السيسي وسجن العقرب

استطاع السيسي أن ينقلب على الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي، ويعيد بسياسته حكم السجن الحربي لكن هذه المرة داخل سجن العقرب الذي أطلق عليه بحق مقبرة العقرب.

سجن العقرب أو سجن 992 هو سجن شديد الحراسة يقع ضمن مجموعة سجون طرة جنوب القاهرة؛ حيث على بعد 2 كم من بوابة منطقة سجون طرة الرسمية، إلا أن وضعه كسجن شديد الحراسة، وكآخر العنقود في سلسلة طرة الشهيرة، جعل موقعه، رغم أنه في مؤخرة السجون مميزًا، فهو محاط بسور يبلغ ارتفاعه سبعة أمتار وبوابات مصفحة من الداخل والخارج، كما أن مكاتب الضباط تقع بالكامل خلف الحواجز والقضبان الحديدية.

اقترح فكرة سلسلة السجون شديدة الحراسة مجموعة من ضباط الشرطة عقب عودتهم من بعثة تدريبية في الولايات المتحدة الأمريكية، واعتبرتها وزارة الداخلية فكرة خلاقة وكافية لسد ما اعتبرته عجزًا في سياستها مع الجماعات المسلحة بشكل خاص في عام 1991 بدأ وزير الداخلية السابق حسن الألفي ومجموعة من مساعديه ـ من بينهم اللواء حبيب العادلي مساعد الوزير لشئون أمن الدولة آنذاك ـ في تجهيز هذه الأفكار الأمريكية ووضعها على أولوية التنفيذ الفوري.

كانت البداية، في العام نفسه، من سجن طرة شديد الحراسة (المعروف بعد ذلك ـ بين المعتقلين ـ بسجن العقرب) الذي استغرق بناؤه عامين، ليتم الانتهاء منه في 30 مايو 1993.

فور الانتهاء من بناء السجن وضعت الداخلية جداول لنقل المعتقلين من سجون "ليمان واستقبال طرة وأبو زعبل" إلي السجن الجديد، حتي جمعت الداخلية قرابة 1500 معتقل من منطقة طرة القديمة وخارجها، وتم ترحيل الجميع لزنازين شديد الحراسة الجديد ليكون يوم دخولهم هو يوم الافتتاح الرسمي للعقرب يوم 26 يونيو 1993، الذي حضره العادلي مساعد الوزير، الذي حرص على أن يكون السجن الجديد ناجحا من حيث قدرته على إخفاء المعتقلين، واستنطاقهم بمختلف الطرق.

يتكون السجن من 320 زنزانة مقسمة على 4 عنابر أفقية تأخذ شكل الحرف H، بكل زنزانة مصباح قوته 100 وات تتحكم بها تقلبات السياسة العقابية في إدارة السجن، بحيث تستطيع الإدارة قطع المياه والإضاءة وغلق الشبابيك حسب ما تراه مناسبا. من ناحية أخرى خصص الرسم الهندسي مساحة 25 مترًا في 15 مترًا على شكل الحرف L بغرض التريض "أحيانا"، كما تستخدم 20 زنزانة كعنابر تأديب خاصة بالمعتقلين السياسيين يمنع عنهم فيها الإضاءة وتبادل الحديث.

وكل عنبر، في شديد الحراسة، ينفصل بشكل كامل عن باقي السجن بمجرد غلق بوابته الخارجية المصفحة، فلا يتمكن المعتقلون حتى من التواصل عبر الزنازين، كما يفعل المساجين في السجون العادية، نتيجة الكميات الهائلة من الخرسانة المسلحة التي تمنع وصول الصوت().

وعن تسمية السجن باسم "العقرب" فإن التصميم الهندسي للسجن يشبه في صورته النهائية العقرب، إذا ما تمت رؤيته من الأعلى، ولا علاقة للمسمى بطبيعة تأمينه، أو كونه شديد الحراسة من عدمه.

وكانت غالبية منظمات حقوق الإنسان المصرية قد طالبت بشطبه من قائمة السجون المصرية بعد قيام ثورة يناير-كانون الثاني عام 2011 لأنه كان يرمز فعلا إلى الحدود القصوى غير المشروعة وغير الإنسانية في التعامل مع نزلاء السجون.

إن حراس سجن العقرب وطباخيه وأطباءه وممرضيه والمشرفين عليه من جهاز الأمن الذين تلقوا دورات تدريبية في مجال فنون التعذيب الجسدي والنفسي في الداخل أو في الخارج، ولأن نظام هذا السجن يتطلب إقامة علاقة مستمرة بين الجانب النظري من جهة وتطبيقاته العملية من جهة أخرى، ولذا تجده يمارس فيه أبشع أنواع التعذيب، وزاد من هذا النهج بعد انقلاب السيسي على الحكم.

ويعد سجن طرة 992 شديد الحراسة أقسى سجون مصر وأكثرها رعبا حتى عرف باسم "سجن العقرب" نتيجة سمعته السيئة.

وبمجرد إغلاق البوابة الخارجية المصفحة ينعزل كل عنبر تماما عن باقي السجن، ويغيب كل شيء وراء الزنازين الضيقة، ويحرم التواصل مع أي إنسان، حتى أن الصوت لا يتسرب إلى الزنازين المجاورة بسبب الكميات الهائلة من الخرسانة المسلحة.

لا تغيب أصوات المساجين من شدة التعذيب في سجن العقرب، ففي غرف التعذيب تتعدد الوسائل، منها عصي وأجهزة صعق كهربائي وسلاسل سقف لتعليق السجين.

وتقول المنظمات الحقوقية والإنسانية: إن المعتقلين يتعرضون للضرب والصعق بالكهرباء وحتى للتحرش والاغتصاب، بالإضافة إلى تعليقهم لساعات طويلة، يضاف إلى هذا التعذيب التجويع والحرمان من الدواء ومنع دخول الطعام ونقص الأفرشة، ومنع الزيارات العائلية جزء من التعذيب؛ حيث يعاني أهالي المعتقلين في سبيل رؤية أقربائهم().

يروي أحد مساجين العقرب كيف تم نقلهم إلى سجن العقرب وكيف أنهم جردوا من ملابسهم كلها ماعدا "البوكسر" فقط عند نزولهم من سيارة الترحيلات عند بوابة السجن وتم ضربهم بشدة بالهروات وأمرهم بالجري أمامهم.

"عاملونا كالبهائم عند إدخالها الحظائر، لا تعرف طريقها إلا بالمكان الذي تتفادى به الضرب، وهكذا صرنا نجري شبه عرايا بينما تلاحقنا عصيان العساكر من الأجناب والخلف توجهنا يمينًا ويسارًا حتى دخلنا الزنازين، وبعد فترة من دخولنا، حكينا ما حدث لنا من خلال فتحات الزنازين للمعتقلين الذين سبقونا فقالوا لنا أنتم أحسن منا حالًا فنحن قد تم تعريتنا تمامًا وتم إجبارنا على الزحف عرايا على الأسفلت ثم لداخل السجن ونحن يتم ضربنا"().

العالم كله يعلم ما يجري في سجن العقرب الذي أراد العسكر إعادة أمجاد السجون الحربية في ثوبه، حيث نشرت صحيفة "البايس" الإسبانية تقريرا تحدثت فيه عن سجن العقرب المصري "الذي تمارس فيه أسوأ أشكال الانتهاكات في حق السجناء".

وجاء في تقرير لمنظمة العفو الدولية: فإن المحتجزين يقبعون "في زنازين مكتظة وملأى بالبعوض والذباب والحشرات، وتصل درجة حرارتها إلى نحو 40 درجة مئوية في الصيف؛ لأنها من دون مراوح أو أجهزة تهوية مناسبة. كما تحرم سلطات السجن المحتجزين من الرعاية الصحية الكافية، ولا تسمح لهم بتلقي الطعام أو المشروبات من أسرهم، وفرضت قيودًا على الملابس والأدوية"().

فسجن العقرب وأمثاله، لا يخضعُ لأي شكلٍ من أشكال الرقابة والتفتيش من قِبل منظمات المجتمع المدني.

لا يختلف الوضع بين ما عاشه الشهب المصري في عهد عبدالناصر وبداية العسكر وما يعيشه الشعب الآن تحت حكم العسكر والسيسي في القرن الواحد والعشرين؛ حيث إن العقلية لم تتغير ومنهجية التعذيب ثابته، وحتما سيهدم سجن العقرب كما هدم السجن الحربي من قبل وتحول لإستاد مدينة النصر، إلا أن العقلية العسكرية لا تعي الدرس.

------------

()  ويكيبيديا الموسوعة الحرة: https://bit.ly/389Xler

()  العقرب.. تعرف على السجن الأكثر رعبا في مصر: الجزيرة نت، https://bit.ly/2TokVju

()  هيثم غنيم: المقبرة .. نظرة من داخل سجن العقرب: نون بوست، https://bit.ly/383oKig

()  ماذا يحدث في سجن العقرب: رصيف 22، https://bit.ly/30lYMnB