هنا كان لا بد للخروج من هذه الأزمة الاقتصادية من خلال تشكيل حكومة توحي بالثقة للمواطن اللبناني أولاً وللمستثمر الخارجي بعد ذلك، لنستعيد الدورة الاقتصادية، تكون مهمتها الاساسية مكافحة الفساد، ووقف الهدر، والمحاسبة وصولاً لاستعادة الأموال المنهوبة، فلبنان بلد منهوب وليس بلدًا مفلسًا.

وأكد الحوت أن جمهور الجماعة الإسلامية متفاعل مع الحراك ومشارك فيه، ولكن الجماعة أخذت قرارًا منذ اليوم الأول بالتبني الكامل لمطالب المواطنين المنتفضين على الفساد وسوء إدارة الطبقة السياسية المتشاركة في السلطة، التي لم تكن الجماعة الإسلامية يومًا جزءًا من هذه السلطة وممارساتها، دون المشاركة الرسمية في الحراك الثوري الشعبي حفاظًا عليه وعلى عفويته التي هي أحد ضمانات عدم حرفه عن أهدافه المشروعة باتجاه أي استثمار سياسي داخلي أو في إطار الصراع الدولي الإقليمي، نافيًا ما طرحه إعلاميون عبر وسائل إعلامية متعددة بأن عناصر من محركي الثورة في طرابلس وعدد من المناطق السنية ينتمون إلى الجماعة الاسلامية، ووصف هذا الطرح بأنه "ظلم للحراك الثوري وهو شرفٌ لا ندّعيه"، وأن الحراك الثوري كما قلت يتفاعل فيما بينه دون قيادة أو محرّك.
 
وحول تساؤل: هل أنتم مع تشكيل حكومة تكنوكراط؟ أجاب عماد الحوت قائلاً: بكل تأكيد نحن مع حكومة كفاءات مصغّرة، لفترة انتقالية، يقتصر بيانها الوزاري على إعداد قانون انتخابات جديد، تفعيل إجراءات مكافحة الفساد، معالجة الأزمة الاقتصادية والمعيشية، إذ من الواضح أن الناس فقدت الثقة بالطبقة السياسية الحالية التي مارست الفساد بأبشع صوره مقروناً بسوء إدارة أول المواطن اللبناني بالخوف على حاضره ومستقبل أولاده والانتفاض عليها. هذه الحكومة سيكون على عاتقها تنظيم انتخابات نيابية مبكرة يضع فيها الجميع، أحزابًا ومستقلين، أنفسهم أمام حكم الشعب لانتخاب من يراه مناسبًا لإدارة البلاد.
   
وعي اللبنانيين

ويرى الحوت أنه حال عدم التفاهم بين مكونات السلطة لإعادة تكليف الرئيس سعد الحريري والتوجه لنتاج حكومة مواجهة، فإن القضية ليست قضية أسماء وإنما قضية توصيف شكل الحكومة وتحديد مهمتها، وإذا لم تستمع القوى المتشاركة في السلطة لنبض الناس ومطالبهم، فإن الأمور متجهة لمرحلة قد تطول أو تقصر من المواجهة بين المواطنين وبين المتمسكين بالسلطة ومنطق المحاصصة وهذا ليس في مصلحة أي من الطرفين ولا في مصلحة البلد.

ويشدد على أن من يتابع تطور الحراك وقد وصل إلى الأسبوع الخامس يدرك أن الشعب اللبناني خرج من القمقم، وأن المنتفضين تجاوزوا حاجز الخوف وتعاملوا مع جميع محاولات تفشيل حراكهم الثوري بوعي كبير؛ حيث تم استخدام أدوات مختلفة لإجهاض هذا الحراك من محاولة استدراجه لمفاوضات توقع بين المشاركين، واستخدام القوة والترهيب، والوعود البرّاقة دون أي مؤشر على صدق التنفيذ، والرهان على الوقت والتعب، وغير ذلك من الأدوات ولكنها جميعها فشلت في التخفيف من عزيمة المشاركين في الحراك الثوري، وهذه المحاولات التي لم تنتهِ ولا تزال مستمرة تستدعي من المواطنين أعلى مستوى من الوعي لعدم استدراج الحراك الثوري للخروج عن سلميته أو حرفه عن أهدافه العادلة، مؤكدًا أن مرحلة تصريف أعمال طويلة ستعمّق من الأزمة الاقتصادية وتؤدي لا سمح الله إلى الانهيار الاقتصادي الكامل الذي بدأنا نستشعر وطأته والذي لن تنجو من مفاعيله أي ساحة من ساحات لبنان أو أي مكوّن من مكوّناته.

واختتم د. عماد الحوت حواره بأن سيناريو القمع المسلّح للحراك الذي يتم التداول به عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أعتقد أنه لا يوجد هناك فريق عاقل يمكن أن يفكّر فيه، فطبيعة لبنان الجغرافية والديمغرافية تجعل هكذا مغامرة إن وقعت لا سمح الله، لا تنتهي برابح وخاسر وإنما بمجموعة خاسرين وهذا ليس في مصلحة أحد، ومن هنا ترى الجماعة أن المصلحة تقتضي بتسريع تشكيل حكومة كفاءات تقوم بإدارة الأزمة للوصول إلى بر الأمان للجميع".