سامحيني أمي الحبيبة؛ فقد حال الاعتقال بيني وبينك، فلم أستطع أن أزورك وأنت مريضة، ولم أتمكَّن من حضور جنازتك.

 

ماذا أفعل حبيبتي والسجان بلا قلب؟! فلا يشعر بلهفة أم، ولا بكاء طفل على أبيه البريء.. مرت مائة يومٍ على اعتقالي يوم 26/2/2008م، ومنذ اللحظة الأولى وأنت شاغلي الأساسي خوفًا على صحتك، باكيًا في سجودي، داعيًا الله أن يربط على قلبك كما ربط على قلب أم موسى حينما غاب عنها ولدها محجوزًا في قصر فرعون.

 

أمي.. كنت مشتاقًا إليكِ ولحديثك الحنون ودعائكِ الدائم لي ولأشقائي وشقيقاتي بالرزق الحلال وأن ينجيَنا الله من كيد الظالمين.

 

أمي الحبيبة.. ما زالت كلماتك في أذني وقلبي وهي تُنزل عليَّ أمطار الحب والعطف والحنان، وقولك مراتٍ تعليقًا على اعتقالي أنا وإخواني ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ (البروج: 8).

 

كنت أتمنَّى أن أراك لتخفيف آلامك النفسية نتيجة غيابي الاضطراري عنك، لكن- كما تعلمين- لم يكن الأمر بيدي.

 

كنت أتمنَّى أن أكون بجانبك حين دخلتِ المستشفى، ولكن عزاؤك وعزائي أنني معتقل لأنني أحب ديني ووطني وأقاوم الفساد والاستبداد والظلم، وأحلم بيومٍ تسود في مصر الحرية والعدالة والمساواة والرخاء، وتلك القيم العليا من الإسلام الذي نفتديه بأنفسنا وأموالنا، ونرجو أن نعيش وأن نموت في سبيله.

 

أمي الحبيبة.. نزل خبر وفاتك عليَّ كالصاعقة في سجن وادي النطرون ظهر يوم 1/6/2008م، أتساءل: "هل يُتَخَيَّل أن يُمنع أحدٌ من الاشتراك في جنازة أمه أو أن يُصلي عليها أو أن يستقبل العزاء فيها؟! ماذا يخسر النظام لو فعلها وأطلق سراح معتقل (ليس له تهمة حقيقية)؟! فربما يكون ذلك تخفيفًا من كره الشعب لهذا النظام، فهل هذا النظام مصمِّم على أن يبلغ السخط مداه؟!.

 

لقد عرضوا عليَّ في المعتقل عرضًا وقد رفضته؛ حيث وافقوا- كما قالوا- على أن أحضر جزءًا من العزاء وسط قوة أمنية ضخمة وفي يدي "كلبش" مع جندي يقف بجانبي في العزاء.. إنها إهانة غير مقبولة؛ أن يتعامل النظام مع المعتقلين بهذه الصورة غير الآدمية.. هل يقبلها أحد المسئولين لنفسه حتى لو لم يكن بريئًا؟!.

 

أمي الحبيبة.. لقد واساني إخواني المعتقلون بحبٍّ وعطف وأخوة، وكأنك كنت أنتِ أمًّا لهم جميعًا، وصليت معهم عليكِ صلاة الغائب، وكانت الدعوات المخلصة من الجميع مختلطة بالدموع والصلاة في المحبس كما ورد بألف ألف صلاة طالما كان الحبس في سبيل الله وحين علمت أن الآلاف من إخواني وأحبائي وزملائي كانوا مشاركين في الجنازة والصلاة عليكِ أدركت الكرامة التي حباك الله بها، وأكرمك مع أبي بجنة الخلد جزاءً للقيم الإسلامية العظيمة التي ربيتمانا عليها.

 

أخيرًا.. استأذنك أمي أن أوجه رسالةً إلى الذين يظلمونني مع آلاف المعتقلين غيري، سواءٌ أكانوا نوابًا في مجلس الشعب يوافقون على مد قانون الطوارئ، أم كانوا منفذين للقانون أم كانوا متجاوزين له.

 

أقول لهم جميعًا: راجعوا أنفسكم قبل أن يأتيَكم الموت، وتذكروا أن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، ولا يغرَّنكم بالله الغرور؛ فالظلم ظلمات يوم القيامة، والذين يظلمون العباد لن تغنيَهم صلاة ولا صيام إلا أن يصفح المظلوم عنهم، وهيهات هيهات.

 

ثمة شبهة أخرى يقع فيها هؤلاء الظالمون، وهي أنه إنما ينفِّذ الأوامر، ولم يظلم أحدًا والظالم هو من أعطى الأوامر، وقد سجَّلها القران حينما تبرَّأ الذين اتُّبعوا (بضم التاء) من الذين اتَّبعوا (بفتح التاء)، قال تعالى: ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوْا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الأَسْبَابُ﴾ سورة (البقرة: 166).

 

ما لم يعرفه هؤلاء السجانون أننا نشعر بالقرب من الله في السجن ربما أكثر من الحج والعمرة؛ حيث الدعاء مستجاب في ثلث الليل الأخير، وهذا يعطينا سعادةً لا يضاهيها سعادة رغم مرارة السجن، ويجعلنا أكثر تصميمًا على التمسك بطريق الحق الذي نسير عليه ويجعلنا أكثر إشفاقًا على الذين يظلموننا حينما يبيعون آخرتهم بدنيا غيرهم.

رحمك الله يا أمي، وأدخلك جنة الخلد.

----------

* معتقل بسجن وادي النطرون