قالت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية: إن العنف الذي شهدته العاصمة الهندية، الأسبوع الماضي، هو أسوأ أعمال عنف طائفية شهدتها نيودلهي منذ عقود، معتبرة أنها نقطة تحول رئيسة في تاريخ الأمة، وحكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي.

وقالت الصحيفة: إن العنف -الذي بدأ أثناء زيارة الرئيس ترمب للمدينة- نقطة تحول رئيسة للأمة الهندية، فمنذ فوزه بفترة رئاسة ثانية، تابع مودي أجندة حزبه القومية الهندوسية في الهند، وسط تباطؤ اقتصادي كبير.

وتابعت: في الأشهر الستة الماضية، ألغى الحكم الذاتي لكشمير، متخلياً عن عقود من السياسة تجاه الدولة الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة في الهند، وقالت حكومته: إنها ستمضي قدماً في بناء معبد هندوسي كبير في موقع مسجد تم تدميره بشكل غير قانوني، حيث سن قانونًا مثيرًا للجدل يستبعد المهاجرين المسلمين من الجنسية.

وأشارت الصحيفة إلى أن تلك الأجندة أثارت أعمال عنف في الهند، الدولة التي أنشئت كجمهورية علمانية تضم أيضًا 200 مليون مسلم، فالأمر لحظة حاسمة بالنسبة لمودي، الذي تشرف حكومتها مباشرة على تطبيق القانون في العاصمة، وتتهم الشرطة بعدم بذل الكثير من الجهد لوقف أعمال الشغب.

واشتعلت شرارة المصادمات الشهر الماضي بين متظاهرين مؤيدين وآخرين معارضين لقانون جديد مثير للجدل حول الجنسية.

ويسمح قانون تعديل المواطَنة بتجنيس غير المسلمين من بنغلاديش، وباكستان وأفغانستان الذين دخلوا الهند بشكل غير قانوني.

وتقول الحكومة، بقيادة الحزب القومي الهندوسي بهاراتيا جاناتا، إن هذا القانون سيوفر ملاذا للفارّين من اضطهاد ديني.

ويقول منتقدون إن القانون جزء من أجندة الحزب الحاكم لتهميش المسلمين. وقد خرجت منذ تمريره العام الماضي مظاهرات حاشدة بعضها شهد أعمال عنف.

متى اشتعل العنف؟

اندلع العنف في ثلاث مناطق ذات أغلبية مسلمة في شمال شرقي دلهي على مسافة 18 كيلو مترا من قلب العاصمة.

وكانت هناك مجموعة داعمة للقانون تتظاهر على مسافة كيلو متر من تظاهرة ينظمها معارضون للقانون، وبدأ التراشق بالحجارة بين الفئتين.

عناصر شرطية تحاول فكّ اشتباك متظاهرين مؤيدين وآخرين معارضين لقانون تعديل المواطَنة، في جعفراباد على مقربة من ماوجبور في 24 فبراير/شباط 2020

ويُنسب الأمر لقياديّ في حزب بهاراتيا جاناتا، يدعى قابيل ميشرا، والذي كان قد هدّد مجموعة من المتظاهرين والمعتصمين احتجاجا على القانون، مخبرًا إياهم بأنّ اعتصامهم سيُفضّ بالقوة فور مغادرة دونالد ترامب للهند.

وقام الرئيس الأمريكي بأولى زياراته الرسمية للهند في الفترة من 24 وحتى 26 فبراير الجاري.

ماذا يجري الآن؟

ولم تعد أسباب العنف قاصرة على قانون المواطَنة الجديد فحسب. بل بدأت الأمور تنحو منحىً طائفيا وتمدّد العنف إلى مناطق محيطة، في ظل تقارير عن أشخاص يتعرضون لهجوم بسبب ديانتهم.

ورصدت تقارير حرائق، ومجموعات من الرجال يمسكون هرّاوات وقضبانا حديدية، وحجارة بينما يجوبون شوارع المدينة، وثمة مواجهات بين هندوس ومسلمين.

ويقول مراسلو بي بي سي في الهند إن شوارع رئيسية في ضواحي العاصمة باتت تعجّ بالفوضى، حيث الحجارة وشظايا الزجاج والسيارات المحطّمة في كل مكان، فضلا عن أعمدة من الدخان تتصاعد من البنايات المحترقة.

"مصاحف ممزقة"

ثمة تقارير عن استهداف لمنازل ومحالّ تابعة لمسلمين. ويقول مراسل بي بي سي، فيصل محمد، إنه شاهد مسجدا تعرّض للإحراق بشكل جزئي، وصفحات من القرآن منثورة على الأرض.

عناصر شرطية تقف في حراسة على رأس طريق بينما يمكن رؤية راية هندوسية ترفرف على مئذنة مسجد محترق بعد مصادمات بين متظاهرين مؤيدين وآخرين معارضين لقانون مواطنة جديد في العاصمة الهندية نيودلهي في 26 فبراير/شباط 2020

وتعرّض مسجد آخر للتخريب بعد ظُهر يوم الثلاثاء. وانتشر على نطاق واسع مقطع فيديو يصوّر رجالا يحاولون نزع الهلال من قمة مئذنة.

وأصيب نحو مئتي شخص، من المسلمين والهندوس، وفقا لأسماء الضحايا المعلنة حتى الآن.

ويقول مراسلو بي بي سي إنهم شاهدوا في المستشفى إصابات من كافة الدرجات، بينها جروح ناتجة عن استخدام الرصاص، كما شهدوا جموعا غفيرة تهرول إلى المستشفى لتلقي العلاج.

وقال شهود عيان إنهم رأوا كثيرين من المتظاهرين يحملون أسلحة، ورصدت تقارير إطلاق نار من فوق أسطح البنايات، وأكد مسؤولون في المستشفيات وقوع العديد من الإصابات جرّاء طلقات نارية.

ماذا تفعل السلطات؟

صرح المتحدث باسم شرطة دلهي، موهندر سنغ راندهاوا، الثلاثاء، أن الوضع تحت السيطرة، وأن "عددا كافيا من عناصر الشرطة" تمّ نشره، فضلا عن نشر قوات شبه عسكرية.

لكن الشرطة تواجه اتهاما بعدم الجاهزية وقلة العدد. وتعرض أكثر من 50 شرطيا لإصابات، ولقي واحد على الأقل مصرعه.

وتتواصل شرطة العاصمة بشكل مباشر مع حكومة الحزب الحاكم بقيادة مودي ناريندرا.

 

دورية أمنية تمرّ من أمام منازل محترقة ومتهدمة بعد مصادمات بين متظاهرين مؤيدين وآخرين معارضين لقانون المواطَنة الجديد في الهند، في نيودلهي في 26 فبراير/شباط 2020

وتقع هذه المناطق على مقربة من حدود ولاية أُتّر برديش المتاخمة للعاصمة دلهي - وقد أُغلقت الآن، وأُغلقت مدارسها، وباتت التجمعات محظورة في العديد من تلك المناطق.

وحثت السلطات الناس على الحفاظ على حالة السِلم.

وبعد ثلاثة أيام من العنف، غرّد ناريندرا مودي على تويتر  قائلا: "من المهم أن يعود الهدوء وتعود الحياة إلى طبيعتها في أقرب وقت".

ومنذ وصول مودي إلى السلطة عام 2014، تشهد الهند مدًا يمينيًا متمثلا في القومية الهندوسية، التي اعتمد عليها مودي في حملة إعادة انتخابه العام الماضي.

وتسببت أعمال العنف الأخيرة في إحراج مودي، لا سيما وأنها تزامنت مع زيارة ترامب الأولى للهند كرئيس دولة.

وقد تصاعدت أعمال العنف حتى غطت على زيارة ترامب، فاحتلت بذلك عناوين الصحف المحلية والعالمية.