هنداوي دوير.. من خيرة أبناء الإخوان المسلمين، مخلص للدعوة ولإخوانه، كان رجلا ذكيا ومتحمسًا، وكان محاميًا مثقفًا واعيًا، بل وشاعرًا مجيدًا.

كانت له مساهمات وكتابات جيدة في صحافة الإخوان، يحلل فيها الموقف الدولي، والسياسة العالمية تحليلاً واعيًا، يكشف عن وعي، وإدراك وسعة اطلاع، وحسن متابعة للأحداث الداخلية والخارجية.

ولد في المحلة الكبرى – محافظة الغربية، ونشأ وتربى بها وكان يعمل في مصنعها، حتى حصل على ليسانس الحقوق ثم انتقل بعد ذلك للإقامة في منطقة إمبابة بالقاهرة والتي كانت هي محل سكنه فيما تبقى له من عمر.

هنداوي والإخوان

التحق هنداوي بالإخوان فأحبهم وأحبوه كثيرًا، عين عضوًا من أعضاء التنظيم الخاص للإخوان المسلمين.

ليصبح بعد ذلك مسئول التنظيم الخاص في منطقة إمبابة وظل هكذا حتى قبض عليه بعد حادثة المنشية.

مسرحية المنشية الخديعة الكبرى

في مساء يوم 26 أكتوبر عام 1954م وفي ميدان المنشية بمحافظة الإسكندرية، كان يقف جمال عبدالناصر هناك على المنصة يلقي خطابه الجماهيري الذي يتحدث فيه عن إنجازاته المدعاة و جهوده الوطنية المزعومة، وليحتفل بنتائجها التي تمثلت في اتفاقية الجلاء (تلك المعاهدة الآثمة التي وقعها مع بريطانيا يوم 19من أكتوبر 1954م).. وفجأة دوى صوت الرصاص ليخترق صمت الحشود الهائلة المجتمعة في المكان، فقطع عبد الناصر خطابه في مشهد تمثيلي يجيده ثم استأنفه برغم تواصل إطلاق النار ثماني مرات قائلا: "أيها الشعب.. أيها الرجال الأحرار.. جمال عبد الناصر من دمكم، ودمي لكم، سأعيش من أجلكم، وسأموت في خدمتكم، سأعيش لأناضل من أجل حريتكم وكرامتكم.

أيها الرجال الأحرار.. أيها الرجال.. حتى لو قتلوني فقد وضعت فيكم العزة، فدعوهم ليقتلوني الآن، فقد غرست في هذه الأمة الحرية والعزة والكرامة، في سبيل مصر وفي سبيل حرية مصر سأحيا، وفي خدمة مصر سأموت"، ثم أردف صارخا: "أنا الذي صنعت فيكم العزة ، أنا الذي صنعت فيكم الكرامة" .

وجدير بالذكر أن عبد الناصر لم تصبه رصاصة واحدة من الثمانية وغادر المكان بعد أن أنهى كلامه.

بعد ذلك وفي صباح اليوم التالي، ظهرت الصحف تحمل في صدر صفحاتها الأولى نبأ القبض على الجاني بدون نشر صورته.. فقالت جريدة الأهرام: "لم يكد الجاني الأثيم يطلق رصاصاته الغادرة، حتى كان الجمهور قد هجم عليه، وعلى ثلاثة أشخاص يقفون على مقربة منه، ودخان الرصاص يتصاعد من حولهم، وكاد يفتك بهم، لولا أن بادر رجال البوليس والمخابرات بالقبض عليهم، وضبط السلاح في يد الجاني.

(هكذا نشرت جميع الصحف، كما أنه لم ينشر شيء بعد ذلك عن الثلاثة الآخرين الذين قيل أنهم ضبطوا مع الجاني) وقد اقتيد الأربعة إلى نقطة بوليس شريف.. ويدعى الجاني محمود عبد اللطيف، ويعمل سباكا في شارع السلام بإمبابة".

وتناقلت الصحف نبأ القبض على الجاني محمود عبد اللطيف وهو من إخوان امبابة، ليخرج بعدها جمال عبد الناصر متهما الإخوان بتدبير الحادثة لاغتياله.

ويتم القبض على أكثر من 24 ألف أخ من الإخوان المسلمين في ليلة واحدة.

ثم خرج جمال سالم وزير الإرشاد القومي ليعلن أن الجاني محمود عبد اللطيف اعترف أن هنداوي دوير رئيس التنظيم الخاص للإخوان فرع إمبابة سلمه السلاح لاغتيال عبدالناصر، ويتبع ذلك تنفيذ مخطط لاغتيال أعضاء مجلس قيادة الثورة وقتل 160 ضابطا أو خطفهم.

وبعد يومين من هذا التصريح أعلن تشكيل محكمة أطلق عليها اسم "محكمة الشعب" للنظر فى الأفعال التي تعتبر خيانة للوطن، وشكلت برياسة قائد الجناح جمال سالم وعضوية القائمقام أنور السادات والبكباشي حسين الشافعي وشكل مكتب ادعاء برياسة البكباشي زكريا محيي الدين كما أعلن تشكيل ثلاث دوائر جديدة لمحكمة الشعب إلى جانب الدائرة الرئيسية التي يرأسها جمال سالم.

وقد عذب الإخوان بأبشع وأشنع وسائل التعذيب حتى إن كثيرا منهم قضى نحبه خلال التعذيب وقيل عنهم أنهم هربوا من السجن الحربي، بل كان يسمح للجمهور الذي يحضر المحاكمات أن يشارك المحكمة في ممارسة السخرية والاستهزاء بالمتهمين.

ظلت أحاديث الناس تتناول ما كان يعتزمه الإخوان المسلمون من خراب للبلاد.. كان الناس تستقي معلوماتها مما تنشره الصحف.. وكان بعض المفكرين يراودهم الشك في حقيقة الحادث ولا يريدون أن يصدقوا أن الحادث من تدبير الإخوان.

حقيقة الخديعة

إن حادثة المنشية كانت مؤامرة دنيئة من عبد الناصر وأذنابه لأنه اعتبر فرصة العمر الوحيدة التي تهدف إلى أمرين :

أولهما: الإطاحة بالرئيس محمد نجيب الذي كان ينافسه الشعبية الجماهيرية، وقد نجح هذا الهدف حين أريد لاسم محمد نجيب أن يرد في خلال مناقشة المحكمة لأقوال هنداوى دوير وقيل إن هناك اتفاقا تم بين محمد نجيب والإخوان على أن يقوم محمد نجيب بمسايرة الإخوان بعد اغتيال الرئيس عبد الناصر واعضاء مجلس قيادة الثورة.

ليكون ذلك مبررا لصدور قرار مجلس قيادة الثورة بتنحية محمد نجيب من رئاسة الجمهورية وإبعاده من مجلس قيادة الثورة لينفرد عبد الناصر بحكم البلاد دون منافس أو معارض واحد .

وثانيهما: القضاء على الإخوان المسلمين والذين كانت لهم في ذلك الوقت مكانة كبيرة لدى الشعب ، وذلك من خلال حبكة هزلية –انكشف أمرها فيما بعد- تمت كالآتي:

علم المسئولون في المباحث العامة أن هنداوي دوير ذكر في معرض كلامه مع الإخوان ذات مرة لزوم قتل جمال ، فالتقطوا الخيط ،وقاموا بخطف محمود عبد اللطيف ومعه مسدسه واقتادوه إلى المنشية بالإسكندرية وأجلسوه في الصفوف الأمامية وأحاطوا به ثلاثة من الحراس... وفي لحظة الصفر..أطلق أحدهم .. ولابد أنه من أمهر الرماة ثماني رصاصات لم تصب واحدة منها أحدا من الذين فوق المنصة رغم كثرة عددهم باستثناء إصابة سطحية للمحامي أحمد بدر بينما أصابت الرصاصات اللمبات الكهربائية.

بعدها حدث هرج شديد، وبدأ الحراس الثلاثة بضرب الأخ محمود عبد اللطيف ليلفتوا إليه أنظار جماهير الشعب ونجحوا في ذلك.

وخرجت الصحف في اليوم التالي لتعلن عن نبأ القبض على محمود وبحوزته مسدسه.

ثم بدأت المهزلة التي أسموها جدلا بالمحاكمة بعد أيام من الحادثة؛ ليعترف محمود وهنداوي وغيرهما بمسئولية الإخوان عن محاولة الاغتيال، وقد بدت آثار التعذيب عليهم واضحة جدا للعيان، التي قال عنها أذناب الطاغية إنها من جراء اعتداء الشعب على الجناة.

بعد ذلك توالت المحاكمات بسرعة،ثم تم إعلان الأحكام والتصديق عليها بنفس السرعة، وكان الإعدام شنقا لستة هم:

عبد القادر عودة، القاضي والمحامي والعالم صاحب أعظم كتاب معاصر عن التشريع الجنائي الإسلامي.

والشيخ محمد فرغلي العالم والواعظ والقائد في حملة فلسطين.

ويوسف طلعت مسئول التنظيم الخاص للإخوان المسلمين والقائد الثاني في حرب فلسطين.

إبراهيم الطيب مسؤول فرع التنظيم الخاص في القاهرة.

وهنداوي دوير مسئول فرع التنظيم الخاص في إمبابة.

ومحمود عبد اللطيف أحد أعضاء التنظيم الخاص في إمبابة والذي أسهم في حرب فلسطين.

وحكم على آخرين بالأشغال الشاقة المؤبدة، كان منهم الأستاذ محمد مهدي عاكف، وغيرهم.

ومما يؤكد كونها مؤامرة خبيثة من عبد الناصر وأن قيادة الإخوان لا تتحمل مسئولية هذا الأمر عند كل دارس أو مراقب عنده ذرة من عقل أو إنصاف اتفاق كلمة المحللين المتابعين للحدث مع شهادة الرجال من الطرفين وبيان ذلك في الأتي:

فقد علق الأستاذ صالح أبو رقيق وهو أكثر من اهتم بهذه القضية قائلا رأيه:

1ـ استبعاد أن يخفق مثل محمود عبد اللطيف في إصابة هدفه، وهو أمهر رام عرفه إخوانه في حرب فلسطين. والمسافة قريبة، وقد أطلق ـ كما قالوا ـ ثماني رصاصات. ولم تصب عبد الناصر ولا أحدا ممن كان في المنصة.

2ـ وقع الحادث في مساء 26 أكتوبر، ونشرت صورة الجاني بعد خمسة أيام وهنا سؤال: لماذا لم تنشر صورة الجاني في الحال؟.

3ـ وقد عثر في المكان الذي كان يقف فيه الجاني على أربعة أظرف فارغة من عيار 36 ملليمتر، وهي تختلف عن طلقات المسدس الذي ضبط مع المتهم، إذ إن المسدس الذي عثر عليه مع المتهم من نوع المشط الذي لا يلفظ الأظرف الفارغة"!!

وكان هذا ما نشرته جريدة الأهرام في عددها الصادر يوم 27 أكتوبر1954. وأثار ذلك التساؤل عن سر اختلاف الأظرف الفارغة عن طلقات المسدس المضبوط في يد الجاني.. وبدأت همسات: هل هناك شخص آخر؟! حسن العشماوي فى مذكراته بروز اليوسف قال: "مع الصباح علمنا أن الذى أطلق النار هو محمود عبد اللطيف وأنه اعترف بأن محرضه هو هنداوى دوير المحامى بإمبابة ـ وأنا أعرف محمود عبد اللطيف منذ معركة قناة السويس عام 1951 وأعلم أنه انضم إلى الجهاز السري أيضا وأعرف مهارته في إصابة الهدف بالمسدس على نحو غير طبيعي.. فكيف يخطئ.. أيضا المسافة بين مطلق النار وموقف عبد الناصر والميل الشديد في الاتجاه ووقوف المجني عليه وراء حاجز ثم عدم إصابة الهدف من شخص يعرف مقدرته الفائقة.

كما حكى الأستاذ حسن التهامي رجل المخابرات القوى في عهد عبد الناصر أسراراً كثيرة - بعد وفاة عبد الناصر بعشرين عاماً - منها:

- شراء عبد الناصر لقميص واق من الرصاص قبل الحادثة بقليل جدًّا.

- استأجر عبد الناصر خبيرًا أمريكيًا متخصصًا في شئون الدعاية والإعلام "لتلميع" عبد الناصر إعلاميًا، ووضع هذا الخبير خطة مفصلة من أهم بنودها: "افتعال" حادث اغتيال يظهر فيه عبد الناصر رابط الجأش، جريئًا، لا يخاف.. وانطلقت الرصاصات بعدها بقليل.. ولم يتحرك عبد الناصر من مكانه!! ولم تصبه رصاصة واحدة من هذه الرصاصات الست.. وظل عبد الناصر يقول بصوت عالٍ: أنا الذي صنعت فيكم العزة.. أنا الذي صنعت فيكم الكرامة.. ولم يتحرك، ولم يرقد، ولم يتفاد الرصاص، وأكمل الخطبة، ولم يهتز.. فهل كانت هذه الرصاصات "فشنك" أم ماذا؟!!.. علامات استفهام كثيرة .. ولكن هذا الحادث كان كافياً لتصفية جماعة الإخوان المسلمين في مصر، فتم القبض على حوالي ثلاثين ألفاً، في كل سجون ومعتقلات مصر، وكان من أولها وأهمها السجن الحربي.

وهذا الكلام يعد من أصدق الشهادات في هذا الحادث إذ إن شهادة محمد حسن التهامي – رجل المخابرات، وعضو مجلس الثورة المعروف – والتي كتبها في مجلة روزاليوسف" المصرية بتاريخ 1/5/1978م بأن حادث المنشية مسرحية أخرجها أحد رجال المخابرات الأمريكية.

ومن أبرز التحليلات أيضا كلام علي عشماوي الذي يقول في مذكراته عن الادعاء بأن هذا كان تنفيذاً لخطة الجماعة فى المواجهة:وهذا الرأى غير سليم، فلو كانت خطة الجماعة، لكان إخوان الإسكندرية هم الأقدر.

ومن أهم التحليلات قول المؤرخ د. أحمد شلبي أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بكلية (دار العلوم) في الجزء التاسع من (موسوعة التاريخ الإسلامي): عن الحادث؟

رأيي الذي أدين به والذي كونته من دراسات وتفكير خلال ربع قرن منذ وقع الحادث حتى كتابة هذه السطور، أن هذا الحادث ملفق.

ومما ذكره المؤرخ من أدلة في معرض استعراضه للأحداث: الدقة الشاملة في إعداد السرادق وتنظيم الذين يحتلون مقاعده، وقد سبق أن اقتبسنا كلمات إبراهيم الطحاوي الذي يقرر أن هيئاتٍ ثلاثًا كانت مكلفة باحتلال مقاعد السرادق؛ هي هيئة التحرير، وعمال مديرية التحرير، والحرس الوطني. وهذا يوضح أنه لم يكن هناك مقعد يمكن أن يتسلل إليه مغامر ليعتدي على جمال عبد الناصر؛ فما كان الوصول إلى المقاعد أمرا ميسورا، ولم يترك للجماهير إلا المقاعد الخلفية النائية.

تضارب الأقوال حول المسدس الذي كان منه الطلقات: يجدر هنا الإشارة إلى نقطة مكملة لهذه التحليلات وهي تضارب الأقوال حول المسدس فقالوا في البداية إنه ضبط مع محمود عبد اللطيف ، ثم لما ظهر عدم تطابق الرصاص مع مسدسه قالوا إن هناك عامل بناء اسمه خديوي آدم عثر على المسدس الذي استخدمه الجاني و أصر على أن يسلمه بنفسه لعبد الناصر، وأن كلا من عبد اللطيف ودوير تعرفا على المسدس، وهكذا اختفت تمامًا سيرة المسدس الأول الذي ضبط مع الجاني لحظة القبض عليه.

وقد أنكر إبراهيم الطيب أحد المتهمين من الإخوان أن المسدس الذي عثر عليه آدم يتعلق بالجهاز السري للإخوان، وقد أغفل جمال سالم رئيس محكمة الشعب هذا الإنكار كما أغفل أيضا الاستماع إلى أقوال الثلاثة الذين قالوا أنهم قبضوا علي الجاني، وكذا أقوال عامل البناء خديوي آدم رغم أهمية شهادتهم - ولعل ذلك يرجع إلي خوف المسئول عن تدبير الحادث أن يخطئوا في أقوالهم فيكشفوا أن الحادث كان مدبرًا .

محمد نجيب الذي كان رئيسا للجمهورية كان يقسم بشرفه العسكري بأن حادث المنشية مفتعل.

أما الإخوان أنفسهم فقد كانت آراؤهم وشهادتهم تنفي بشدة المزاعم الحكومية وهي شهادات لا تكشف فقط حقيقة مؤامرة المنشية، بل تكشف أيضا وتؤكد أن الأخ هنداوي دوير لم يكن متورطا وعميلا كما افتري عليه، بل كان مخلصا جدا للجماعة، صادقا مع إخوانه.

يقول الأستاذ أحمد حسانين أحد مسئولي التنظيم الخاص:

ألستم تتهموني بأنني المسئول عن التنظيم في الأقاليم؟. قالوا: نعم. فمن باب أولى أنني لا بد أن أكون أول واحدٍ على علمٍ بهذا الموضوع وأُعطي أمر به، لكن يوم الحادث أنا فوجئتُ به مثل الجميع مثل يوسف طلعت، وهو المسئول عن التنظيم، وإبراهيم الطيب، وهو المسئول عن القاهرة".

الأستاذ يوسف طلعت مسؤول التنظيم الخاص للجماعة قال فور سماعه الحادثة :

عملها عبد الناصر، وسوف تثبت الأيام أن الإخوان المسلمين لم يكونوا في يوم من الأيام من المتآمرين في الظلام

.ويقول أيضا : إن الحادث ملفق.. لأن المسافة بين مُطْلِق النار وموقف عبد الناصر 300 متر، وللميل الشديد في الاتجاه، إذ كان عبد الناصر يقف على منصة عالية، ثم لوقوف عبد الناصر وراء حاجز من البشر، وذهاب المتهم وحده دون شريك يسنده، واستعمال مسدس، وهو أداة ضعيفة في مثل هذه الحال، وعدم إصابة الهدف من شخص معروف جيدا بالمهارة الفائقة، ومعروف كذلك بأنه لا يطلق النار بغير تأكد من الإصابة… كل ذلك يوحي أن الحادث غير معقول.

يقول الأخ الداعية المجاهد علي نويتو في رده على من اتهم هنداوي بالعمالة :

لما قبضوا عليه قبضوا أيضا معه على زوجته الحامل ، ومارسوا ضدهما أبشع أنواع التعذيب و أحطها –خصوصا مع زوجته- حتى يعترف بما يريدون.

الأحكام و ليلة الإعدام

في الرابع من ديسمبر عام 1954م ، صدر حكم الإعدام شنقا على الإخوان الستة بعد (26) يوما محاكمة فقط ، و صدق على الحكم بعد (15) دقيقة فقط ، وبنفس السرعة تم تنفيذ حكم الإعدام .

يقول الأستاذ جمعة أمين عن الليلة الأخيرة لهؤلاء الأبطال على لسان أحد شهود العيان:

لقد قضيت ليلة هي من أقسى الليالي التي قضيتها في السجن الحربي ، وفي غير السجن الحربي ، لقد بت الليلة الأخيرة مع ستة من أعز وأحب الناس إلى قلبي بت مع الشهداء الستة... هؤلاء الرجال الستة أصدرت محكمة الشعب حكمها بإعدامهم شنقاً ... وجئ بهم إلى السجن الحربي ليلة إعدامهم وأفردت لكل واحد منهم غرفة خاصة ، وكانت غرفتي في مواجهتهم ، وقد أضيئت غرفهم طوال الليل ، وكان الحراس يراقبونهم من ثقب صغير في باب الزنزانة ، وقد نزعوا من غرفهم كل شئ مخافة أن يقدموا على الانتحار !.

وفي صبيحة يوم الإعدام علا العلم الأسود على سجن الاستئناف بباب الخلق بالقاهرة يوم 6 ديسمبر 1954. وسيق الإخوان الستة المحكوم عليهم بالإعدام يسيرون بأقدام عارية،ويرتدون طاقية وسروالا حمراوين وكوميزول أسود, ليبدأ تنفيذ الأحكام في الساعة السادسة فكان أول من شنقوه محمود عبد اللطيف, ثم هنداوى دوير, ثم سائر الإخوان, وانتهى التنفيذ الساعة التاسعة بعبد القادر عودة.

وقد ذهب المحكوم عليهم إلي المشنقة بشجاعة منقطعة النظير ،وهم يحمدون الله علي حصولهم علي شرف الشهادة و يبتهلون إلى الله أن يقبل الله استشهادهم.

وقال الشيخ محمد فرغلي : " أنا علي استعداد للموت فمرحبا بلقاء الله " .

وقال الشهيد عبد القادر عودة فى الدقائق الأخيرة من حياته : الحمد لله الذى أماتنى شهيدا وإنه لقادر على أن يجعل دمى لعنة تحيق برجال الثورة ..

و لقد عم العالم العربي والإسلامي آنذاك موجة من السخط الشديد والاستنكار الغاضب ، حتى إن حكومات سوريا والعراق وباكستان كانت قد تدخلت لدى جمال عبد الناصر, لوقف هذا التنفيذ فلم يستجب كما أعلن الحداد في بلاد الشام وغيرها على هؤلاء الشهداء

تراث هنداوي دوير

أمامًا أمامًا جُـنود الفِـدا

                        أَعدوا الشبابَ ليومِ النِدا

أعِيدُوا إلى الشرق سلطانه

                        ودُكُّوا معاقِلَ جُند العِـدا

فنحنُ جـنودٌ لنا غـاية

                        إلى الله قُمنا لنشر الهدى

وإنَّا على الحق نمشي به

                        جـنودًا لمرشدنا المفتدى

تبيت على النَّصل أرواحُنا

                        بها ظـمأٌ لورود الردى

فيا دين رب السـما إننا

                        عقدنا الخناصرَ أنْ نرفعك

سنمشي إلى الكفر في أرضه

                    ندكُّ الضلالَ لكي نمنعـك

ونبـذل أرواحـنا فـديةً

                        لننعـم بالخلد أن ننفعـك

وبدرٌ تُحـدث أنا لـنا

                        جنودًا من الله ترعى الحمى

فلله بـدرٌ ولله قـوم

                        فهيا لنُلهَم وحـي السـما

صروف المنايا بأسـيافنا

                        نُذيق العـدوَ لظى بأسـنا

فنحن نرى المجد يرنو لنا

                        خلال السيوف وطعن القنا

نُرتل أنشـودةَ النصـرِ في

                        طريقِ الرشادِ إلى مجـدنا

إلى النصر حول اللواءِ اجمعوا

                        قلوب الشـباب ليوم النِـدا