عام مرّ على حكم جائر...

عام مضى على ظلم بيِّن...

عام مضى على يوم أُسْدلت فيه أستار الجور على وجه الحقيقة...

عام مضى على رجال وارتهم أسوار السجون المستبدة وغيبتهم قضبان المعتقلات الغبية...

عام مضى وأسماء تملأ السمع والبصر بعيدة عن دورها وأسرها ومحبيها...

عام مضى على أموال شريفة ومقدرات طاهرة؛ قررت يد الاستبداد أن تصادرها...

عام مضى على النطق بالحكم العسكري ضد مواطنين؛ أقل حقوقهم أن يمثلوا أمام قاضيهم الطبيعي.

 

فكل عام وأنتم بخير أيها الشرفاء الأحرار رغم القيود، والشامخون رغم أسوار السجن العالية، والأعزاء رغم الذل الذي يخيّم على أوطاننا، ما خذلت دعوتكم، وما هانت تضحياتكم، وما نسيت أوطانكم ما تبذلون، فما خيّب وطنٌ يومًا ظنَّ ثواره وأحراره ومناضليه.

 

كل عام وأنتم بخير يا سجناء الحكم العسكري الذي لم يجد سجّانوكم غيره ليقيدوكم به؛ لكن نوركم يستعصي على الحصار، ودعوتكم تأبى الانكسار، وإخوانكم يعرفون لكم قدرًا لا توازيه أكاليل الفخر والغار...

 

صمودكم يسري روحًا جديدًا في بدن دعوتنا ليُنبت في وعي أبنائها بذور العطاء والتضحية...

 

وصبركم يجسّد أمام أجيال دعوتنا- شيوخاً ورجالاً ونساءً وشبابًا وأطفالاً- المعنى الحقيقي لقوله تعالى ﴿وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)﴾ (آل عمران)...

 

وصوركم تستحيل نموذجًا يضاهي نماذج كل المناضلين الذين حفلت بهم صفحات التاريخ، فأي ثراء هذا الذي تضعونه في خزينة دعوتكم؛ لتثري القاصي والداني بمثل ظن البعض أن زمانها ولى وأيامها لن تعود؟!.

 

وكل عام وأنتم بخير يا أسرًا لم تأسرها قيود أربابها، ولم يكسر الابتلاء قوس صبرها، ولم يجفف ظلم الاستبداد معين عطائها، وكان حسبها أن تمتثل قول الحق: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2)﴾ (العنكبوت)، فراحوا يصدحون ليل نهار: نحن أسر الإخوان المحاكمين في القضية العسكرية... آمنّا بحقنا في أن نعمل لوطننا... وآمنّا بقدرة أبناء هذا الوطن على الإصلاح والتغيير... وآمنّا بأن طريق النضال ليس مفروشًا بالورود... وآمنّا بأن شمس الوطن لن تشرق إلا إذا تبدد الظلام المفروض عليه بفعل غيوم الاستبداد والقمع والفساد والتبعية... وآمنّا بأن الغد قادم؛ لأن وعد الله حق.

 

وكل عام وشرفاء الوطن قادرون على أن يهتفوا في وجه المستبدين والظالمين ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾ (إبراهيم: من الآية 42)، وواثقون من قدرته على الانتصار للمظلومين في الدنيا ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ (5)﴾ ( القصص)، وعلى قدرته من أن يقتص للمظلوم من الظالم مهما علا الظالم وتجبر ﴿إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42)﴾ (إبراهيم: من الآية 42).

 

رسالة من محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين