أسهم الإخوان المسلمون في نشر الإسلام في دولة الصين في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين، من خلال رسائلهم ومطبوعاتهم وأنشطتهم المختلفة، فقد أسهمت مجلات الإخوان (النذير) و(الإخوان المسلمين) وغيرها في تعريف المسلمين في العالم الإسلامي بتاريخ دخول الإسلام إلى الصين، والاهتمام بشأن مسلمي الصين؛ باعتبارهم جزءًا لا يتجزأ من الوطن الإسلامي الكبير.

وبمناسبة زيارة نائب زعيم مسلمي الصين لمصر، نشرت مجلة (الإخوان المسلمين) في أحد أعدادها مقالاً، فصَّلت فيه تاريخ اتصال العالم الإسلامي بالدولة الصينية، وكيف سمح للمسلمين الوافدين على الصين من بلاد العالم الإسلامي بأن يكونوا جاليةً إسلاميةً، وينشئوا مساجدهم ومدارسهم، ويعينوا قضاتهم ومفتيهم، ويديروا شئونهم بأنفسهم تحت زعامة شيخ الإسلام.

كما ندَّد الإخوان بالممارسات الشيوعية في تركستان الصينية؛ حيث اجتاحت الشيوعية أقاليمها، واستولت على مقاطعها أمام مرأى ومسمع الحكومة الوطنية الصينية التي تراجعت أمام السيل الجارف الذي أعدته روسيا لاجتياح الشرق الأقصى كله.

كما قام قسم الاتصال بالعالم الإسلامي لجماعة الإخوان المسلمين الذي أُنشئ في أوائل عام 1944م للعمل على ربط الأقطار الإسلامية بعضها ببعض، وتوحيد السياسة العامة لها، والعمل على تحرير العالم الإسلامي من كل سلطان أجنبي، والاهتمام بشأن الأقليات الإسلامية في كل مكان بتأليف رسالة عام 1945م بعنوان: "الصين والإسلام"، والذي قام بتأليفها الأستاذ محمد تواضع، رئيس البعثات الصينية بالأزهر الشريف، والعضو بقسم الاتصال بالعالم الإسلامي.

ولقد أثمرت جهود الإخوان الطيبة في الاتصال بالشعب الصيني عن انتظام أحد رجال الصين وعلمائها في صفوف الإخوان المسلمين، وهو الأستاذ محمد تواضع؛ الذي ساهم بجهد كبير في تبليغ دعوة الإسلام إلى الشعب الصيني، إنه أحد أهم أعلام الإخوان المسلمين بالصين، وهو سفير الصين في مصر، ورئيس بعثة الصين إلى الأزهر، وهو صاحب كتاب "الإسلام والصين" الذي نشره قسم الاتصال بالعالم الإسلامي عام 1945م قبل أن تجتاح الثورة الشيوعية الصين، ذلك الكتاب الذي يستعرض تاريخ الصين قبل دخول الإسلام وبعده، ثم يتحدث بإسهاب عن أوضاع المسلمين والشخصيات البارزة وعدد المساجد والجمعيات فيها. وقد كتب مقدمة الكتاب الإمام البنا، وشرح فيها بجلاء وصفاء جوهر فكرة الإخوان المسلمين، وقال في مقدمته: "من الواجب على المسلمين مهما تباعدت أوطانهم، أو نأت ديارهم، أو اختلفت أجناسهم وألوانهم، أن يشعروا بأنهم أمة واحدة، وشعب واحد، وحدته هذه العقيدة، وألّف بين قلوب أبنائه الإسلام، لا تفرق بينهم أبدًا الحواجز الطبيعية، ولا الحدود الجغرافية، ولا العوامل السياسية، ولا المنافع الشخصية؛ لأن الله أرادهم هكذا أمة واحدة، كما قال تبارك وتعالى: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52)) (المؤمنون).

كما تطرق الإمام البنا إلى بيان نشاط الإخوان في الاتصال بالمسلمين في الصين فقال: "وكان من مقتضيات إنفاذ هذه الرؤية إنشاء قسم الاتصال بالعالم الإسلامي والبلاد العربية، وإسناده إلى أحد الإخوان العاملين من أعضاء مكتب الإرشاد، يعاونه فيه نخبة من الشباب المؤمن الغيور، وجعل مهمة هذا القسم الاتصال بالإخوان الأحبة من نزلاء مصر وضيوفها، من العرب ومن الأوطان الإسلامية المختلفة؛ لمعرفتهم، وتعرف أحوال بلادهم وأوطانهم، والتعاون معهم على الخير المشترك الذي يأمله الجميع باتحاد جهودهم، مع توثيق الصلة بالتزاور والمراسلة، وبكل وسيلة ممكنة بالهيئات الإسلامية العاملة، والشخصيات المجاهدة الفاضلة في تلك الأوطان جميعًا، ثم نشر المعلومات النافعة إلى الشعب المصري عن أفراد العالم الإسلامي والبلاد العربية، حتى يكون التعارف في أوسع دائرة ممكنة، وحتى نهيئ النفوس بذلك للدعوة العالمية المقبلة إن شاء الله".

ولقد ترجم له الأستاذ فهمي هويدي في كتابه "الإسلام في الصين"، وقال في شأنه: الشيخ محمد تواضع بانغ شي، المتوفى سنة 1958م، وهو عالم أزهري، كان ضمن المجموعة الأولى التي التحقت بالأزهر من أبناء مسلمي الصين، وقد عمل إمامًا ومعلمًا ومحررًا، فضلاً عن أنه أول من جلب حروف الطباعة العربية إلى الصين؛ مما قدَّم مساهمات كبيرة في نشر الثقافة الإسلامية بالصين، وإضافة إلى ذلك فقد ألف كتابًا بعنوان" ذكريات تسع سنوات في مصر"، وترجم كتاب "تاريخ التشريع الإسلامي" إلى الصينية، وكتاب "مذاهب الدين الإسلامي" وغيرها من الكتب.

كما نشر عددًا من المقالات في مجلة (هلال الصيني) المطبوعة آنذاك، وقد كان الشيخ تواضع على اتصال بجماعة الإخوان المسلمين خلال سنوات دراسته في الأزهر، حتى أرسلت الجماعة إليه في الثلاثينيات رسالة باسم "المسلمون في الصين".

---------------

أهم المراجع:

- الإسلام في الصين. فهمي هويدي. مطبوعات عالم المعرفة الكويت.

- الإسلام والصين: محمد تواضع. دار الطباعة للنشر والتوزيع القاهرة.

- الإخوان والعالم الإسلامي (1945- 1949م)، إعداد شركة البصائر للبحوث والدراسات.

- مقال بعنوان قراءة معاصرة في مقدمات الإمام البنا (عالمية الدعوة.. وضرورة أن تظلل أجنحتها كافة بلاد العالم الإسلامي) للدكتور محمود خليل بمجلة (المجتمع) الكويتية بتاريخ 29/5/2010م.

- مقال بعنوان في رحاب الفكر والأدب لجمال البنا في (المصري اليوم) بتاريخ 14/8/2009م.

- مقال بعنوان" قسم الاتصال بالعالم الإسلامي"، موقع (الموسوعة الحرة) للإخوان المسلمين بتاريخ 17/1/2011م.