إخواني وأحبابي.. عندما يرتفع من حناجرنا النداء المحبب إلى السماء "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريكَ لك لبيك، إن الحمدَ والنعمةَ لك والملك، لا شريك لك لبيك"، نداء الأزل لا أول له، ونداء الأبد لا نهايةَ له، لبيك وسعديك والملك كله بين يديك والثناء الجميل عليك.

 

لبيك حاجين بقلوبنا، مهاجرين إليك بذواتنا، راقين إليك بأرواحنا، منطلقين إليك بكل كياننا، خاشعين بين يديك بجوارحنا، لبيك اللهم لبيك، كلمات معاهدة بين العبد وربه، ألا يخلد لحياته على سابق عهدها قبل الحج، بل يجب عليه أن يبدأ العمل وفق منظومةٍ جديدةٍ قوامها الطاعة والاستقامة وعدم الركون إلى الظالمين والتوبة عن أعمال المخالفين والعاصين، والصبر على تبعات الطريق ولأواء الحياة.

 

لبيك ربي في أمرك، لبيك ربي في نهيك، لبيك ربي في شرعك، لبيك ربي فقد حان وقت التغيير والإصلاح، وحان وقت الأوبة والندم، وحان وقت الطاعة والاستقامة، فلا تأخيرَ بعد اليوم، ولا نكوصَ ولا تبديلَ ولا حيدةَ عن الصراط المستقيم.

 

كل هذا يدور في نفوس الحجاج إلى بيتِ الله الحرام، كلها عهودٌ تُقطع ومواثيق تمضي، ولكن لا قيمةَ لها إن لم تُترجم إلى حياةٍ عمليةٍ وسلوكٍ معيش، ومن ثَمَّ يبدأ العمل الحقيقي فيشعر كل حاج بالتغيير الكامل، ونشعر نحن معه بذلك أيضًا من نيةٍ إلى نيةٍ، ومن قصدٍ إلى قصدٍ، ومن اتجاهٍ إلى اتجاهٍ، ومن عزمٍ إلى عزمٍ، فتنطلق عاملاً لدين الله لا تدخر في العمل لدينك وسعًا ولا جهدًا، ولا مالاً تبايع ربك على نصرةِ الإسلام أو أن تهلك دونه.

 

إخواني.. إن كنتم فيمن وفقهم الله لإجابة ذلك النداء الجليل فاعملوا أنها السعادة وفاتحة الخير كله وعنوان رضا الله، فما دعاك إلا وهو يحبك، وما ناداك إلا ليمنحك ﴿وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268)﴾ (البقرة).

 

وهنيئًا لكَ هذا الحج المبرور والسعي المشكور والذنب المغفور والعمل المأجور.

 

وإن حالت دون ذلك الحوائل فصاحبوا الحجاج بقلوبكم، ورافقوهم في أداء المناسك بأرواحكم، فإنَّ لكم مثل ثوابهم إن شاء الله كما بشَّر بذلك الحبيب- صلى الله عليه وسلم-: "إن بالمدينة أقوامًا ما سرتم سيرًا ولا قطعتهم واديًا إلا كانوا معكم"، قالوا كيف يا رسول الله؟ قال: "حبسهم العذر".

 

وفقنا الله وإياكم إلى حج بيته الحرام، وزيارة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم لنا ولكم القبول آمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وكل عام وأنتم بخير.

----------------

* أحد الإخوان المحكوم عليهم في القضية العسكرية