بقلم: الشيخ السيد عسكر*

الإسراء هو الرحلة الأرضية التي هيأها الله لرسوله- صلى الله عليه وسلم- من مكةَ إلى القدس.. من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى.. رحلة أرضية ليلية.. والمعراج رحلةٌ من الأرض إلى السماء، من القدس إلى السموات العلا، إلى مستوى لم يصل إليه بشر من قبل، إلى سدرة المنتهى، إلى حيث يعلم الله عزَّ وجل.

هاتان الرحلتان كانتا محطةً مهمةً في حياته- صلى الله عليه وسلم- وفي مسيرة دعوته في مكة، بعد أن قاسى ما قاسى وعانى ما عانى من قريش، ثم قال: لعلي أجد أرضًا أخصب من هذه الأرض عند ثقيف عند أهل الطائف، فوجد منهم ما لا تُحمد عقباه، ردوه أسوأ ردٍّ، سلُّطوا عليه عبيدهم وسفهاءهم وصبيانهم يرمونه بالحجارة حتى أدموا قدميه- صلى الله عليه وسلم- ومولاه زيد بن حارثة يدافع عنه ويحاول أن يتلقى عنه هذه الحجارة حتى شج عدة شجاج في رأسه.

خرج- عليه الصلاة والسلام- دامي القدمين من الطائف، ولكن الذي آلمه ليس الحجارة التي جرحت رجليه ولكنَّ الكلامَ الذي جرحَ قلبَه؛ ولهذا ناجى ربَّه هذه المناجاة، وبعث الله إليه ملك الجبال يقول: إن شئت أُطبق عليهم الجبلين، ولكنه- صلى الله عليه وسلم- أبى ذلك، وقال: "إني لأرجو أن يُخرِج الله من أصلابهم مَن يعبد الله ولا يُشرك به شيئًا، اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون".

ثمَّ هيَّأ الله تعالى لرسوله هذه الرحلة- الإسراء والمعراج- ليكون ذلك تسريةً وتسليةً له عمَّا قاسى؛ تعويضًا عمَّا أصابه ليعلمه الله- عز وجل- أنه إذا كان قد أعرض عنك أهل الأرض فقد أقبل عليك أهل السماء، إذا كان هؤلاء الناس قد صدُّوك فإنَّ الله يرحب بك وإن الأنبياء يقتدون بك، ويتخذونك إمامًا لهم، كان هذا تعويضًا وتكريمًا للرسول- صلى الله عليه وسلم- منه عزَّ وجل، وتهيئةً له للمرحلة القادمة، فإنه بعد سنوات قيل إنها ثلاث سنوات وقيل ثمانية عشر شهرًا (لا يُعلم بالضبط الوقت الذي أُسري فيه برسول الله- صلى الله عليه وسلم) إنما كان قبل الهجرة يقينًا.

كانت الهجرة وكان الإسراء والمعراج إعدادًا لما بعد الهجرة، ما بعد الهجرة حياةَ جهادٍ ونضالٍ مسلح، سيواجه- صلى الله عليه وسلم- العربَ جميعًا، سيرميه العرب عن قوسٍ واحدة، ستقف الجبهات المتعددة ضد دعوته العالمية، الجبهة الوثنية في جزيرة العرب، والجبهة الوثنية المجوسية من عُبَّاد النار، والجبهة اليهودية المُحرِّفة لما أنزل الله والغادرة التي لا ترقب في مؤمن ذمة، والجبهة النصرانية التي حرَّفت الإنجيل والتي خلطت التوحيد بالوثنية، والتي تتمثل في دولة الروم البيزنطية.

كان لا بد أن يتهيأ- صلى الله عليه وسلم- لهذه المرحلة الضخمة المقبلة ومواجهة كل هذه الجبهات بهذا العدد القليل وهذه العدة الضئيلة، فأراد الله أن يريَه من آياته في الأرض وآياته في السماء.. قال الله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الذِيْ أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الذِيْ بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا﴾ (الإسراء:1) حتى يرى آياتِ الله في هذا الكون وفي السماء أيضًا، كما قال الله تعالى في سورة النجم التي أشار فيها إلى المعراج: ﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى* لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾ (النجم:17، 18).. أراد الله أن يريَه من هذه الآيات الكبرى حتى يقوى قلبُه ويصلب عوده، وتشتدَّ إرادته في مواجهة الكفر بأنواعه وضلالاته، كما فعل الله تعالى مع موسى- عليه السلام- حينما أراد أن يبعثه إلى فرعون، هذا الطاغية الجبار المتألِّه في الأرض الذي قال للناس أنا ربكم الأعلى.. ما علمت لكم من إله غيري..!!

عندما أراد الله أن يبعث موسى إلى فرعون، أراه من آياته ليقوى قلبه، فلا يخاف فرعون ولا يتزلزل أمامه، حينما ناجى الله عز وجل، وقال: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى* قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى* قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى* فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى* قَالَ خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى* وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى* لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى﴾ (طه: 17 من الآية إلى 23)، هذا هو السر، ﴿لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى﴾، فإذا علمت أنك تركن إلى ركنٍ ركين، وتعتصم بحصنٍ حصين، وتتمسك بحبلٍ متين؛ فلا تخاف عدوًا، هكذا فعل الله مع موسى، وهكذا فعل الله مع محمد- صلى الله عليه وسلم- أراه من آياته في الأرض ومن آياته في السماء، الآيات الكبرى ليستعد للمرحلة القادمة.
 
كان الإسراء والمعراج تهيئةً لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكان تكريمًا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكان تسليةً لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- عمَّا أصابه من قومه في مكة وفي الطائف، وكان كذلك لشيء مهم جديد في حياة المسلمين وله أثره في حياتهم المستقبلية هو فرض الصلاة، فرض الله في هذه الليلة الصلاة، عادةً الدول حينما يكون هناك أمرٌ مهم تستدعي سفراءَها، لا تكتفي بأن تُرسل إليهم رسالةً إنما تستدعيهم ليمثلوا عندها شخصيًّا وتتشاور معهم، وهكذا أراد الله- سبحانه وتعالى- أن يستدعي سفيرَه إلى الخلق، محمد- صلى الله عليه وسلم- ليسري به من المسجد الحرام، ثم يعرج به إلى السموات العُلا إلى سدرةِ المنتهى، ليفرض عليه الصلاة، إيذاناً بأهمية هذه الفريضة في حياة الإنسان المسلم والمجتمع المسلم، هذه الفريضة التي تجعل المرء على موعدٍ مع ربه أبدًا، هذه الفريضة فُرضت أول ما فرضت خمسين صلاة، ثم ما زال النبي- صلى الله عليه وسلم- يسأل ربه التخفيف بإشارةِ أخيه موسى حتى خفَّف الله عنهم هذه الصلوات إلى خمس، وقال: "هي في العمل خمس وفي الأجر خمسون"، فهي من بقايا تلك الليلة المباركة.

هي معراج لكل مسلم، إذا كان النبي- صلى الله عليه وسلم- قد عُرِج به إلى السمواتِ العلا، فلديك يا أخي المسلم معراجٌ رُوحيٌّ تستطيع أن ترقى به ما شاء الله عزَّ وجل، بواسطة الصلاة التي يقول الله تبارك وتعالى فيها في الحديث القدسي: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي قسمين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال عبدي: الحمد لله رب العالمين قال الله تعالى: حمدني عبدي، فإذا قال الرحمن الرحيم، قال تعالى: أثنى علي عبدي، فإذا قال مالك يوم الدين قال الله تعالى: مجّدني عبدي، فإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين، قال الله تعالى: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال اهدنا الصراط المستقيم إلى آخر الفاتحة، قال الله تعالى هذا لعبدي ولعبدي ما سأل".

المسلم وهو يصلي يستطيع أن يرتقيَ حتى يكاد يسمع هذه الكلمات من الله تبارك وتعالى، الصلاة هي معراج المسلم إلى الله تبارك وتعالى، ثمَّ لا بد أن ننظر لماذا كان هذا الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، لماذا لم يُعرج برسول الله- صلى الله عليه وسلم- مباشرةً من المسجد الحرام إلى السموات العلا؟ هذا يدلنا على أنَّ المرور بهذه المحطة القدسية، المرور ببيت المقدس، في هذه الأرض التي بارك الله فيها للعالمين، المرور بالمسجد الأقصى كان مقصودًا، والصلاة بالأنبياء الذين استقبلوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في بيت المقدس، وأنه أمَّهم، هذا له معناه ودلالته، أنَّ القيادة قد انتقلت إلى أمةٍ جديدةٍ وإلى نبوة جديدة، إلى نبوة عالمية ليست كالنبوات السابقة التي أُرسل فيها كل نبي لقومه، هذه نبوةٌ عامةٌ خالدةٌ لكل الناس، رحمة للعالمين، ولجميع الأقاليم ولسائر الأزمان، فهي الرسالة الدائمة إلى يوم القيامة، عموم هذه الرسالة وخلودها كان أمرًا لا بد منه، وهذه الصلاة بالأنبياء تدل على هذا الأمر، والذهاب إلى المسجد الأقصى وإلى أرض النبوات القديمة، التي كان فيها إبراهيم وإسحاق وموسى وعيسى إيذانٌ بانتقال القيادة إلى الأمة الجديدة وإلى الرسالة العالمية الخالدة الجديدة.

ثم أراد الله- تبارك وتعالى- أن يربط بين المسجدين، المسجد الذي ابتُدئ منه الإسراء، والمسجد الذي انتهى إليه الإسراء ﴿مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى﴾ أراد الله- عزَّ وجل- لما يعلمه بعد ذلك أن يرتبط في وجدان المسلم هذان المسجدان، المسجد الحرام والمسجد الأقصى، وأراد الله أن يثبت المسجد الأقصى بقوله ﴿الذِيْ بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ وصف الله هذا المسجد بالبركة، وهذا قبل أن يوجد مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لأنَّ المسجد النبوي لم ينشأ إلا بعد الهجرة، في المدينة فأراد الله أن يوطد هذا المعنى ويثبته في عقول الأمة وقلوبها؛ حتى لا يفرطوا في أحد المسجدين، من فرَّط في المسجد الأقصى أوشك أن يفرط في المسجد الحرام، المسجد الذي ارتبط بالإسراء والمعراج، والذي صلَّى إليه المسلمون مدةً طويلةً من الزمن.
 
حينما فُرِضت الصلاة كان المسلمون يصلون إلى بيت المقدس، كان بيت المقدس قبلتهم ثلاث سنين في مكة وستة عشر شهرًا في المدينة.. صلوا إلى هذا المسجد إلى بيت المقدس.. كان قبلة المسلمين الأولى، فهو القبلة الأولى، وهو أرض الإسراء والمعراج، وهو المسجد الذي لا تشد الرحال إلا إليه وإلى المسجد الحرام والمسجد النبوي، وبهذا كانت القدس هي المدينة الثالثة المعظمة في الإسلام بعد مكة والمدينة.. هكذا ينبغي أن يعيَ المسلمون أهمية القدس في تاريخهم وأهمية المسجد الأقصى في دينهم، وفي عقيدتهم وفي حياتهم، ومن أجل هذا حرص المسلمون طوال التاريخ أن يظل هذا المسجد بأيديهم.

وحينما احتل الصليبيون المسجد الأقصى، حينما جاءوا إلى فلسطين بقضهم وقضيضهم وثالوثهم وصليبهم، جاءوا من أوروبا، حروب الفرنجة أو كما يسمونها الحروب الصليبية، جاء هؤلاء وأقاموا لهم ممالك وإمارات، في فلسطين واحتلوا المسجد الأقصى، هيَّأ الله من أبناء الإسلام، ومن قادة المسلمين مَن نذروا حياتهم لتحرير هذا المسجد، وكان هؤلاء القادة من غير العرب، بدأ ذلك بعماد الدين زنكي القائد العظيم، وبابنه الشهيد نور الدين محمود، الذي يُلقَّب بالشهيد مع أنه لم يستشهد، ولكنه عاش حياته تائقًا للشهادة في سبيل الله، وكان يُشبَّه بالخلفاءِ الراشدين بعدله وزهده وحُسن سياسته، وتلميذ نور الدين محمود صلاح الدين الأيوبي البطل الكردي الذي حقق الله على يديه النصر، في معركة حطِّين ومعركة فتح بيت المقدس.. فتح بيت المقدس ولم يرق فيها من الدماء إلا بقدر الضرورة، بينما حينما دخلها الصليبيون غاص الناسُ في الدماء إلى الركب، قتلت الآلاف وعشرات الآلاف، ولكن هذا هو الإسلام.

إنَّ المسجدَ الأقصى حينما كان الإسراء لم يكن هناك مسجد مشيد، كان هناك مكان للمسجد، كما قال تعالى ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ﴾ فقوله إلى المسجد الأقصى بشارة بأنَّ المكان سيتحول إلى مسجد وهو أقصى بالنسبة إلى أهل الحجاز، ومعنى هذا أنَّ الإسلام سيمتد وسيأخذ هذا المكان الذي تسيطر عليه الإمبراطورية الرومية، كان هذا بشارة للمسلمين أن دينهم سيظهر وأنَّ دولتهم ستتسع، وأنَّ ملكهم سيمتد وسيكون هناك مسجد أقصى، وقد كان.

دخل المسلمون القدس في عهد عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-، أبى بطريرك القدس سيفرنيوس أن يُسلِّم مفتاح المدينة إلا لخليفة المسلمين، أبى أن يسلمها للقادة العسكريين، قال: أريد الخليفة بنفسه، وجاء عمر في رحلة تاريخية شهيرة مثيرة وتسلم مفتاح المدينة، وكتب عهدًا الذي يُسمَّى "العهدة العمرية"، عهدًا لهؤلاء أن يأمنوا على أنفسهم وأموالهم وذراريهم ومعابدهم وشعائرهم وكل ما يحرص الناس عليه، وشرط اشترطوه ألا يُساكنهم فيها أحدٌ من اليهود.

وحينما دخل المسلمون القدس لم يكن فيها يهودي واحد فقد أزال الرومان من سنة 135 ميلادية الوجودَ اليهودي تمامًا؛ ولذلك لم يأخذ المسلمون القدسَ من اليهود إنما أخذوها من الرومان، وقبل ذلك زالت الدولة اليهودية على يد البابليين، وبعد ذلك زال الوجود اليهودي نفسه على يد الرومان وزالت الدولة اليهودية منذ أكثر من 25 قرنًا، سنة 486 قبل الميلاد، والآن اليهود يقولون: نحن أصحاب القدس ولنا حق تاريخي.. فأين هذا الحق؟ نحن أصحاب هذا الحق، القدس سكنها العرب، من القديم، اليبوسيون والكنعانيون قبل الميلاد بثلاثين قرنًا، ثم أخذها المسلمون من أربعة عشر قرنًا أو يزيد.. فأين حقكم؟ وأين ما تدعون؟ إنه لا حقَّ لهؤلاء، ولكنه حق الحديد والنار، تكلَّم السيف فاسكت أيُّها القلمُ، منطق القوة وليس قوة المنطق، نحن نرفض هذا المنطق ونتمسك بحقنا، نتمسك بالمسجد الأقصى ولا نفرط فيه، إذا فرَّطنا فيه فقد فرَّطنا في قبلتنا الأولى، فرَّطنا في أرض الإسراء والمعراج، فرَّطنا في ثالث المسجدين المعظمين، فرَّطنا في ديننا ودنيانا وكرامتنا وحقوقنا ولن نفرط في ذلك أبدًا، سنظل نقاوم ونجاهد.

(إسرائيل) تريد أن ترغمنا على الأمر الواقع، هي في كل يوم تفعل شيئًا تقيم مغتصبات وتزيل بيوتًا، تهدد الناسَ في القدس، تُخرجهم ولا تسمح لهم بالعودة، لا تسمح لأحدٍ أن يبني بيتًا.. هكذا كل يوم مغتصبة؛ ذلك لترغمنا أن نرضى بالأمر الواقع، وهم يقولون الآن خذوا حجارة المسجد الأقصى، سنرقمها لكم، انقلوها إلى المملكة السعودية، وابنوا ما شئتم من مسجدٍ هناك، ومستعدون أن ندفع لكم النفقات، كأنَّ الحجارة هي المقدسة، المكان هو الذي قدَّسه الله، وليس الحجارة، يمكن أن نأتي بأي حجارة إنما القدسية لهذا المكان الذي بارك الله حوله، في هذه الأرض التي بارك الله فيها للعالمين، لن نقبل أن يضيع المسجد الأقصى، لن نقبل أبدًا ضياع المسجد الأقصى.
 
كل مسلم عليه واجب نحو هذا المسجد؛ فالأمر لا يتعلق بالفلسطينيين وحدهم، كل المسلمين مسئولون عن القدس وعن المسجد الأقصى، أنا قلتُ لبعض الإخوة الفلسطينيين لو أنكم تقاعستم وتخاذلتم واستسلمتم وهُزمتم نفسيًّا وسلَّمتم المسجدَ الأقصى، لوجبَ علينا أن نقاتلكم كما نُقاتل اليهود؛ دفاعًا عن حرماتنا وعن مقدساتنا، وعن قدسنا وعن مسجدنا الأقصى، المسجد الأقصى ليس ملكًا للفلسطينيين حتى يقول بعض الناس هل أنتم ملكيون أكثر من الملك؟، هل أنتم فلسطينيون أكثر من الفلسطينيين؟ نعم فلسطينيون أكثر من الفلسطينيين، وقدسيون أكثر من القدسيين، وأقصويون أكثر من الأقصويين، هذا مسجدنا، هذه حرماتنا، هذه كرامة أمتنا، هذه عقيدتنا سنظل نوعي المسلمين، ونقف ضد هذا التهويد للأقصى ومقدساته.

وقد أراد الله تعالى أن يربط هذا المسجد بهذه الذكرى لنظل في كل عام كلما جاءت ذكرى الإسراء في أواخر رجب ويحتفل بها المسلمون في كل مكان ذكرتنا بهذا الأمر الجلل، هذه القضية الخطيرة، هذه القضية المقدسة..

لا يمكن أيها الإخوة أن نفرط فيها، إذا كان اليهود قد حلموا بإقامة دولة واستطاعوا أن يحققوا حلمهم، فعلينا أن نحلم نحن بأننا لا يمكن أن نفرط في مسجدنا حتى وإن رأينا الواقع المر يستسلم هذا الاستسلام، وينهزم هذا الانهزام، لا يجوز لنا أن نسير في ركابه منهزمين.

يجب أن نعتقد أن الله تبارك وتعالى معنا وأن الله ناصرنا وأنه مظهر دينه على الدين كله، وأنه ناصر الفئة المؤمنة، وكما روى الإمام أحمد والطبراني، عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من جابههم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، قالوا يا رسول الله وأين هم؟ قال ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس".

---------------

* الأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية سابقا وعضو مجلس الشعب المصري سابقا عن الدائرة الأولى قسم شرطة طنطا.