مئتا غارة جوية روسية وأخرى تابعة لنظام بشار أحصتها مراكز رصد المعارضة السورية على مدن وبلدات معرة النعمان في ريف إدلب الشرقي، وقد كانت كافية لقتل أكثر من سبعة عشر مدنيا سوريا ونزوح وتشريد الآلاف وسط العراء والبرد القارس.

ففي بلدة معصران، كانت أسرة الآغا على موعد مع قصف طائرة حربية روسية لمزرعة صغيرة عندما كانت الأسرة تهم بإخراج ما تبقى من أمتعة وملابس، حيث دوى انفجار هائل في المكان، وفارق الحياة على الفور خمسة من أصل أفراد الأسرة الستة، لينجو أحدهم بأعجوبة ليقص  ما حصل.

ويقول عبد الرزاق (38 عاما) الناجي الوحيد من أسرة الآغا، إن القرية كانت شبه فارغة، ومعظم سكانها نزحوا نتيجة تصاعد القصف بشكل يومي بعشرات الصواريخ والقذائف.

ويضيف الآغا أن الأسرة نجحت في تأمين مسكن بديل، وكانت تهم بنقل أمتعتها من المزرعة قبل أن يسمع أفرادها صوت طائرة روسية تقصف المنطقة وتطلق صاروخا عليهم. ويروي الشاب الناجي بحزن كيف استفاق من صدمة القصف ليكتشف أن معظم أفراد أسرته فارقوا الحياة، ثم زحف وهو ينزف إلى أحد منازل المدنيين الذي نقله بسيارته لأحد المشافي.

ومع السقوط السريع للمدن والبلدات في ريفي إدلب الجنوبي والشرقي، تدفق الآلاف من المدنيين الهاربين من القصف وقذائف المدافع نحو المناطق الأكثر أمنا، ويخشى الأهالي انتقام النظام، وارتكاب إعدامات ميدانية دأبت قواته على القيام بها في كل منطقة تسيطر عليها.

ويقول "منسقو استجابة سوريا" إن أكثر من 80 ألف مدني هجروا منازلهم من تلك المناطق في الأيام الخمسة الماضية، ويتداول سكان المنطقة أن هناك تفاهمات دولية تتحدث عن تسليم معرة النعمان للنظام السوري كي يتمكن من فتح الطريق الدولية التي تربط حلب بجنوبي سوريا مرورا بالمدينة الخاضعة للمعارضة السورية.

وفي مدخل مدينة معرة النعمان الشمالي، تتحرك كل صباح عشرات الشاحنات والسيارات التي تغص بالمدنيين وما تيسر من أمتعتهم نحو الشمال، قبيل اقتحام النظام المنطقة وحلول الكارثة، على حد تعبير مدنيين .

ويقول عبد الرحمن العلي، وهو نازح من ريف معرة النعمان، إن الصواريخ كانت تسقط مثل زخات المطر على قريته وتحرق المنازل والأراضي، ويروي بألم كيف غادر قريته وهو يشاهد منزله يحترق بفعل أحد الصواريخ.

وبصوت مرتجف، يقسم العلي أنه لا يمتلك الآن سوى سيارة محلية الصنع التي يحمل بها أولاده الثلاثة وزوجته، قبل أن يدير محرك سيارته، ويغادر على عجل نحو الطريق العام إلى ريف إدلب الشمالي الأكثر أمنا حاليا.

في أقصى الشمال السوري، يشعر الواصلون من النازحين بالأمان النسبي بعد أن خرجوا من دائرة القصف الضيقة في جنوب شرق مدينة إدلب، لكن المعاناة تتخذ منحى جديدا يتلخص في الحصول على مسكن وطعام يسد الرمق بعد رحلة شاقة محفوفة بالخطر.

فقبل تدفق هذه الموجة الهائلة من النازحين في الأيام الماضية، يكابد آلاف المدنيين ألم الفراق وقسوة الطقس البارد في العراء، إذ يقدر عدد النازحين في مخيمات الشمال السوري بـ962 ألف نسمة، وقد يقفز العدد إلى أكثر من مليون نازح إذا عاود النظام حملته العسكرية في ريف إدلب، وهو ما حدث اليوم.

ويبلغ عدد المخيمات في الشمال السوري 1153، ضمنها 242 مخيما عشوائيا غير مزود بأي نوع من الخدمات الإنسانية من قبل الجهات الداعمة.

ويقول عدنان المحمد، وهو ناشط في الشأن الإغاثي بريف حلب، إن هيئات محلية أخذت على عاتقها استقبال النازحين ودعمهم، إذ انطلقت حملة لتقديم المعونات الإغاثية للواصلين من إدلب، وتأمين السكن لنسبة تقدر حتى اليوم بـ500 نازح في مساكن وخيام مؤقتة.