يبدو أن الاحتجاجات المتواصلة على قانون الجنسية المثير للجدل في الهند لن تتوقف بالرغم من كلفتها البشرية الباهظة، إذ أدت لمصرع نحو أكثر من 46 شخصا معظمهم من المسلمين منذ اندلاعها في ديسمبر الأول 2019 وحتى الآن، كان بعضها على يد قوات الأمن، والبعض الآخر من قبل متطرفين هندوسيين هاجموا المسلمين المحتجين، فيما أشار مسؤولون إلى العثور على آثار للرصاص في أجساد المصابين ممن تم نقلهم إلى المشافي.

وتوقفت صحيفة “لوبارزيان” الفرنسية عند موجة العنف الطائفي التي تشهدها العاصمة الهندية في الأيام الأخيرة، والتي أدت إلى سقوط 46  قتيلًا وأكثر من 200 جريح، وهي الأسوأ في نيودلهي منذ عام 1980.

وذكّرت الصحيفة الفرنسية في البداية، بمصدر أعمال العنف هذه، والذي يعود إلى معارضة قوميين هندوس، بطلب من أحد زعمائهم المحليين، لعملية قطع  طريق من طرف نساء مسلمات، احتجاجا منهن على قانون مثير للجدل حول المواطنة، تم التصويت  عليه في شهر ديسمبر الماضي.

لكن، على نطاق أوسع ، يندرج هذا العنف ضمن سياق تصاعد للقومية الهندوسية منذ عدة سنوات، يجسده رئيس الوزراء ناريندرا مودي، وحزبه الحاكم “الشعب الهندي/ حزب بهاراتيا جاناتا”، كما توضح الصحيفة الفرنسية.

وتتابع الصحيفة الفرنسية التوضيح أن أحد التعديلات التي أغضبت السكان المسلمين، ضمن نص قانون الجنسية هذا الذي تمت المصادقة عليه يوم 11 من ديسمبر الماضي، هو اعتزام  السماح بتجنيس المهاجرين غير النظاميين من ثلاثة بلدان مجاورة، بشرط ألا يكونوا مسلمين.

ولذلك، يرى فيه المواطنون المسلمون أكثر بكثير من مجرد كونه قانونا جديدا حول الهجرة، بل إن الغاية منه بحسبهم، هو جعلهم يفهمون أنهم مواطنون من الدرجة الثانية. وعليه، قرر المسلمون الهنود التظاهر ضد هذا القانون في جميع أنحاء البلاد للدفاع عن مبادئ العلمانية والمساواة. ولكن، أيضاً احتج ضد القانون العديد من الهندوس والسيخ والمسيحيين، كما تنقل الصحيفة عن إنغريد ثيراث، وهي صحافية وباحثة في العلوم السياسية مختصة في الشؤون الهندية.

قلق دولي

وقد أعربت المنظمات الدولية والعربية وبعض الدول المسلمة -بما فيها تركيا وباكستان وإندونيسيا وإيران- عن قلقها ضد هذه الاضطرابات الطائفية، وقد أصبحت إيران رابع دولة ذات أغلبية مسلمة ترد بشكل رسمي؛ حيث أدان وزير خارجيتها جواد ظريف موجة العنف المنظم ضد المسلمين الهنود، الذي أضاف قائلا: "منذ قرون كانت إيران صديقة للهند، ونحث السلطات الهندية على ضمان رفاهية جميع الهنود، وعدم السماح للبلطجة الحمقاء أن تسود"، مؤكدا أن الطريق إلى الأمام يكمن في الحوار السلمي وسيادة القانون.

من جانبها استدعت وزارة الشؤون الخارجية بالهند سفير إيران لديها، اليوم الثلاثاء، وطلبت منه عدم إدلاء المسؤولين الإيرانيين بتصريحات في الشؤون الداخلية للهند.

وقد نقلت إندونيسيا مخاوفها بشأن أعمال الشغب إلى المبعوث الهندي في جاكرتا بعد أن أصدرت وزارة الشؤون الدينية بإندونيسيا بيانًا أدان فيه العنف ضد المسلمين الهنود.

وفي إشارة إلى أعمال شغب وعنف في دلهي، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن هناك مذابح ضد المسلمين تنتشر في الهند. كما حذر رئيس وزراء باكستان عمران خان من نشاطات متطرفة ضد المسلمين الهنود، مضيفاً أنه ستكون له عواقب وخيمة ليس فقط على المنطقة بل على العالم كله.

كما قامت منظمة التعاون الإسلامي بإدانة أعمال الشغب والاضطرابات الطائفية في أعقاب تصاعد التوترات والاشتباكات العنيفة التي اندلعت بين مؤيدي ومعارضي قانون المواطنة الجديد؛ حيث ذكر بيان صادر عن المنظمة يوم الخميس الماضي أنها تدعو السلطات الهندية إلى تقديم المحرضين على أعمال العنف ضد المسلمين ومرتكبي هذه الأعمال إلى العدالة وضمان سلامة وأمن جميع مواطنيها من المسلمين، وحماية الأماكن المقدسة الإسلامية في جميع أنحاء البلاد.

لكن الهند رفضت تصريحات منظمة التعاون الإسلامي، ووصفتها بأنها غير صحيحة من الناحية الواقعية وانتقائية ومضللة، مضيفة أن الجهود مستمرة لاستعادة الحياة الطبيعية والأوضاع الأمنية في دلهي.

قلق أممي

كما أعربت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان السيدة ميشيل باشليت يوم الخميس الماضي عن قلقها الشديد بشأن قانون الجنسية المثير للجدل، وحول تقارير تقاعس الشرطة في مواجهة الاضطرابات الطائفية في نيودلهي، وحثت القادة السياسيين على اتخاذ خطوات حاسمة وفورية لمنع العنف.

وردا على ذلك صرح المتحدث باسم وزارة الشؤون الخارجية بالهند رافيش كومار بأن الهند ستواصل العمل بشكل بناء مع مفوضية الأمم المتحدة السامية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم.

تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية ترفض في معظم الأحيان تصريحات دولية بشأن مثل هذه القضايا، وتؤكد أنها قضايا داخلية لها، وأن دستورها قادر على التعامل مع كل هذه المشاكل، لكن رغم تأكيد الحكومة على رعاية حقوق الانسان وحقوق الأقليات، تحدث مشاكل متكررة مماثلة مستهدِفة الأقليات لا سيما المسلمين، منذ أن تولى حزب بهارتيا جاناتا الحزب القومي المتطرف الهندوسي برئاسة ناريندرا مودي مقاليد السلطة في عام 2014م.