تمرّ اليوم الإثنين الذكرى الـ32 على انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى (9 ديسمبر عام 1987)، والتي يسميها الفلسطينيون بـ”انتفاضة الحجارة”، في ظل تجدد الدعوات لإطلاق انتفاضة جديدة.

انتفاضة الحجارة بدأت من مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين شمالي قطاع غزة، وانتقلت إلى كافة المدن الفلسطينية الأخرى، لتكون من أهم الأحداث التي أثرت على تاريخ فلسطين المعاصر، كما يرى محللون سياسيون.

ومن أبرز تداعيات هذه الانتفاضة على الساحة الفلسطينية تغييرها للخارطة الحزبية، فقد دفعت باتجاه ظهور أحزاب جديدة من جهة، وإعادة إحياء الأحزاب التي كانت موجودة آنذاك.

استمرت هذه الانتفاضة لمدة 6 سنوات، قبل أن تنتهي بتوقيع اتفاقية أوسلو بين دولة الاحتلال ومنظمة التحرير الفلسطينية، عام 1993.

وأطلق الفلسطينيون اسم “انتفاضة الحجارة”، على هذه الانتفاضة؛ لأن الحجارة كانت الأداة الرئيسية فيها للتصدي للآليات العسكرية والبنادق الصهيونية.

إلى جانب الحجارة، استخدم الفلسطينيون أدوات بسيطة في التصّدي للاحتلال، مثل الزجاجات الحارقة المعروفة باسم “مولوتوف”.

وبحسب بيانات رسمية، تقدّر حصيلة الضحايا الفلسطينيين الذين استشهدوا بفعل الاعتداءات الصهيونية خلال انتفاضة الحجارة، بحوالي 1162 فلسطينيا، بينهم حوالي 241 طفلا، فيما أصيب نحو 90 ألفًا.

أما عن الجانب الصهيوني، بحسب بيانات سابقة صادرة عن مركز المعلومات الصهيونية لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة “بتسيلم”، فقد قتل نحو 160 شخصا.

اندلاع الانتفاضة

الشرارة الأولى لهذه الانتفاضة اندلعت مساء الثامن من ديسمبر 1987، على إثر حادثة دهس سائق شاحنة صهيوني لمجموعة من العمال الفلسطينيين (استشهد 4 منهم آنذاك)، على حاجز بيت حانون (إيرز)، شمالي قطاع غزة.

في اليوم التالي بعد صلاة الفجر، قرر الفلسطينيون البدء بترتيب مظاهرات غاضبة ضد الاحتلال من مخيم جباليا شمالي القطاع.

كما أن السياسات اليهودية ضد الفلسطينيين، واستمرار سرقة الأراضي، وبناء المستوطنات، وجباية الضرائب، ومواصلة اعتقال الفلسطينيين وقياداتهم ومحاصرة المدن والقرى، كلها أسباب دفعت باتجاه اندلاع الانتفاضة واستمراريتها.

الشهداء الأوائل لهذه الانتفاضة كانوا، بحسب مراجع تاريخية، من التيار الإسلامي (جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين) وهما “حاتم أبو سيس ورائد شحادة”.

وبحسب ما أورده الكاتب الفلسطيني، محسن صالح، في كتابه “القضية الفلسطينية.. خلفياتها التاريخية وتطوراتها المعاصرة”، فإن هذه الانتفاضة تميّزت بأربعة مظاهر.

المظهر الأول أن الفلسطينيين داخل الكيان الصهيوني أخذوا زمام المبادرة النضالية وشاركوا في الانتفاضة، وأما الثاني مشاركة التيار الإسلامي بقوة وفاعلية، وأما المظهر الثالث أنها شملت كافة قطاعات الشعب وفئاته العمرية، وأخيرا فقد اتسمت بالجرأة والتضحية والإصرار على القضاء على العمالة والفساد.

الخارطة التنظيمية

تلازمت أحداث انتفاضة الحجارة مع ظهور تنظيمات فلسطينية جديدة غيّرت من الخارطة الحزبية للفلسطينيين، مثل تأسيس حركة المقاومة الإسلامية “حماس”.

وبعد نحو أسبوع من اندلاع انتفاضة الحجارة، تحديدا في 14 ديسمبر 1987، تأسست حماس على يد مجموعة من قادة جماعة الإخوان المسلمين في قطاع غزة، كان أبرزهم الشيخ أحمد ياسين.

وأدى انخراطها، الذي وصفه مراقبون سياسيون، بالقوي في أحداث انتفاضة “الحجارة” ومقاومة الاحتلال ، إلى انتشار نفوذها بشكل واسع في الساحة الفلسطينية.

وحملت حركة حماس السلاح، عام 1987، من خلال تأسيس جهاز عسكري أسمته “المجاهدون الفلسطينيون”، ثم أسست جناحها المسلح الحالي (كتائب عز الدين القسام) عام 1992، والذي يقول محللون إنه ساهم في تغيير معادلة “الصراع مع الاحتلال”.

الكتاب والمحلل السياسي، تيسير محيسن، يقول إن البيئة “السياسية التي كانت حاضرة قبيل انتفاضة الحجارة ساهمت إلى حد كبير في إذكاء جذوة الانتفاضة، خاصة عند بداية ظهور تشكيلات تنظيمية سياسية جديدة”.

وتابع: “التيارات الإسلامية تفاعلت بشكل كبير قبل بداية انطلاق الانتفاضة وساهمت في رسم معالم ديمومتها، لذا تفاجأ الاحتلال من القوة والتنظيم والإعداد والسيطرة والحشود، وهذا ترجم عمليا خلال التظاهرات التي كانت تظهر وحالة الاشتباك في كل المحاور”.

وبيّن أن التيار الإسلامي في فلسطين كان “له عمل ضخم”، في العقود التي سبقت الانتفاضة.

في الوقت ذاته، ساهمت انتفاضة الحجارة في إعادة إحياء التنظيمات الفلسطينية التي تأسست في أوقات سابقة، وأبرزها حركة فتح، ومن التيار الإسلامي حركة الجهاد الإسلامي، والتيارات اليسارية المنضوية تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية.

فتم تشكيل إطار متابع للانتفاضة تحت مسمى “القوى الوطنية الفلسطينية” (يضم فصائل منظمة التحرير).

وصدر أول بيان عن القوة الوطنية الفلسطينية في الثامن من يناير 1988، دعا الشعب للمشاركة في فعاليات الانتفاضة والإضراب العام رفضا للاحتلال.

واستمرت المشاركة الفصائلية في فعاليات ومظاهرات انتفاضة الحجارة حتّى توقيع اتفاقية “أوسلو”، عام 1993، حيث شهدت هذه الفترة انخفاضا كبيرا لمشاركة حركة فتح وعدد من فصائل منظمة التحرير، وفق محيسن.

في حين أن التيار الإسلامي الرافض لاتفاقية “أوسلو”، الممثل بحركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” إضافة لتنظيمات يسارية، واصلوا العمل النضالي بأشكاله المختلفة، كما يقول محيسن.

أدوات المقاومة

استخدم الفلسطينيون، خلال انتفاضة الحجارة، أدوات بدائية في مقاومة الاحتلال الذي يملك أعتى وأكثر الأسلحة تطورا.

الحجر، كان السلاح الأول الذي قارع به أطفال وشباب ونساء فلسطين الجيش الصهيوني، الذي يتخذ آليته العسكرية درعا واقيا له.

المؤرخ الفلسطيني، سليم المبيض، يقول إن الحجر اعتبر آنذاك نوعا من أنواع الإبداع في المقاومة.

وأضاف: “إرادة الشعب في التحرك ضد المحتل كانت العامل الأساسي في إنجاح هذه الانتفاضة لكثرة الظلم الذي تعرّض له الشعب بغزة والضغوطات الاقتصادية والسياسية”.

وأوضح أن الإضراب العام كان من إحدى أدوات الاحتجاج التي استخدمها الشعب آنذاك، وشارك فيها فئة التجار بشكل واضح.

كما استخدمت جدران الشوارع في تحريض الشعب للمشاركة والاستمرار في هذه الاحتجاجات، لتعتبر هذه سمة عامة منذ دخول الفصائل الفلسطينية على خط تنظيم الاحتجاجات، بحسب المبيض.

إلى جانب ذلك، استخدم الفلسطينيون السكاكين والزجاجات الحارقة في مقارعة جنود الجيش الصهيوني.

حرق إطارات المركبات، كانت أيضا إحدى وسائل الاحتجاج واستخدمها الفلسطينيون لتشويش الرؤية على الجنود من خلال الدخان الأسود الكثيف الذي يشكّل حاجزا يعيق الرؤية.

إلى جانب ذلك، لجأ الفلسطينيون لـ”العمليات الاستشهادية”، كنوع من المقاومة ردا على الاعتداءات الصهيونية، وفق المبيض.

لكن عمليات خطف الجنود كانت إحدى الوسائل النادرة والتي تم تنفيذها مرة واحدة خلال الانتفاضة الأولى.

أبرز عمليات الانتفاضة

– تفجير حافلة 405 الصهيونية، تابعة لشركة “إيغد”، وهي “عملية استشهادية” نفّذها عبد الهادي غانم، أحد أعضاء حركة الجهاد الإسلامي، في يوليو 1989، ما أدى إلى مقتل 16 راكبا وإصابة 27 آخرين بجراح مختلفة.

– عملية خطف الجندي اليهودي “نسيم تولدانو”، التي نفّذتها كتائب عز الدين القسّام، الجناح المسلّح لحركة حماس، في 13 سبتمبر 1992، وأطلقت عليها اسم “عملية الوفاء للشيخ أحمد ياسين (مؤسس الحركة)؛ والذي كان معتقلا آنذاك، في السجونالصهيونية ومحكوم عليه بالسجن مدى الحياة.

جاءت عملية خطف الجندي من أجل التفاوض مع الجانب اليهوديي والإفراج عن ياسين، وسلمت حماس مطالبها للجنة الدولية للصليب الأحمر وأمهلت الكيان الصهيوني 10 ساعات للتحقيق مطالبها وإلا ستقتل الجندي الأسير لديها، لكن الأخيرة رفضت المطالب، وما كان من حماس إلا أن نفّذت تهديدها.

وبعد توقيع اتفاقية “أوسلو”” انخفضت المشاركة في الانتفاضة، لكن المنتسبين للتنظيمات الإسلامية استمروا بتنفيذ “العمليات الاستشهادية”، التي اعتبروها جزءا من الحالة النضالية، وردا على الاعتداءات الصهيونية بحقّ الشعب.

انتفاضة جديدة

الكاتب والمحلل السياسي مصطفى إبراهيم يرى أن البيئة السياسية الحالية غير مهيأة لاحتضان انتفاضة فلسطينية ثالثة.

وقال إبراهيم: “شهدنا في الأعوام السابقة نحو 3 هبّات شعبية في القدس، كانت بدافع ذاتي شبابي وجماهيري بعيدا عن القيادات والفصائل الفلسطينية”.

وأوضح أن الانتفاضة بحاجة إلى عمل جماهيري تراكمي إلى جانب حاضنة تنظيمية، الأمر الذي لم يكن موجودا في السابق.

واستكمل قائلاً: “لم يكن للهبّات أهداف طويلة الأمد كإشعال الضفة الغربية، ولا خلفية عمل تنظيمي موحّد”.

وعلى الرغم من تصنيف تلك الهبّات ضمن المقاومة السلمية، إلا أن القيادة الفلسطينية الرسمية التي تتخذ من هذا النوع من المقاومة شعارا لها لم تتبنَّ تلك الهبّات، على حدّ قوله.

إلى جانب القصور الفصائلي عن احتضان المقاومة الشعبية، فإن السياسات اليهودية القائمة على عزل المدن عن بعضها البعض تقلل من احتمالية نشوء أو نجاح أي بوادر لانتفاضة جديدة، التي يجب أن تقوم على مواجهة الاحتلال، وفق تعبيره.