أكَّد “المركز العربي الإفريقي للحقوق والحريات”، في أحدث التقارير التي أصدرها السبت 29 ديسمبر، أن الوضع في سجن النساء بالقناطر في غاية السوء، حيث الإهمال الطبي ومنع الزيارة عن بعض سجينات الرأي، وغرف التأديب والانفرادي التى تقطنها بعض السجينات منذ سنين بمفردهن، وهو ما لا علاقة له بالحقوق ولا حتى بالإنسانية.

وعليه قال المركز، إن هذه الانتهاكات بحق النساء السجينات التي يقوم بها الانقلاب، تتطلب فتح تحقيق دولي، مناشدًا المجتمع الدولي سرعة إرسال بعثات تقصي حقائق تحقق وتراقب سجون مصر عن كثب، للوقوف على حقيقة الوضع الإنساني للمحتجزات في سجون مصر، إضافة إلى إطلاق سراح النساء والتوقف عن الزج بهن فى التصفيات السياسية.

كما طالب سلطات الانقلاب وجهات التحقيق فيه، كالنيابة العامة ومصلحة السجون، بتوضيح تلك الجرائم، فضلا عن التوقف عن سياسة انتهاك حقوق الإنسان، والضرب بالمعايير والمواثيق الدولية عرض الحائط.

وأدان المركز بشدة ما تتعرض له نساء مصر داخل مقرات الأمن الوطني وداخل السجون من تعذيب وتنكيل، فضلا عن إدانة مسلسل الاعتداءات والانتهاكات بسجن القناطر للنساء، الذي يصنف من أسوأ السجون المصرية، فى تعمّد واضح من إدارة السجن بالإضرار بحياة سجينات القناطر.

عشرات الرسائل

ونقل المركز عشرات الرسائل المسربة من داخل سجن القناطر للنساء عن طريق أسرهن، يشتكين فيها حالهن وما يتعرضن له من أذى بدنى ونفسي داخل محبسهن دون مراعاة لحقوقهن كمعتقلات رأي، لم تثبت إدانتهن فيما نسب إليهن من قضايا، سوى أنها قضايا سياسية ملفقة تمت كتابتها للزج بهن في غيابات السجون.

واستعرض تقرير المركز رسائل لسيدة تشكو محاسبتها واعتقالها بعد دفاعها عن نجلتها، قالت فيها: “ألا يوجد في هذه الأمة رجل رشيد يُجيب عن تساؤلاتي!

لماذا أنا في السجن؟

أليست غريزة الأمومة خلقها الله بداخل جميع الكائنات؟

فلماذا أُعاقب على بحثي عن ابنتي؟

ولماذا تقطع أوراق إخلاء سبيلي بعد أن يتم التصديق عليها؟

يا أطباء أجيبوني: هل يوجد جراحة لاستئصال غريزة الأمومة من داخلي، حتى يسمحوا لي بالخروج من السجن، حتى يضمنوا أنني لن أبحث عن ابنتي ثانية؟

لقد ثقُل قلبي من وجع الفقد ووجع السجن، وانتهكت روحي من كثرة الأمل الذي لا تشرق شمسه في ظلمة الحبس، أعلم أنه لا يعرف العذاب بالقيد إلا من حزّ القيد رسغه، ولا يدرك المرارة إلا من غص المرار حلقه”.

متى أرى الشارع؟

كما نقلت عن معتقلة أخرى تتمنى رؤية الشارع بعد احتجازها ظلمًا لأكثر من عامين:

“محتاجة جدًا إنى أروّح.. وإحنا رايحين الجلسة عربية الترحيلات عطلت بينا فنزلونا دقيقة، ياه على الفرحة والدموع، وأنا أول مرة أنزل الشارع من سنتين ونص، كمية الفرحة اللي نستنى إننا فضلنا ساعتين في العربيى على الدائري لحد ما جت عربية تانية”.

– وثالثة تطالب فيها بالخروج من السجن بأي حل سياسي وإنهاء الأزمة:

“في ظل ما تعرضت له النساء السجينات في السجون المصرية من الألم والمعاناة والحرمان من ذوينا وأطفالنا، فبيننا الأمهات المحرومات من فلذات أكبادهن، وبيننا الفتيات الصغيرات اللاتي حرمن من استكمال تعليمهن وممارسة حقهن الطبيعي في الحياة، وبيننا المسنات الكبيرات واللاتي شارفت أعمارهن الستين عاما ويعانين من أمراض كثيرة، وفي ظل تجاهل كل الأطراف مما تعانيه النساء، قررنا أن نرسل هذه الرسالة كصرخة منا لكل ذي عقل رشيد ولكل من بيده مقاليد هذه الأزمة أن ينظر إلينا نظرة إنسانية لإخراجنا من المعادلة السياسية التي أقحمنا فيها منذ أكثر من ستة أعوام.. ونحاول الوصول إلى حل نتمكن به من العودة لحياتنا الطبيعية ونعلن تضامننا مع المصالحة المطروحة من قبل الشباب السياسيين بالسجون المصرية.. خرجونا.. أنهوا الأزمة”.

الإهمال الطبي

– ورابعة تشتكي حالتها الصحية تقول:

“هل من أحد يهتم لأمري؟!

يا سيدي يا من تكرمت واهتممت لأمري..

أعلم أنني لم أكتب هذه الرسالة إلا بعد أن فاض الكيل وزاد.

عندما قبض علي كنت أشتكى من بؤرة صغيرة جدًّا في الكبد والتحاليل والأشعة المبدئية أثبتت أنها بؤرة سرطانية، وبعد دخول السجن سنة 2016 بعد مرحلة العذاب الأولى من أمن الدولة وصلت لمرحلة العذاب الثانية، وهي معاناتي في سجن القناطر وأطباء مستشفى سجن القناطر أخذوا علاجي، وما كان في حسباني أن تكتب التقارير في ذلك الأمر لأنني أعلم جيدا أنهم يخشون ذلك.

حُجزت في مستشفى سجن القناطر لأكثر من عام ونصف بسبب الغيبوبات المتكررة؛ نتيجة تليف الفص الأيسر من الكبد، وتضخم الفص الأيمن، فهذا هو المثبت، وكانت معاناتي في إثبات المنفي وهو البؤرة السرطانية، ولكن بدأت مرحلة جديدة من المرض، وهي نزيف الدم الأسود المتكرر المصاحب بألم لا يوصف.

وعندما طالبت بخروجي لعمل أشعة تداخليه بالقصر العيني حتى آخذ علاج وتتوقف هذه المعاناة، لكن للأسف التقرير الذي سيبني عليه خروجي قال إنه مفيش أي مشكلة في الكبد، ونفوا المثبت عندهم أصلا، وقال المشكلة إن عندي التهاب في المعدة بسيط.

فعندما قلت له هذا التقرير على مسئوليتك قال ما هوا علشان على مسئوليتي قولت حضرتك فاهم خطأ عندما قلت على مسئوليتك.. المقصود أمام ربي وليس أمام أحد من البشر أخفض عينيه للأرض للأسف، الله المستعان.

والله ما كنت أكتب عن حالتي إلا بعد أن نفد الصبر والتحمل فالألم أصبح يفوق مقدرتي على التحمل، وللأسف لم يتحرك ساكن فكلهم عبد المأمور كما يقولون.. ربي أبرأ إليك من حولي وقوتي إلى حولك وقوتك”.

الحق في التعليم

كما تطالب رسالة أخرى بحقها في التعليم والحياة، تقول:

“أنا طالبة بالفرقة الثالثة بكلية الهندسة ولم أكمل دراستي بسبب اعتقالي لمدة خمس سنوات.. تلك المدة التي قضت على مستقبلي وحلمي بالتخرج من كليتي كمهندسة، كأول إنجاز لي في حياتي يؤهلني لخدمة وطني الذي اُتهمت بتخريبه والمساس والإضرار بأمنه القومي في عدة قضايا مختلفة.. وأشهد الله أنني لست علي صلة بأي منهم، وقد سبق وتم الحكم علي بعقوبة الحبس لمدة ثمانية عشر عاما دون النظر إلى أثر ذلك على مستقبلي وحياتي وحياة أسرتي، والتي قد بذلت قصارى جهدها لتجعلني فردا صالحا يخدم مجتمعه.. لتُكافأ في نهاية المطاف باعتقالي وضياع أملهم بي.. ثم حكم علي بثمانية عشر عاما ولم يعبأ أحد بضياع مستقبلي.

أطالب فقط بإعادة النظر في التهم الموجهة لي كفتاة تبلغ من العمر حينها واحدا وعشرين عاما، والنظر في ذنبي الذي حولني من مهندسة إلى معتقلة، من فرد هدفه الأسمى خدمة وطنه إلى معتقلة إذا استمر بهذا الوضع فسينتج شخصا عاطلا جديدا في المجتمع عاجزا عن الحياة إن وجدت فيما بعد. بأي ذنب تضيع أحلامي ويجحد بي وطني!

بأي ذنب تحتمل أمي ما لا يطاق وتعاني ما تعانيه وهي لم تدخر جهدا في تربيتي وتعليمي لنكافأ في آخر الأمر بالانتظار في طوابير الزيارات لمدة خمس سنوات!.

خمس سنوات لا تكفر عن ذنب لم أرتكبه أصلا!

خمس سنوات لا تكفي لإعادة تعويضي عما فاتني من دراستي!

خمس سنوات لا تكفي لإعادتي لأمي!

خمس سنوات لا تكفي لإعادتي لحياتي الطبيعية!”.

مئات الحالات

وقال المركز الحقوقي، إنه استلم المئات من الرسائل التي لا يتسع المجال لكتابتها جميعا، توضح المعاناة والانتهاكات، بداية من الاحتجاز التعسفي والسجن والإهانة والتحرش داخل المعتقلات، مهددات بالاغتصاب حينًا وبالتعذيب حينًا، وبامتهان الكرامة في كل الأحيان والحرمان من الزيارة ومنع دخول الطعام أو الأدوية، وأحكام حبس تصل إلى المؤبد بسبب آرائهن أو القرابة أو النسب أو نشاطهن الحقوقي.

وفي ختام التقرير أرسل المركز العربي الإفريقي للحقوق والحريات رسالة تدق ناقوس الخطر، بعد وفاة السجينة مريم سالم من معتقلات سيناء، نتيجة الإهمال الطبي بمحبسها بسجن القناطر، بعد تركها دون رعاية طبية رغم علم إدارة السجن بحالتها الخطيرة.