إن لله عزَّ وجلَّ أمر المؤمنين والمؤمنات بفعل الخير، فقال تعالى في سورة الحج: (يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)  (الحج: من الآية 77)، وأثنى على فئة من المؤمنين، وكانت المسارعة في الخيرات من صفاتهم المذكورة (يُؤْمِنُوْنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْروفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِيْنَ) (آل عمران: 114).

وفعل الخير يُشترط له شرطان؛ الأول: أن يكون لوجه الله تعالى؛ أي أن تكون النية فيه لله وحده، والشرط الثاني: ألا يكون هذا الفعل مناقضًا للشرع أو لأحكام الإسلام، وفي حالة البذل المادي (مال أو أشياء عينية) فيشترط شرط ثالث وهو: أن يكون الشيء المبذول حلالاً طيبًاً حتى يؤجَرَ صاحبه.

وفعل الخير في الإسلام تحكمه ضوابط وقواعد مهمة، منها:

1- إن الله لا يقبل النافلة حتى تؤدى الفريضة (في نفس الباب).. فمثلاً إذا صلينا ركعات عديدة في وقت ما، ولم نصلِّ فريضة ذلك الوقت، فما قيمة ما أدَّيناه، وقد أهدرنا الفرض، وكذلك إذا تصدقنا بالمال بينما لم نؤدِّ الزكاة الواجبة (عند انطباق شروطها علينا)، فكيف تُقبل الصدقة دون أداء الزكاة المفروضة، وهكذا.

ومن القواعد أيضًا:

2- "ما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضته عليه".. أي أنَّ الفرائض أحبُّ إلى الله، وأعلى أجرًا من النوافل؛ مما يستوجب أن يعرف المؤمنون والمؤمنات الفرائض وأنواعها، وأن يفهموا الإسلام بشموله فهمًا جيدًا، يمكِّنهم من أن يفعلوا الأفضل والأرجح والأرجى.

ومن القواعد أيضًا:

3- واجب الوقت.. أو أولويات الفرائض؛ أي أن الفريضة التي دخل وقتها، أو وجبت الآن، مقدَّمةٌ على الفرائض الأخرى ذات السعة في الوقت أو التنفيذ، فإذا دخل وقت الصلاة فهي مقدمة على غيرها، وإذا نادى منادي الجهاد فهو مقدَّمٌ على غيره (حتى الصلاة عند الاشتباك، أو صلاة الخوف عند الحذر والترقُّب)، وهكذا.

ومن القواعد أيضًا:

4- أن الفعل المتعدَّى في خيره للغير أولى من فعل الخير المحدود.. لذلك جعل الله صفة الخيرية في الأمة في الأعمال التي تُصلح المجتمع وتنهض به (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران: 104).. (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُوْنَ بِاللهِ.. ) (آل عمران 110 ) وفي الحديث: "من سنَّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها..”.

ومن تتمة القول فى عجالة هذا المقال أن نعلم أن الفرائض نوعان رئيسيان:

فرض العين، والذي يجب على كل فرد بعينه، مثل الصلاة والزكاة (عند اكتمال شروطها).

وفرض الكفاية وهو الواجب على الأمة ككل، فإن تمَّ وتمَّت الكفاية فيه، أُجِرَ الذين أقاموه وأتمُّوه ولم يأثم الباقون، وإن لم تتم فيه الكفاية أثم المجموع.

أي أن الإنسان المسلم قد يؤدي فرائض العين بشكل مناسب، فيظن أنه قد أدى ما عليه، بينما يحمل كلَّ يوم أوزار فرائض الكفاية المعطَّلة الواجبة على الأمة، ما لم يعمل جاهدًا على إقامتها، وهذا الفهم الدقيق هو مربط الفرس في أداءات المؤمنين الواعين.

ومن أمثلة الفرائض الكفائية: الحكم بالإسلام، ووجوب الإمامة (بشروطها الشرعية ووظائفها الأساسية)، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في صورة الحسبة والتعزيرات..، والجهاد في سبيل الله (عند عدم احتلال أرض المسلمين أو التعدي على أملاكهم أو أعراضهم، أما عند حدوث ذلك فسوف يصبح الجهاد فرض عين)، وتوفير كل ما تحتاجه الأمة من تخصصات وأعمال لنهضتها وقوتها.. إلخ.