"أوقفوا العمرة. مصر أهانتنا"، هذه هي صرخة معتمر فلسطيني بعد قضائه يومين في طريق العودة من مطار القاهرة الدولي إلى معبر رفح البري، وتتعمد السلطات المصرية تأخير وصولهم وفرض مبالغ مالية عليهم.

وعمت حالة من الغضب صفوف المعتمرين الفلسطينيين؛ بسبب إهانة سلطات الانقلاب المصرية لهم، فضلاً عن تسببها بإيقاع خسائر مالية كبيرة في صفوف شركات الحج والعمرة العاملة في قطاع غزة، من خلال تعمّدها تأخر وصول المعتمرين إلى طائراتهم.

المعتمر محمد عودة عاد إلى قطاع غزة، فجر الأربعاء (الأول من يناير)، بعد تأديته مناسك العمرة في مكة المكرمة بالسعودية، ولكن رحلته لم تكن كما أراد لها؛ إذ شهد إذلالاً لم يتعرض له في حياته من قبل جنود السيسي.

ويعد ترك المعتمرين في الحافلات وسط سيناء، وداخل مطار القاهرة، ومعبر رفح، ساعات طويلة تتجاوز اليومين، من أبرز أشكال الإهانة التي يتعرض لها الفلسطينيون الذين يسلكون طريق مصر للوصول للسعودية، وفق ما يؤكد "عودة" في حديثه .

وتتعمد سلطات الانقلاب المصرية إهانة المسافرين الفلسطينيين؛ من خلال الحواجز العسكرية كثيرة العدد التي تضعها على طريق سفرهم، وتفتيشهم عليها، وتأخير وصولهم إلى مطار القاهرة أو المعبر، واعتقال بعضهم أحياناً.

ويستخدم سكان قطاع غزة معبر رفح البري الحدودي مع مصر للتنقل للعالم الخارجي، عبر قطع مسافة 500 كيلومتر إلى مطار القاهرة، ومن ثم إلى وجهتهم العالمية. وتصل تسعيرة نقل المسافرين الفلسطينيين من معبر رفح إلى مطار القاهرة الدولي في حال كانت الأسعار مرتفعة إلى 20 دولاراً.

ولم تشفع الأموال الباهظة التي دفعها المعتمرون الفلسطينيون للسلطات المصرية، والبالغة 390 دولاراً عن كل معتمر من أجل تسهيل وصولهم إلى مطار  القاهرة ثم عودتهم إلى معبر رفح، في تحسين ظروف تنقلهم، حسب "عودة".

وبلغت رسوم العمرة في قطاع غزة هذا العام 890 ديناراً أردنياً (1255 دولاراً أمريكياً)، في حين لا تتجاوز تكلفة العمرة لسكان الضفة الغربية حاجز الـ250 ديناراً أردنياً (352 دولاراً).

وبدأت القاهرة والرياض برفع تكاليف العمرة على سكان قطاع غزة تدريجياً، إذ كانت الرسوم في 2012، 500 دينار (705 دولارات)، ثم ارتفعت لتصل إلى 700 دينار (987 دولاراً)، وصولاً إلى 890 ديناراً.

وتصل مدة العمرة إلى 14 يوماً، وتشمل التكلفة التي أعلن عنها التأشيرة من قبل السفارة السعودية بالعاصمة المصرية، ثم النقل الداخلي في المملكة، ومصاريف مندوبي مصر والسعودية.

المعتمر حسام حمودة لم يكن أحسن حالاً من "عودة"؛ فالآخر مكث في صالة الانتظار بمعبر رفح 43 ساعة قبل تحركه إلى مطار القاهرة ثم إلى مكة المكرمة، ولكن طائرته قد أقلعت، وهو ما تسبب بخسارة له وللشركة التي تنقله.

ومكث "حمودة" في مطار القاهرة، ، 18 ساعة، حتى تم حجز طائرة جديدة له وللمعتمرين المرافقين له، والبالغ عددهم 500 معتمر، بسبب الإجراءات المصرية.

ويتساءل حمودة عن "سبب المعاملة السيئة التي يتلقاها المسافر الفلسطيني من قبل المصريين رغم الأموال الكبيرة التي تدفع لهم".

وإلى جانب رفع أسعار العمرة أقدمت السلطات المصرية على رفع تسعيرة نقل الحجاج خلال الموسم الماضي من معبر رفح إلى مطار القاهرة من 300 دولار إلى 610 دولارات عن كل حاج.

علماً أن التسعيرة المعمول بها منذ سنوات طويلة لم تتجاوز الـ300 دولار، كما أنها كانت أقل من 100 دولار قبل وصول قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي إلى الحكم في مصر، صيف عام 2014.

رئيس جمعية شركات الحج والعمرة، عوض أبو مذكور، يؤكد تعرض الشركات الفلسطينية لخسائر مالية تقدر بـ33 ألف دولار أمريكي؛ بسبب تأخر وصول ومغادرة المعتمرين لمطار القاهرة، بسبب الظروف الأمنية التي تعيشها سيناء.

ويعرض أبو مذكور في حديثه لـ"الخليج أونلاين" أبرز المحطات التي عانى منها المعتمرون خلال عودتهم إلى قطاع غزة؛ وكان أولها هو مكوثهم في الإسماعيلية قرب قناة السويس؛ بسبب عدم السماح لهم بالوصول للمعبر ليلاً لوجود منع التجوال في سيناء.

ويوضح أبو مذكور أنه بسبب تأخر وصول المعتمرين لمطار القاهرة "لم يدرك هؤلاء موعد إقلاع الطائرات، وهو ما تسبب بخسائر إضافية على الشركات".

وأمام ما تعرض له المعتمرون من إهانة من السلطات المصرية بدأت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية في دراسة وقف رحلات العمرة نتيجة خلل في تنفيذ الإجراءات المتفق عليها في نقل المعتمرين.

جاء ذلك على لسان الناطق باسمها، أمير أبو العمرين، في تصريح له؛ بأن وزارته مستاءة جداً من الإجراءات القاسية التي تمت مع عودة المعتمرين لقطاع غزة وتأخيرهم، رغم دفعهم لمبالغ كبيرة.

وكشف "أبو العمرين" اعتقال السلطات المصرية لأحد المعتمرين، وإعادة الناس إلى الفنادق، ما يرتب عليهم تكاليف مالية إضافية.

وشدد على أن كل الخيارات مفتوحة أمام الوزارة، ومن ضمنها خيار وقف العمرة إلى حين الاتفاق على إجراءات تناسب الجانب الفلسطيني.

واستدرك بالقول: "حتى الآن لم نتخذ قراراً، مجلس الإدارة والعمل الحكومي يدرسان الموضوع، وجارٍ متابعته، وكل الخيارات مفتوحة، وبالنسبة إلينا نرفض أن يكون المعتمر مُهاناً. لا نريد عمرة تترافق مع إهانة المعتمر والمواطن الفلسطيني".

وللسنة الـ12 توالياً، يعيش أكثر من مليوني فلسطيني في غزة ظروفاً اقتصاديةً ومعيشية صعبة؛ في ظل تفشّي البطالة، وشحّ فرص العمل، واستمرار الحصار الذي منع إعمار بيوتٍ هدّمتها حروب 2008 و2012 و2014.

ومنذ سنة 2006، وأزمات قطاع غزة الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية تتفاقم بشكل متسارع؛ بفعل الحصار الصهيوني المشدد المفروض عليه، واستمرار الخلاف الفلسطيني الداخلي.