منذ الخامس عشر من ديسمبر الماضي، تخيم مئات النساء المسلمات عند مفترق الطرق بالقرب من نيودلهي في المنطقة التي تعرف باسم شاهين باغ متحدين شتاء باردا جدا، شتاء هو الأبرد منذ أكثر من قرن، للاحتجاج على قانون التيمييز ضدهن كأقلية في الهند ذات الغالبية الهندوسية. فقانون تعديل المواطنة، الذي تم إقراره في 12 ديسمبر، يمنح الجنسية للاجئين من أفغانستان وبنجلاديش وباكستان من كل الملل والنحل ما عدا المسلمين.

وقد أثار القانون وما زال مظاهرات حاشدة في جميع أنحاء البلاد، كان الكثير منها بقيادة طلاب جامعيين، لكن الاحتجاج في شاهين باغ لفت انتباه الجميع لأنه أصبح تجمعًا موحدًا بقيادة النساء في مجتمع مجزأ. وقد اجتذب احتجاج شاهين باغ بشكل ملحوظ المسلمين والهندوس والمسيحيين والسيخ والأقليات الدينية الأخرى.

وتمثل هؤلاء النسوة ما يقرب من 600 مليون امرأة هندية تؤمن بالأسس الديمقراطية لحرية التعبير والحرية والمساواة والحرية الدينية - وهن اللائي سيتعرضن للتهديد الأكبر بموجب قانون الجنسية. ففي الثاني عشر من يناير، غمر عشرات الآلاف من الناس مفترقات الطرق تلك، وتم عقد خدمات دينية متعددة الأديان هناك كنوع من التضامن. وقد ألهمت الاحتجاجات نساء أخريات في جميع أنحاء الهند، بدأن مظاهرات مماثلة في كانور، الله أباد وباتنا.

لكن هل تنتبه الحكومة؟

يذكرنا احتجاج شاهين باغ بأنه من المستحيل تحويل مجتمع الهند التعددي دينياً إلى دولة ذات عقيدة واحدة، ويعتقد الكثيرون أنها الدافع الدقيق وراء مشروع القانون. وهؤلاء المحتجون يقاتلون من أجل تاريخ الهند الطويل كدولة متنوعة دينياً.

بدأت الاحتجاجات من قبل مجموعة متنوعة من النساء المسلمات، بدءاً من السبعينيات وحتى الأمهات الصغيرات اللائي يحتضن أطفالهن. بعضهن يرتدين الحجاب. والبعض الآخر لا يرتدينه. بعضهن حاصلات على تعليم جامعي، وأخريات لم يتجاوز تعليمهن المدارس الابتدائية.

هؤلاء النساء يهدفن إلى كشف الأكاذيب التي نشرها المتطرفون الدينيون في السنوات الأخيرة -  بأن الأساس الديمقراطي في الهند لم ينجح في مجتمعها متعدد الأديان! والآن تتحدث النساء المسيحيات والهندوس والسيخ عن كرم الضيافة الحار الذي يتلقونه من النساء المسلمات عند انضمامهن إلى الاحتجاج. ولا يوجد خلاف بين هذه المجتمعات الدينية. إنهم متحدون في خوفهم ومصممون في تطلعاتهم. يتشاركن في الشاي والوجبات الخفيفة والعناية ببعضهن البعض. إن صور وأفعال هذا الاحتجاج تحطّم الصورة النمطية التي يروجها البعض في الهند ومفادها أن المسلمين الهنود متطرفون.

وفي الوقت نفسه، لا تترك هؤلاء النساء مساحة تذكر لأي شخص للتشكيك في ولاءهن للهند. فهن يغنين النشيد الوطني ويقرأن ديباجة الدستور وهن يحملن صورة بي آر. أمبيدكار، مهندس الدستور الهندي. وفي جميع الاحتجاجات في جميع أنحاء الهند، ستجد لافتات بها صور لزعيم الطبقات الدنيا في الهند المعروف باسم داليتس Dalits. وأصبح أمبيدكار، الذي لا يعرفه الغرب بسبب شهرة المهاتما غاندي، شخصية موحدة للهند المعاصرة. إنه يستحق التقدير لمساهمته في أكبر ديمقراطية في العالم.

ومن أبرز المتظاهرات شابات مسلمات متعلمات يعبرن عن وطنيتهن ومعارضتهن لقانون تعديل المواطنة. هذا تطور جديد للهند - صعود الشابات. في جميع أنحاء الهند، يميز العديد من الاحتجاجات ضد القانون بشباب شكلوا مجموعاتهم الخاصة ولا يثقون في السياسيين والأحزاب السياسية. وأصبحت الاحتجاجات الطلابية، مثل الاحتجاجات في هونج كونج، علامة مميزة للحركات الاجتماعية في السياسة الحديثة. وعلى الرغم من أن الدولة يمكن أن تطلق العنان للاعتقالات وحتى للعنف، إلا أنها لا تستطيع احتوائها لأن الشباب واع، ومتحرك وملتزم بقضية الحرية والمساواة.

قد تحاول الحكومة المحلية فض مظاهرة شاهين باغ بحجة أنها تمنع المواصلات العامة وتسبب إزعاجًا عن طريق زيادة وقت السفر حول نيودلهي. لكن الطريقة الأكثر ذكاءً تتمثل في الوصول إلى هؤلاء النساء والاستماع إلى ما يقلن. احتجاجهن، مثله مثل الآخرين في جميع أنحاء البلاد، هو صرخة من المسلمين الذين يريدون الحفاظ على كرامتهن كمواطنين هنود.

لقد أحدث قانون تعديل المواطنة والسجل الوطني المقترح للمواطنين حالة من عدم اليقين بالنسبة لملايين المسلمين حول مستقبلهم كمواطنين هنود. هذا أمر مثير للقلق، لا سيما بين الفقراء، الذين غالباً ما لا يحملون شهادات ميلاد لإثبات سوابق جنسيتهم. آمل أن يغير من هم في السلطة القانون ويجعلونه شاملاً للجميع ويضم المسلمين الذين لجأوا للهند فرارا من الاضطهاد الديني. الاضطهاد لا يعرف أقلية أو أغلبية؛ إنه يعرف فقط أولئك الذين يختلفون معك ويدافعون عن حرية الفكر والحياة.

رئيس الوزراء ناريندرا مودي، المدافع عن ثقافة الهند هو الأكثر قدرة على التواصل مع نساء الهند وتغيير المسار من خلال توجيه حكومته لتغيير قانون تعديل المواطنة. وهو لو فعل ذلك سيكون مدافعا عن تقاليد الثقافة الهندوسية الأرقي في العالم: ثقافة الشمولية والاحترام المتبادل.

المصدر: The Hill